نهى النحاس
محررة فيCNBC عربية
"لقد فاض الكيل".. هكذا أعلنت محكمة في هونغ كونغ اليوم الإثنين في نص قرارها بتصفية شركة العقارات الصينية المثقلة بالديون Evergrande.
وقررت القاضية ليندا تشان تصفية أكثر مطور عقاري مثقل بالديون على مستوى العالم، في خطوة قد يكون لها تداعيات أبعد من البر الرئيسي للصين.
لماذا التجأت المحكمة لتصفية Evergrande؟
يشار إلى قرار التصفية بأنه عملية مصادرة وبيع أصول الشركة، ثم استخدام العائد من تلك العملية في سداد ديونها المستحقة ودفع الأموال للمستثمرين بحسب الأولوية.
إجمالي التزامات Evergrande وصل إلى مستويات تتجاوز 300 مليار دولار في حين تبلغ قيمة أصولها 240 مليار دولار، وبحسب القاضية تشان، أصبحت الشركة غير قادرة على تقديم خطة إعادة هيكلة صحيحة بعد أكثر من عامين من تخلفها عن سداد مدفوعات ديون وبعد العديد من الجلسات في المحاكم.
وفي نص قرارها، قالت تشان: "لقد حان الوقت لكي نقول إن الكيل قد طفح". إذ جاء قرار التصفية بعد تقرير لوول ستريت جورنال بأن مقرضي الشركة في الخارج فشلوا في التوصل لاتفاق في اللحظة الأخيرة حول إعادة الهيكلة في عطلة نهاية الأسبوع.
وأكدت القاضية على أن التصفية هو القرار المناسب في ظل النقص الواضح في إحراز التقدم بخصوص تقديم خطة إعادة هيكلة قابلة للتطبيق.
وكانت تلك القضية قد رفعت من قبل أحد مستثمري Evergrande في يونيو حزيران 2022، وهي شركة Top Shine Global التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها، والتي أعلنت أن مطور العقارات الصيني لم يحترم اتفاقية لإعادة شراء الأسهم.
ومع ذلك، فإن ما تدين به Evergrande لتلك الجهة ما هو إلا حفنة صغيرة من إجمالي ديونها التي يستحق معظمها إلى مقرضين في البر الرئيسي بالصين، والذين لديهم سبل قانونية محدودة للمطالبة بأموالهم.
بينما يتمتع المقرضون الأجانب بمطلق الحرية برفع القضايا خارج الصين، والبعض منهم وقع اختيارهم على هونغ كونغ حيث يتم تداول أسهم Evergrande وغيرها من المطورين العقاريين.
اقرأ أيضاً: تفاقم عبء ديون العقارات التجارية يهدد النظام المالي الأوسع في أوروبا (خاص CNBC عربية)
ماذا بعد القرار؟
قبل صدور قرار اليوم، وقعت المحكمة العليا بالصين، ووزارة العدل في هونغ كونغ اتفاقاً حول الاعتراف المتبادل وتنفيذ الأحكام التجارية والمدنية بين الصين وهونغ كونغ والذي دخل حيز التنفيذ اليوم.
المدير التنفيذي للشركة وصف القرار بأنه مؤسف، لكنه أعلن أن الشركة ستواصل التشغيل في البر الرئيسي للصين، مع التأكيد على أن ذراع الشركة في هونغ كونغ مستقل عن أعمالها بالصين.
وبعد صدور قرار التصفية، يتوقف مديرو الشركات عن السيطرة عليها. ومع ذلك، فإن الذي سيترتب على تلك العملية قد يعتمد على الحكومة الصينية، كما أن أمر التصفية قد لا يعني بالضرورة أن Evergrande ستفلس وتنهار.
وعادة ما يتم تعيين جهة "التصفية المؤقتة" سواء كان موظفاً حكومياً أو شريكاً من شركة مهنية- من قبل المحكمة. وبعد اجتماعات مع الدائنين، يتم تعيين جهة التصفية الرسمية في غضون عدة أشهر.
وقد يقترح المصفيون خطة إعادة هيكلة ديون جديدة للدائنين بالخارج، والذين يمتلكون ديوناً بقيمة 23 مليار دولار في Evergrande. ولكن ذلك سيحدث في حالة التأكد من أن الشركة لديها أصولاً كافية.
كما ستتولى تلك الجهة مسؤولية التحقيق في شؤون الشركة وإحالة أي سوء سلوك مشتبه به بين المديرين التنفيذيين إلى المدعين العامين في هونغ كونغ.
لكن في الوقت نفسه، تتواجد معظم أصول Evergrande في الصين، وعلى الرغم من شعار "دولة واحدة ونظامين"، سيكون هناك العديد من القضايا القضائية الشائكة بشأن مسألة تعيين المصفيين مع هونغ كونغ.
كما أن الحزب الحاكم في الصين، سيكون حريصاً على الحفاظ على السيولة لدى المطورين العقاريين، وذلك من أجل ضمان أن ملاك العقارات الذي اشتروا منازل قبل البدء في تشييدها سيحصلون على مقابل ما دفعوه.
وفي السياق ذاته، قرار التصفية ضد الشركة الأم، لا يعني تعليقاً فورياً لأعمال البناء لدى Evergrande. كما أن الشركة قد تستأنف على قرار التصفية، لكن العملية ستستمر في انتظار الاستئناف.
ما مقدار الأموال الذي قد يحصل عليه الدائنين؟
كانت Evergrande قد استشهدت بتحليل لشركة Deloitte أثناء جلسة استماع في هونغ كونغ خلال يوليو تموز، والذي قدر معدل الاسترداد -إجمالي المبلغ المسترد عند التخلف عن السداد- بـ3.4% في حالة تصفية الشركة.
ومع ذلك، أفادت Evergrande في سبتمبر أيلول بأن الدائنين يتوقعون أن يبلغ هذا المعدل مستوى أقل من 3%.
وكان معظم أصول الشركة قد تم بيعها ومصادرتها من قبل الدائنين، لتصل قيمة شركتيها المدرجتين في هونغ كونغ Evergrande Property Services و Evergrande New Energy Vehicle Group عند أقل من مليار دولار حتى يوم الجمعة.
وقد تتجه جهات التصفية نحو بيع حيازة Evergrande في الوحدتين، على الرغم أنه قد يكون من الصعب إيجاد مشتريين.
شاهد أيضاً: تأثير الدومينو.. قطاعات الاقتصاد الصيني مهددة بأزمة "العقارات"
كيف تؤثر تصفية Evergrande على قطاع العقارات والاقتصاد الصيني؟
بالنظر إلى حجم مشاريع Evergrande وكذلك ديونها، ستشمل عملية التصفية العديد من السلطات وكذلك الاعتبارات السياسية. كما سيكون لاستكمال مشاريع بناء المنازل الأولوية بالنسبة للشركة والقطاع وكذلك الحكومة.
ويأتي قرار التصفية في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الصيني من بطء التعافي من أزمة كورونا، ومع الأخذ في الاعتبار أن قطاع العقارات كان محركاً رئيسياً للنمو في الصين على مدار العقدين الماضيين.
ونما الناتج المحلي الإجمالي للصين بنحو 5.3% في العام الماضي، في ظل ضعف الصادرات والطلب المحلي، وكذلك ارتفاع معدل البطالة بين الشباب وتدهور أزمة العقارات.
ويعاني قطاع العقارات من أزمة عميقة خلال السنوات القليلة الماضية، واتجه العديد من المطورين العقاريين لإشهار إفلاسهم، بجانب انخفاض إنفاق شركات العقارات 10% سنوياً على مدار عامين متتاليين.
وأشارت بيانات شركة إعادة التأمين السويسرية Swiss Re إلى أن إجمالي الديون المستحقة تقدر بـ60 تريليون يوان (8.9 تريليون دولار) أو 50% من حجم الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022.
ووفقاً لبيانات رابطة العقارات الصينية، بلغ إجمالي عدد مطوري المنازل الصينية الذين أشهروا إفلاسهم العام الماضي 233 شركة. وعلى الرغم من ذلك فإن تلك المستويات هي الأقل منذ عام 2020.
وفي العام الماضي، انخفضت مبيعات المنازل الجديدة لدى أكبر 100 مطور عقاري صيني بأكثر من الثلث إلى ما يعادل 64 مليار دولار.
ووفقاً لبيانات مكتب الإحصاءات الوطنية في الصين، تراجع إجمالي مبيعات العقارات بنحو 20.6% إلى 176 مليار دولار في 2023 على أساس سنوي، كما انخفضت عمليات بدء البناء الجديدة وفقاً للمساحة الطابقية بنحو 24.3%.
وكانت كبيرة الاقتصاديين بجامعة Oxford Economics لويس لو أعلنت أن أزمة سوق العقارات بالصين ستستغرق سنوات لكي يتم حلها. وأشارت في تقرير الشهر الماضي إلى أنه استناداً إلى معدل البناء إلى البيع- فإن الأمر سيستغرق من 4 إلى 6 سنوات حتى يتمكن المطورون الصينيون من استكمال العقارات السكنية غير المكتملة.
وفي ظل تلك الاضطرابات، تعمل الحكومة الصينية من جانبها لإنقاذ القطاع المتداعي والرئيسي والذي يشكل أكثر من 25% من الاقتصاد الصيني، إذ كشف البنك المركزي الأسبوع الماضي عن تدابير للمساعدة في تعزيز السيولة المتاحة للمطورين العقاريين، بجانب تخفيض معدلات الفائدة لأجل 5 سنوات.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي