مازن سلهب
المؤسس والمدير التنفيذي - ماس للاستشارات
بالعودة إلى الأرقام، يظهر أن مؤشر الدولار الأمريكي مرتفع بنسبة 15% في العام 2022،ومقابل ذلك، نجد أن الذهب سجل تراجعاً بنسبة 8.7% خلال الفترة ذاتها.
لو افترضنا أن الزخم الذي دفع الدولار قد يوصله إلى مستويات 116 نقطة (وهو مستوى مقاومة مهم للغاية لمسه الدولار عام 2000) فهذا يعني تراجعاً في الذهب بنحو 3%، وإذا ما حدث ذلك فإن الذهب سيفقد 50 دولاراً في الأونصة الواحدة، ليصل إلى مستوى 1615$ الذي سجله في مارس آذار 2020 عند بداية الجائحة.
وعلى اعتبار أن معنويات الأسواق تتغير بسرعة وأن الخوارزميات المتحكمة في السوق تلعب دوراً مهماً للغاية،فإنه علينا أن نتوقع حدوث تقلبات قاسية قد لا تكون في الحسبان، أو لنقل أنها خارج حسابات الأرقام ، (لا ننسى كيف تراجع الذهب بقوة خلال أسبوع واحد من 1700$ تقريباً إلى 1525$ في آذار 2020 مع بداية الجائحة)، ثم إذا عاد مؤشر الدولار الأمريكي ليلامس مجدداً مستويات 120 نقطة (التي سجلها كذلك عام 2000) فعندها ستنضاف خسارة بنسبة 2% على الذهب ليصل عندها إلى 1580$.
ما أريد قوله أن كل المخاوف من الركود والانكماش التي لا يجب الاستهانة بأثرها في أميركا وأوروبا وبريطانيا وتباطؤ الاقتصاد الصيني من جهة، هي معطيات تعطي تبريراً لقوة الدولار الأمريكي كملاذ آمن (نظرياً) لأن العائد عليه أعلى من بقية العملات الرئيسية (ارتفاعات سلبية للأسهم والسندات والدولار)، ويظل الخيار الأفضل، حالياً على الأقل، لكن في الآن ذاته، فإن دورة قوة الدولار التي تمتد من 8 إلى 10 سنوات، وبقراءة تقنية، تقترب من قمتها وتوشك على الانتهاء، وهذا يعني بدء تراجع الزخم الذي رفع الدولار الأمريكي (خلال ستة أشهر من الآن)، ويجب أن لا ننسى أن مؤشر الدولار الأمريكي حقق مكاسب بـ19% خلال خمس سنوات.
يبدو لي أن الاقتصاد العالمي والأسواق المالية تقرأ بطريقة خاطئة مايجري ولا تسعّر المخاطر الحقيقية حتى مع التراجع المسجل. وعندما يتراجع الاقتصاد، فإنه لن يكون هنالك حل غير انتظار أن يعيد التاريخ نفسه ويتدخل بسيولة هائلة ورخيصة، لأن الحكومات والبنوك المركزية ترى أنه الإجراء الأسهل عملياً والأنجح من الناحية السياسية، بدل أن تقوم بإصلاح هيكلي بنيوي للاقتصاد. نعرف أن ذلك لن يحدث أبداً لأنه بكل بساطة، لا أحد مستعد لأن يتلقى اللوم، كما أن هذا الاصلاح الجذري للاقتصاد سيأخذ وقتاً بينما الجميع مستعجل لتحقيق نصر
قراءة تاريخية ومقارنة
- في الفترة ما بين 2013 و2015، خسر الذهب تقريباً 40% من قيمته، عندها كان مؤشر الدولار الأمريكي يحقق مكاسب وصلت 25% تقريباً (ارتفع من 79 نقطة إلى 100 نقطة تقريباً)، بينما كان التضخم في أميركا مستقراً إلى حد ما عند 2%، ماذا يعني ذلك؟ يعني أن خسارة الذهب 10% تقريباً في 2022 إلى الآن، تبقى ضمن التوقعات دون أن تتحول إلى انهيار، لأن التضخم بقي مرتفعاً على الرغم من قوة الدولار الأمريكي في 2022 (مؤشر الدولار الأمريكي مرتفع 15% في 2022).
- ما أبقى الذهب عند المستويات الحالية هو التضخم القياسي فقط لا غير، وغير ذلك كانت خسائر الذهب ستتحول إلى انهيار بنسبة أعلى من الخسائر الحالية.
- إذا بدأ التضخم بالتراجع (سيحصل تدرجياً في الأشهر القادمة)، ولم تتراجع أسعار الفائدة بقوة (بقيت بحدود 2% إلى 2.5% ) دون الاضطرار إلى العودة إلى سياسة الفائدة المتدنية، عندها يمكن القول أن الذهب سيمنى بخسائر قاسية. هذا سيناريو قد يحدث في حالة واحدة: إذا كان التراجع الاقتصادي في أميركا والعالم طفيفاً في العام القادم دون الدخول في ركود حقيقي وليس ركوداً تقنياً كما حدث في الربعين الأول والثاني من 2022.
- عندما حقق الذهب مكاسب بين العامين 2016 و2018, كانت أسعار الفائدة في أمريكا ترتفع من مستوى ربع نقطة مئوية لتصل الى 2%، بينما كان مؤشر الدولار الأميركي يتراجع من 102 نقطة ليصل إلى 90 نقطة تقريباً. وبالتالي المعيار الأساسي هنا كان ضعف الدولار الأمريكي.
النتيجة:
- يبقى مؤشر التضخم الأميركي هو العامل المشترك في كل هذه السنوات التي حافظت على تماسك الذهب (ارتفاعاً أو خسائر محدودة)
- لابد من تراجع مؤشر الدولار الأمريكي حتى يبدأ الذهب في الارتفاع مجدداً.
- لم يبدأ الفيدرالي بعد في تخفيض ميزانيته كما كان متوقعاً، وكما قال في بداية العام وهذا يعني أنه مازال لديه أدوات ليستعملها وبيع 95 مليار شهرياً من الأصول التي اشتراها لدعم الاقتصاد بسبب الجائحة. وهنا سؤال مهم للغاية: هل الفدرالي الأميركي جدّي حقاً بشأن محاربة التضخم؟
- السباق الآن بين هل سيحدث الركود أسرع أو أن التوقف عن رفع الفائدة سيكون أقرب مما توقعت الأسواق؟
- يبقى خيار شراء الذهب الحقيقي منطقياً مع كل مايجري. لاأحد يعرف متى نصل إلى القاع ولا إلى أين يمكن أن يستقر سعر الذهب عند حده الأدنى.
- لاأحد ينسى الصين وعملتها اليوان التي تراجعت 10% مقابل الدولار في العام الجاري وهذا يتماشى مع تراجع الذهب. إذا تدخل بنك الشعب الصيني لدعم العملة وهذا أمر وارد، فإن هذا سيكون لصالح الذهب مجدداً.
في كل هذه السيناريوهات التي قد تبدو معقدة للبعض, لايبدو أن قوة الدولار الأميركي هي الهدف أصلاً، والأسوء أن الفائدة المرتفعة ستترتب عنها تريليونات من الدولارات على فوائد خدمة الدين الأميركي (ديون الحكومة الأميركية).
العالم تغير عما كان عليه في الثمانينات والتسعينات، وسواء دخلت أميركا في ركود أو لم تدخل، هناك دائماً دورة اقتصادية للفائدة حيث بقي الاتجاه العام هابطاً منذ ثمانينات القرن الماضي ومن غير المتوقع أن يتغير حالياً.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي