مساء إحدى الليالي، وفي بلدة بمحافظة المنوفية وسط الدلتا شمال مصر، يجلس رأفت الشويخي ذا الـ 50عاماً، على المطصبة أمام منزله في حي فقير، ويجتمع بأبنائه لتحديد مهام عمل كل منهم صباح اليوم التالي.
رأفت الذي لايقوم بأي مهام سوى توزيع أولاده على عربات الفول التي تجول البلدة فجراً، متزوج من اثنتين ولديه 12 ابناً 8 ذكور، و4 إناث، وهو من أرباب الأكليشهات: "العيال عزوة" و"العيل بيجي برزقه" و"هات وخليها على الله"
قد تظن للوهلة الأولى أن رأفت الشويخي فقير الحال، يستطيع بالكاد الحصول على قوت يومه في معاناة، لكن الحقيقة عكس ذلك، فقد استطاع تحويل بيته الذي بناه من الطوب اللبن إلى منزل يتألف من 5 طوابق، كما اشترى قطعة أرض أخرى مسا ليبني عليها منزلاً جديداً.
رأفت هو أحد الأمثلة الحية التي تؤكد الحكومة المصرية مخاطبة أنها ساهمت في أبنائه لضبط النسل، وعدم الفرطة بالإنجاب، نتيجة ما سببته الزيادة السكنية من أضرار اقتصادية وأعباء على موازناتها.
موروثات قديمة
تتطلع الحكومة المصرية لخفض عدد المواليد حيث تتبني برنامجاً يستهدف الوصول بعدد المواليد إلى طفلين لكل أسرة لمدة 10 سنوات.
مساعي مصر تجاه الحد من الزيادة السكانية تأتي في ظل ضغوط يشهدها الاقتصاد المصري، وفجوات تمويلية تتعدى عشرات المليارات من الدولارات، وهو ما جعلها تطلق حملة للتوعية الشعبية بأهمية تنظيم الإنجاب لتحسين جودة الحياة المواطنين.
ولكن هذه المحاولات، في بلد يتخطى تعداد سكانه 103 ملايين نسمة يقابلها موروثات قديمة، وثقافة اجتماعية لدى البعض تؤمن بأن الرزق مقرون بالولد، كما هو الحال في مثال "رأفت".
يبلغ عدد المواليد في مصر سنوياً 2.18 مليون نسمة، مقابل وفيات تتراوح ما بين 500 ألف و550 ألف، ما يعني أن صافي معدل المواليد في مصر يصل إلى 1.6 مليون نسمة سنوياً.
يصف رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الزيادة السكانية بأنها "رهيبة" تعادل سكان دول.
لكن على ما يبدو، أن زيادة تكاليف المعيشة وتفاقم الوضع الاقتصادي في مصر إضافة إلى الجهود الحكومية قد لعبوا دوراً في خفض النمو السكاني في مصر نسبيا خاصة خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب ظروف أزمة كورونا بحسب مدبولي.
نماذج أخرى
وعلى الرغم من عدم إدراك البعض بتداعيات الزيادة السكانية إلا أن ثمة كثيراً من المصريين يدركون أهمية ضبط الإنجاب والسيطرة على معدلات النمو السكاني، حيث يقول محمد حسنين البالغ من العمر 45 عاماً ويعمل مدرساً بإحدى المدارس الحكومية أحدهم: "أنا رجل أبلغ من العمر 45 عام وعندي ولد واحد، ولا أريد إنجاب آخر بسبب ظروف المعيشة".
وآخر يقول:"الثقافة عندنا زمان كانت تقول إن الطفل حين يبلغ العشرة أعوام، يساعد والده في أعمال الزراعة ومصاريف البيت، لكن حالياً الوضع اختلف وأصبح من حق الطفل الحصول على تعليم جيد، وبالتالي يحتاج إلى مصروفات زيادة".
على النقيض، يرى آخر أن تكاليف المعيشة الحادة تفرض ظروف غير مواتية على الأسرة، وبالتالي قد يلجأ بعض الآباء إلى الدفع بأطفالهم نحو سوق العمل من أجل سد الاحتياجات.
معدلات المواليد في مصر كانت ثابتة لسنوات وتحديداً ما بين 1994 و2006 عند 1.6 مليون مولود سنوياً، إلى أن جاء عام 2008 وكسر عدد المواليد حاجز المليوني مولود، ثم تخطى الـ 2.5 مليون عام 2012، وفق إحصاءات رسمية.
تقول وثيقة الاستراتيجية القومية للسكان في مصر، إن الفترة ما بعد عام 2011، فرضت تحديات تضمنت عدم انتظام الخدمات العامة وتراجع الموارد لإتاحة الخدمات الأساسية ورفع جودتها، الأمر الذي انعكس سلباً على انتظام خدمات تنظيم الأسرة في مصر.
طردية بين المواليد والفقر
وبدأت الحكومة المصرية مؤخراً تسارع نحو ضبط الزيادة السكانية، لما تفرضه من أعباء على الموازنة من ناحية والاقتصاد من ناحية ثانية وأيضاً معدلات البطالة والفقر من ناحية ثالثة، حيث تساهم الزيادة السكانية في رفع معدلات الفقر التي تدور حالياً حول نسبة 30% من الشعب المصري.
حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مراراً في أحاديثه من الزيادات المتتالية في عدد السكان، حيث اعتبر أن الزيادة السكانية أكبر من كل الجهود الحكومة التي تبذلها الحكومة لتحسين جودة الحياة وزيادة معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ما سبق يساهم في نمو الفجوة بين ما تستهدفه الحكومة المصرية من طموحات اقتصادية ومالية وما يفرضه الواقع من رياح معاكسة تعوقها عن تحقيق الأماني المرجوة.
ينبغي أن يكون النمو الاقتصادي ثلاثة أضعاف النمو السكاني حتى يشعر المواطن بتحسن في أوجه الحياة، بحسب خبراء.
تستهدف مصر نموأ خلال العام المالي الجاري نحو 5.5% في حين يصل معدل الزيادة السكانة إلى 2.5% سنوياً.
تسهم الزيادة السكانية في رفع مخصصات الدعم للموازنة المصرية بما يتراوح ما بين 18% إلى 25% سنوياً، وبالتالي ربما يدفع هذا الانفجار مستقبلاً إلى حرمان فئة كبيرة من وصول الدعم إليها.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي