- قطاع العقارات التجارية يمثل 10% من القروض المصرفية في منطقة اليورو
- كلفة تمويل شراء الأصول العقارية التجارية ارتفعت 2.6 نقطة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل دورة رفع الفائدة
- متوسط ديون كبرى الشركات العقارية يمثل أكثر من 10 أضعاف أرباحها
- 47% تراجعاً بالمعاملات في قطاع العقارات التجارية خلال النصف الأول من 2023
خاص- CNBC عربية
ترزح الشركات العقارية في منطقة اليورو تحت وطأة تهديدات واسعة، متأثرة بتنامي عبء الديون التجارية، وبما يُهددها بخسائر متزايدة، لا سيما مع بلوغ تلك الديون مستويات قياسية أعلى مما كانت عليه قبل الأزمة المالية في العام 2008.
تلك الأزمة المتفاقمة اعتبرها البنك المركزي الأوروبي، برئاسة كريستين لاغارد، سيكون لها "عواقب وخيمة" على الشركات، لا سيما مع تكاليف التمويل العالية بصورة حادة، علاوة على ما تشهده قيم العقارات التجارية من تراجعات وضعف المدخولات الإيجارية.
يُظهر قطاع العقارات التجارية مزيداً من التوترات في ظل التداعيات المتتالية بدءاً من ارتدادات جائحة كورونا وظروف "العمل عن بعد" التي رافقتها، ووصولاً إلى أثر السياسة النقدية المتشددة التي تتبعها البنوك المركزية لكبح جماح التضخم، على كلفة الاقتراض، وبما يشكل مخاطر متزامنة على الشركات العقارية وكذلك على البنوك.
ومع ارتفاع أسعار الفائدة ارتفعت كلفة تمويل شراء الأصول العقارية التجارية في منطقة اليورو بمقدار 2.6 نقطة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل دورة رفع الفائدة الحالية. في وقت يصل فيه سعر الفائدة القياسي بالمنطقة على الودائع 4% مقارنة بـ -0.5 % قبل التشديد.
شاهد على CNBC عربية: قطاع العقارات التجارية يهدد بأزمة جديدة في منطقة اليورو
يمثل قطاع العقارات التجارية، طبقاً لبيانات المركزي الأوروبي نسبة 10% من القروض المصرفية في دول الاتحاد، الأمر الذي يعني أنه -في أسوأ السيناريوهات- سيواجه النظام المالي عموماً خسائر محتملة جراء ذلك.
وبحسب البيانات ذاتها والتي نُشرت أخيراً كجزء من مراجعات تُجرى مرتين سنوياً للاستقرار المالي، فإن متوسط قيمة عبء الديون لدى الشركات العقارية الكبرى في منطقة اليورو يصل إلى أكثر من عشرة أضعاف أرباح تلك الشركات، وهي مستويات يمكن مقارنتها بمستويات ما قبل الأزمة المالية العالمية أو تتفوق عليها أيضاً.
تثير تلك الأزمة مزيداً من علامات الاستفهام حول ما ينتظره قطاع العقارات التجارية بشكل خاص، والقطاع العقاري عموماً في العام المقبل 2024؟ وما إن كانت زيادة رهانات خفض الفائدة بحلول منتصف العام من شأنها تخفيف حدة الضغوطات عن كاهل تلك الشركات من عدمه؟ وهل يُمكن أن تمتد آثار هذه الأزمة للنظام المالي الأوسع بشكل دراماتيكي حاد؟
المدير الأكاديمي لمركز جامعة ولاية أوهايو للعقارات، كلية فيشر لقسم تمويل الأعمال، زاهي ديفيد، يقول في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، إن الوضع الحالي في سوق العقارات التجارية في منطقة اليورو يتشكل من خلال مجموعة من العوامل المتعلقة بأسعار الفائدة، ووباء كوفيد-19، والبيئة الاقتصادية الحالية، بما في ذلك ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.
فيما يتعلق بالمُحدد الأول المرتبط بـ "أسعار الفائدة"، فيشير إلى أن "فترة أسعار الفائدة المنخفضة في وقت سابق شجعت المؤسسات على تحمل المزيد من الديون، على اعتبار أن تكاليف الاقتراض كانت رخيصة نسبيًا. وكان هذا الاتجاه واسع الانتشار في جميع أنحاء أوروبا، مع التركيز بشكل كبير على الاستثمارات العقارية التجارية".
ومع ارتفاع أسعار الفائدة، في ظل السياسات النقدية التي اتبعتها البنوك المركزية من أجل كبح جماح التضخم منذ العام الماضي 2022 وحتى الآن، تواجه العقارات التجارية فجوة كبيرة في تمويل الديون.
ويستشهد هنا بالتقرير الصادر عن شركة إدارة العقارات AEW، في أبريل/ نيسان الماضي، والذي ذكر أن حوالي واحد من كل خمسة قروض تدعم العقارات التجارية في لندن وباريس وبرلين والتي يحل موعد استحقاقها من الآن وحتى العام 2025 من المرجح أن تواجه تحديات إعادة التمويل نظرا لارتفاع أسعار الفائدة.
تشير تقديرات AEW إلى أن قطاع العقارات التجارية، الذي يتكون من وحدات سكنية ومكاتب وصناعية وتجارة التجزئة، سيواجه فجوة تمويل ديون بقيمة 51 مليار يورو (55.95 مليار دولار) حتى العام 2025 في هذه البلدان الثلاثة.
شاهد على CNBC عربية: كيف يبدو مشهد الرهون العقارية بالعالم؟
أما فيما يخص المُحدد الثاني، والمرتبط بـ "تأثير كوفيد-19 على سوق العقارات"، يشير ديفيد، إلى أن الوباء أدى إلى تغييرات كبيرة في سوق العقارات التجارية، ولا سيما في المكاتب ومساحات البيع بالتجزئة، بعد أن أدى العمل عن بعد وزيادة التسوق عبر الإنترنت إلى انخفاض الطلب على هذه المساحات، ما أدى إلى انخفاض إيرادات الإيجار وتقييمات العقارات.
ويستشهد في ذلك السياق بتقديرات حول التحول الواضح بشكل خاص في المساحات المكتبية، تشير إلى أنه يوجد أكثر من 100 مليون قدم مربعة شاغرة في المملكة المتحدة وحدها، بزيادة قدرها 65% عن مارس 2020.
أما لجهة تأثير "ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وبما يؤثر على إعادة التمويل"، يشير المدير الأكاديمي لمركز جامعة ولاية أوهايو للعقارات، في معرض حديثه مع CNBC عربية، إلى أن بيئة التضخم المرتفعة الحالية وارتفاع أسعار الفائدة تخلقان سيناريو صعبًا لأولئك الذين يحملون ديونًا عقارية تجارية.
وتعتبر التكلفة المتزايدة لخدمة الديون والصعوبات في إعادة التمويل بسبب تشديد شروط الائتمان وانخفاض قيمة العقارات من المخاوف الكبيرة في هذا الصدد، حيث تواجه الشركات ضغوطًا شديدة بسبب تصاعد الديون ومواعيد السداد التي تلوح في الأفق، مع ما يقدر بنحو 165 مليار دولار من السندات المستحقة حتى العام 2026 عبر قطاع العقارات في أوروبا.
تدفع هذه العوامل بتوسع "خطر العدوى" على القطاع المالي الأوسع. وبينما تكافح الشركات لإدارة ديونها، تزداد احتمالية التخلف عن السداد، مما قد يؤثر على البنوك والمؤسسات المالية الأخرى التي تتعرض بشكل كبير للعقارات التجارية.
وتتفاقم المخاطر بسبب حقيقة أن نسبة كبيرة من الديون من المقرر أن تستحق قريبًا، لا سيما في العام المقبل 2024. ويمكن أن يؤدي "جدار الديون" هذا إلى موجة من حالات التخلف عن السداد والمبيعات المتعثرة، ما يؤثر ليس فقط على قطاع العقارات، ولكن أيضًا النظام المالي والاقتصاد الأوسع.
ويختتم ديفيد حديثه مع CNBC عربية، بقوله: "يمر قطاع العقارات التجارية في منطقة اليورو بمنعطف حرج، ويواجه تحديات من جبهات مختلفة"، مشيراً إلى أن الجمع بين أسعار الفائدة المنخفضة سابقًا والتي تؤدي إلى ارتفاع مستويات الديون، والتغيرات الناجمة عن الوباء في السوق، والبيئة الاقتصادية الحالية التي تتميز بارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، يمهد الطريق لفترة قد تكون صعبة مقبلة، خاصة مع اقتراب موعد استحقاق الديون الكبيرة.
اقرأ أيضاً: أكبر مخاوف أوروبا "عدم يقين المركزي"
ويشار في هذا السياق، إلى بيانات المركزي الأوروبي المذكورة والتي كشفت عن أن كلفة إعادة تمويل الشركات صاحبة المديونية الأكبر تواجه تحدياً كبيراً مع ارتفاع تكاليف الاقتراض.
فيما تعد بلدان أوروبية مثل اليونان وفنلندا واليونان ودول البلطيق الأكثر تأثراً من تلك الإشكالية، مع وجود أكثر من 90% من القروض المقدمة للشركات العقارية هناك بمعدلات متغيرة أو أنها مستحقة خلال العامين المقبلين، مقابل 30% فقط في هولندا و40% في ألمانيا على سبيل المثال.
ويضرب ارتفاع أسعار الفائدة نماذج الأعمال التي تم تقديرها قبل دورة التشديد النقدي على أساس أسعار الفائدة المنخفضة.
في المقابل، فإن مؤسس الرابطة الوطنية لمشتري العقارات في بريطانيا، جوناثان رولاند، يقول في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، إن "الأزمة حدث بالحركة البطيئة.. يمكن أن تستغرق تلك الاتجاهات المرتبطة بالعقارات التجارية سنوات حتى تظهر".
ويشير إلى أنه "يمكن إلقاء الكثير من اللوم على جائحة كوفيد، وما صاحبها من تغيير في أنماط العمل، أو العمل من المنزل أو صالة الألعاب الرياضية أو المقهى، فقد صارت تلك الأوجه من العمل الآن خيارًا مفضلاً للكثيرين الذين أعادوا تقييم التوازن بين العمل والحياة الشخصية".
كذلك مع تعرض البنية التحتية للسفر لضغوط في لندن بشكل خاص، فإن تجنب التكلفة والوقت الذي تتطلبه رحلة طويلة يعد عرضًا مغريًا بالنسبة لعديد من الموظفين.
ويضيف: لقد غيّر المتسوقون عاداتهم على مدار العشرين عامًا الماضية - فعادةً ما يكون أي شيء يمكن شراؤه عبر الإنترنت هو السبب وراء معاناة مسيرات التسوق. يتجه الكثيرون إلى العروض القائمة على "التجربة" - حيث يقدمون بشكل أساسي خدمات لا يمكن الحصول عليها عبر الإنترنت.
لقد تمتع الملاك بالإيجارات المرتفعة منذ العام 2008، حيث كان لدى عديد منهم بنود "تصاعدية فقط" تدفع عديداً من الشاغلين إلى نقطة الانهيار، خاصة بالتزامن مع ارتفاع تكاليف الوقود والمواد والموظفين التي تأثرت جميعها بارتفاع التضخم على مستوى الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، هناك سبب للتفاؤل الهادئ، كما يقول رولاند، وهو أن "التأثيرات بطيئة"، في تقديره، ويبدو أن التعافي في منطقة الاتحاد الأوروبي يحدث الآن، وهناك شعور بأن "الأسوأ قد تجاوزناه"، في أعقاب صدمة الصراع في أوكرانيا على سبيل المثال. قد يتجنب القطاع التجاري الركود العميق، لكن التعافي يجب أن يأتي قريبًا.
في سياق متصل، يشار إلى أنه خلال النصف الأول من العام الجاري 2023 تراجعت المعاملات في قطاع العقارات التجارية في منطقة اليورو بنسبة 47% مقارنة بالفترة المقابلة في العام الماضي.
وانخفضت القيمة السوقية لشركات العقارات المدرجة في منطقة اليورو من 110 % من القيمة الدفترية لأصولها إلى أقل من 70%، خلال العامين الماضيين.
من جانبه، يتحدث كبير الاقتصاديين في شركة ACY المالية في أستراليا، نضال الشعار، في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، عن الضغوطات التي يواجهها القطاع العقاري بشكل عام في أوروبا، موضحاً أن القطاع بين عامي 2021 و2022 شهد قفزة واسعة بسبب الفوائض المالية التي تشكلت لدى المستهلكين خلال فترة جائحة كورونا وعندما انخفضت عمليات البيع والشراء، فيما عندما انتهت الجائحة اتخذت تلك الفوائض طريقها لسوق العقارات.
ويشير إلى أن الأمور تبدلت مع بدء دوامة التضخم، وارتفاع معدلات الفائد، موضحاً أن القطاع العقاري بشكل عام لا يمر ببيئة صديقة حالياً مع معدلات التضخم المرتفعة في أغلب الدول الصناعية الكبرى وأسعار الفائدة الأعلى بصورة كبيرة عن ما كانت عليه قبل 2022، وجميعها عوامل أساسية في تحديد نشاط ووتيرة نمو القطاع العقاري عموماً، لأنه يتأثر بأسعار الفائدة بسبب الإقراض والاقتراض.
ويضيف: "أوروبا عانت أكثر من أي مكان آخر فيما يخص معدلات التضخم والبطالة، وبالتالي انعكس ذلك بشكل واضح على أسعار العقارات"، لافتاً إلى أنه أسعار السكن انخفضت بنسبة 8.5% في المتوسط في بعض البلدان الأوروبية (مع ارتفاع معدلات الرهن العقاري وزيادة كلفة المعيشة).
وبالتالي "ضمن البيئة الحالية وارتفاعات أسعار الفائدة لا يُتوقع بأن يكون هناك طلب كبير على السوق"، فيما يعتقد بأن العام 2024 قد يشهد تحسناً بشرط انخفاض أسعار الفائدة، لتجرى عمليات الإقراض والاقتراض بسهولة وتنخفض معدلات التضخم، بحسب الشعار.
وهو بذلك لا يعتقد بالمزيد من الضغوطات على القطاع العقاري، إنما ينظر للمرحلة الراهنة على أنها فترة "مؤقتة" إلا إذا حدث ركود اقتصادي كما يتوقع بعض الاقتصاديين.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي