بقلم مازن سلهب
المؤسس والمدير التنفيذي لماس للاستشارات
إن تعديل سعر الصرف الذي قام به مصرف سوريا المركزي وتخفيض قيمة صرف الليرة السورية من 2814 ليرة مقابل الدولار الى 3015 ليرة يعني تراجعاً بنسبة 7% تقريباً، وهذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة.
قد يكون جزء من القرار هو لتضييق الفجوة بين السعر الرسمي وبين السوق السوداء "السوق الموازية غير الرسمية" حيث يتم تصريف الليرة بأسعار أعلى تصل إلى 4000 ليرة / دولار وأحياناً تتجاوزها، وبالتالي من المجدي اقتصادياً للتجار والأفراد العاديين وشركات الصرافة اللجوء إلى هذه السوق، لأن الفرق بسعر الصرف يصل الى أكثر من 40% وهي نسبة مرتفعة جداً.
قرار كهذا باعتقادنا سيفتح المجال لطباعة أوراق نقدية بأرقام أعلى من الحالية، حيث أن أعلى ورقة حالياً بقيمة 5000 ليرة، حيث من المتوقع الاستمرار في تراجع سعر الصرف لعوامل سياسية واقتصادية وسيستمر بالتالي ارتفاع التضخم.
لكن من الواضح أن جميع هذه الحلول هي اجراءات ترقيعية، لأن الرهان على إعادة الإعمار وضخ السيولة وتحسين بيئة الأعمال كان مجرد فقاعة.
كما أن سندات الخزينة السورية التي أصدرها المصرف المركزي في هذ االعام لخمس سنوات وسنتين لم يتم تغطيتها بأكثر من 75%، وغالباً ستكون من مؤسسات مالية محلية بعوائد تصل 7% لخمس سنوات و 9% تقريباً في سنتين، إذ إن السندات التم تم اصدارها في عام 2020 تمت تغطيتها بنسبة 106% للسنتين، وبعوائد كانت مشابهة تقريباً للعام الجاري، وبالتالي فالطلب كان أضعف مما كان عليه قبل عامين لعوامل تتعلق بمدى جدوى العائد الاستثماري في بلد يصل فيه التضخم إلى مستويات قياسية، مضاف عليها تراجع الليرة المستمر.
من الواضح أن تخفيض قيمة العملة يشير إلى عدم قدرة المصرف المركزي على تحمل التكلفة لضبط سعر الصرف لأنها تستنزف الاحتياطي من الدولار، بالإشارة إلى أنه تم استنزافه سابقاً في تدخلات كثيرة مع بداية الحرب، حيث لاتوجد لدينا أرقام رسمية بقيمة هذا الاحتياطي حالياً، بينما تشير بعض المصادر إلى امتلاك المصرف المركزي في سوريا احتياطيات من الذهب تصل 25.8 طن، وفقاً لمجلس الذهب العالمي، بينما يمتلك لبنان مثلاً 286 طن و الأردن 37.3 طن ومصر 125 طن وفقاً لمجلس الذهب العالمي، والحقيقة أن هناك تبايناً بين عدة مصادر في احتياطيات الذهب عموماً في العديد من البلاد العربية ومنها سوريا.
وتعقيباً على قرار المركزي، إليكم عدداً من النقاط المهمة التي لا يجب أن نغفل عنها:
أولاً: تعويم العملة بوضعها الحالي سيفتح المجال الى انهيارها لغياب الأسس الاقتصادية الحقيقية التي تدعم ارتفاع الليرة ومنها الثقة والشفافية، التصنيع، الزراعة ومصادر الطاقة وكذلك التجارة الخارجية.
ثانياً: لا حل لمشكلة الليرة السورية إلا بحل سياسي شامل، ليتبعه حل اقتصادي عميق وجذري مرتبط بإعادة بناء الاقتصاد السوري الحقيقي، وليس الاعتماد على تحويلات المهاجرين أو على شركات الاستيراد والتصدير التي لا تحقق أي قيمة حقيقية حالياً على الأقل.
فكيف يمكن أصلاً أن تبني شركات استيراد وتصدير مثلاً وأنت لا تملك شيئاً حقيقياً لتصدّره للعالم بينما يعاني 90% من الشعب من غياب الأساسيات!
ثالثاً: الرهان السياسي على ما يسمى حلفاء أو أصدقاء سوريا أثبت أنه غير فعّال، وليس بهذه الطريقة تتم المساعدة.
سوريا بلد معقّد جغرافياً متنوع بشرياً, ولايمكن لأحد من الحلفاء تقديم شيء مجاني! هل تعتقدون حقاً أن الصين ستأتي لتدفع ملايين الدولارات في بلد مثل سوريا، معاقب اقتصادياً، وصغير نسبياً بشرياً. الصين ستأتي عندما تتغير القواعد الاقتصادية وآلية صنع القرار حيث يعرف جميع السوريين عموماً ما يجري في خبايا السياسة. الصين ستأتي بمقابل شيء ما وليس لأنها تعتبرنا بوابةً على المتوسط.
رابعاً: هذه السياسات الاقتصادية القائمة على دعم العديد من المنتجات هي سياسة غير ناجحة عموماً، تكلفتها أكثر من مكاسبها، والأهم أن سياسات كهذه تخلق سوقين متباينين وتفتح مجالاً كبيراً للفساد، هذا الدعم يعتمد على النقد الأجنبي الذي تشتريه الشركات والحكومة السورية من البنك المركزي، وهذا يضاف إلى قصص أخرى من سوء الادارة.
الأفضل أن ندعم الإنسان السوري وليس السلعة، إذ لاندعم سعر البنزين مثلاً بل نوحد السعر، وندعم تحسين دخل المواطن مباشرةً، ونستفيد من هذه المبالغ في استثمارات داخلية تفيد رفع كفاءة الاقتصاد والدخل الوطني، وليس الاعتماد على بواخر تأتي من خلف البحار والجميع يعلم مدى الفساد في هذا القطاع.
يجب أن تتبع الحكومة السورية شعاراً واحداً لاغير: اعمل ودع الأخرين يعملون.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي