المؤسس المشارك لـ ECER: الوضع الجديد –بخارطة الطاقة- يضر بالاقتصاد الروسي.. لكن الكرملين قام بتطوير خيارات السيطرة على الضرر
Energy Delta Institute: روسيا فقدت عميلها الرئيسي الراغب في الدفع مقابل الغاز وسيتعين عليها التعامل مع الصين التي تبحث عن خصومات
خبيرة متخصصة في قطاع النفط والغاز: أوروبا ترى أن الكلفة المالية للاعتماد على بدائل الغاز الروسي أفضل لها من تحمل الكلفة السياسية
CNBC عربية- نهى النحاس ومحمد خالد
كان تاريخ الرابع والعشرين من شهر فبراير/ شباط من العام 2022 نقطة تحوّل مفصلية في خارطة الطاقة بالنسبة لأوروبا، وذلك بعد أن وضعت الحرب في أوكرانيا دول القارة العجوز في مواجهة مورد الغاز الطبيعي الأول لها، واختبرت مدى قدرتها على التخلي عنه وفطام نفسها عن الإمدادات الواردة من موسكو.
وعلى مدار العامين الماضيين خلفت الحرب جملة من المتغيرات الواسعة في خارطة تجارة الغاز والنفط بالنسبة لروسيا وأوروبا، بخلاف ما سببته تلك الحرب المستمرة حتى الآن في صدمة ضخمة لأسواق الطاقة العالمية، وضربة قاصمة لعلاقة روسيا بأكبر عملائها (الاتحاد الأوروبي)، وذلك بعد 50 عاماً من العلاقات في مجال الطاقة عبر شبكة واسعة من البنى التحتية والاتفاقات التجارية.
ومن المؤكد أن هذا التعاون قد تراجع إلى مستويات غير مسبوقة، وسط سلسلة من العقوبات الغربية التي استهدفت موسكو، وخفض روسيا إمداداتها من الطاقة نحو أوروبا، واعتماد التكتل الموحد على موردين آخرين.
منذ الأيام الأولى للحرب، تعهدت دول الاتحاد الأوروبي بفطام نفسها عن الوقود الأحفوري الروسي، واستخدام هذا القرار كسلاح اقتصادي رئيسي ضد موسكو، خاصة وأن روسيا كانت أكبر مورد للطاقة إلى أوروبا.
وتم فرض سلسلة من العقوبات الغربية على روسيا ما بين سقف للأسعار، وحظر واردات الفحم وغيره من الوقود الصلب الروسي. وكذلك حظر النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة مع استثناءات محددة.
اقرأ أيضاً: بعد عامين من الحرب.. لماذا فشل الغرب في خنق روسيا اقتصادياً؟ (ملف خاص - CNBC عربية)
لكن قبل تلك القرارات العقابية، وتحديداً في عام 2020، كانت روسيا مسؤولة عن 24.4% من إجمالي الطاقة المتاحة للاتحاد الأوروبي، وذلك في الوقت الذي لم يلبي فيه الإنتاج المحلي إلا 41.7% من احتياجاته. أي أن بروكسل استوردت 57.5% من الطاقة التي استهلكتها في هذا العام.
وبلغت حصة الطاقة الروسية من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي نسبة ضخمة قدرها 42.6% وهي مستويات أعلى من أي دولة أخرى.
وكان الغاز الطبيعي هو واردات الطاقة الأكثر تأثراً في الاتحاد الأوروبي منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية. ففي عام 2021، استورد التكتل الموحد 83% من الغاز الطبيعي، وبلغت حصة الغاز الروسي من واردات بروكسل حوالي 50% قبل الحرب.
وتشير بيانات المفوضية الأوروبية إلى أن واردات أوروبا من الغاز الطبيعي الروسي ووارداتها من مصادر بديلة كانت عند مستويات متقاربة للغاية طوال عامي 2019 و2020، والنصف الأول من 2021. وقبل بدء الحرب بشهرين، كانت حصة روسيا لا تزال عند مستويات 41%.
ووفق بيانات يوروستات، فإن الواردات الأوروبية من منتجات الطاقة من روسيا سجلت 264 مليون طن في 2020 و275.6 مليون طن في 2021، أي أنها كانت في تزايد.
وبلغت حصة الغاز الطبيعي الروسي من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي مستويات 39.3% في 2021، مقارنة بـ24.2% لدى النرويج، و7.1% من أميركا و6.2% من بريطانيا و23.2% من باقي الدول، وهي نسب تغيرت تماماً بعد بدء الحرب.
كما كانت روسيا هي أكبر مورد لزيوت البترول إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2021 عبر حصة 24.8%.
أدركت أوروبا منذ شروعها في فرض عقوبات على الطاقة الروسية، أهمية البحث عن بدائل، خاصة في ظل تفوق واردات الغاز الروسي على أي مصادر أخرى.
وفي تقرير حديث نشره المجلس الأوروبي، أكد أن حصة الغاز الروسي المنقول عبر خطوط الأنابيب نحو أوروبا تراجعت من 40% في 2021 إلى حوالي 8% فقط في 2023.
وشكلت حصة الواردات الأوروبية من الغاز الطبيعي المسال والمنقول في خطوط الأنابيب القادم من روسيا مستويات أقل من 15%.
المجلس الأوروبي، أشار إلى أن هذا الانخفاض جاء بدعم عاملين، الأول هو الزيادة الحادة في واردات الغاز الطبيعي المسال، أما الثاني فهو الانخفاض العام في استخدام الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي.
ووفقاً لتلك الاستراتيجية، انخفضت واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي من مستويات 150 مليار قدم مكعب في 2021 إلى أقل من 43 مليار قدم مكعب في 2023.
وعوضت بروكسل هذا الخفض بزيادة حصصها مع الشركاء التجاريين الآخرين، فزادت الواردات من أميركا بنسبة تقارب الـ200% إلى 56.2 مليار قدم مكعب.
اقرأ أيضاً: بوتين: الاقتصاد الروسي الأكبر في أوروبا
كما ارتفعت الواردات من النرويغ من 79.5 مليار قدم مكعب في 2021 إلى 87.7 مليار قدم مكعب في 2023. وزادت الواردات من الشركاء التجاريين الآخرين من 41.6 مليار قدم مكعب عند 62 مليار قدم مكعب العام الماضي.
ووفقاً لذلك انتقلت روسيا من رأس قائمة أكبر موردي الغاز إلى الاتحاد الأوروبي إلى ترتيب متأخر في 2023، وجاءت النرويج في الصدارة بحصة 30.3% ثم أميركا وشمال إفريقيا عند 19.4% و14.1% على الترتيب.
فيما بلغ إجمالي واردات الغاز الروسي المسال إلى الاتحاد الأوروبي 17.8 مليار قدم مكعب وهي حصة قدرها 6.1% فقط، فيما بلغت واردات غاز الأنابيب 25.1 مليار قدم مكعب وعبر حصة 8.7%.
وعلى مستوى الغاز المسال، استورد الاتحاد الأوروبي 120 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي المسال العام الماضي، وكانت أميركا هي أكبر مورد للاتحاد الأوروبي، عبر حصة حوالي 50%. وبمقارنة عام 2023 بعام 2021، فقد تضاعفت الواردات من أميركا بنحو 3 مرات تقريباً.
وكان أكبر مستوردي الغاز الطبيعي المسال في الاتحاد الأوروبي على مدار العام الماضي، فرنسا وإسبانيا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا.
"كل صادرات النفط الروسية تقريباً اتجهت نحو الصين والهند هذا العام"، هكذا صرح نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك في نهاية 2023.
نوفاك أكد أن موسكو نجحت في التحايل على العقوبات الغربية على النفط، وحولت التدفقات من أوروبا نحو الصين والهند، ليشكلان معاً حوالي 90% من الدول المستقبلة لصادرات الخام الروسي.
وأضاف: روسيا بدأت بالفعل في إقامة روابط مع دول آسيا المحيط الهادئ قبل فرض العقوبات الغربية .. أما بالنسبة لتلك القيود والعقوبات المطبقة على الإمدادات إلى أوروبا وأميركا، فإنها سرعت فقط من عملية إعادة توجيه تدفقاتنا من الطاقة.
وشدد نوفاك على أن حصة أوروبا من صادرات الغاز الروسي تراجعت إلى نسبة تتراوح ما بين 4% إلى 5% فقط، مقابل المستويات السابقة التي تراوحت ما بين 40% إلى 45%.
وبشكل أكثر تفصيلاً، أشار نوفاك إلى أن حصة الصين زادت إلى حوالي 45% إلى 50%، وبلغت تلك الحصة بالنسبة للهند 40%.
في الوقت نفسه، أعلنت اليابان أن وارداتها من الغاز الطبيعي المسال من روسيا كانت عند أعلى مستوى في 7 سنوات خلال آخر شهر من 2023. وتعد اليابان ضمن أكبر المستوردين للغاز المسال في العالم
ومع ذلك، كشفت البيانات الحكومية الروسية، أن العائدات من مبيعات الغاز والنفط الروسي لصالح الميزانية الاتحادية الروسية، انخفضت بحوالي 24% إلى 8.8 تريليون روبل (99.4 مليار دولار) في 2023.
وتراجعت الإيرادات الروسية من النفط والغاز إلى 650.5 مليار روبل في ديسمبر كانون الثاني، مقابل 961.7 مليار روبل في نوفمبر تشرين الثاني.
يعمل صناع السياسة في بروكسل على وضع اللمسات الأخيرة على مشروع قانون سيسمح للدول الأعضاء بالحظر الكامل للغاز الروسي المستورد عبر خطوط الأنابيب وكذلك الغاز الطبيعي المسال.
ويرى المسؤولون أن القانون قد يمكن من الخفض التدريجي لواردات الطاقة حتى يتم وقفها بشكل نهائي بدون إحداث تأثيرات كبيرة على سوق الغاز الأوروبي.
وبموجب المقترح سيصبح لدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي السلطة للحد الجزئي أو الكلي -إذا كان ذلك مبرراً- من الوصول إلى البنية التحتية أمام مشغلي الغاز من روسيا وبيلاروسيا من أجل حماية مصالحهم الأمنية. وقد يوفر هذا الاقتراح أساس لشركات الطاقة في الاتحاد الأوروبي للخروج من عقودها مع موفري الغاز الروسيين بدون الاضطرار لدفع تعويضات ضخمة.
المؤسس المشارك لـ ECERA، خبير الطاقة أندريه كوفاتاريو، يقول في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية: "أنا على يقين من أن أوروبا لن تعود إلى سياق الطاقة القديم.. ولقد أظهر العامان الماضيان النطاق الكامل للمخاطر المرتبطة بالاعتماد على الوقود الأحفوري (أو أي اعتماد في الواقع)، وهو درس صعب تعلمته أوروبا".
ولهذا السبب، تم تحديد تنويع إمدادات هذه السلع وتسريع عملية التحول في مجال الطاقة كخطوات صحيحة وعاجلة إلى الأمام.
وفي سيناريو متفائل للغاية -حيث تنتهي الحرب ويتولى نوع جديد ومختلف تماماً من الحكومة السلطة في الكرملين – يقول كوفاتاريو: "قد يظل من الممكن النظر في بعض التعاون في مجال الطاقة.. ولكنني أعتقد بأن هذا من غير المرجح أن يحدث قريباً، بل ومن غير المرجح أن يستأنف الاتحاد الأوروبي علاقاته التجارية مع روسيا بمستويات مماثلة لما كانت عليه قبل الحرب".
وحول إلى متى تستطيع أوروبا أن تستمر في "فطام نفسها عن الغاز الروسي"، يقول المؤسس المشارك لـ ECERA: "في حين ولّد هذا السياق (التخلي عن روسيا) الكثير من قضايا أمن الطاقة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، إلا أن الكتلة الاقتصادية تمكنت من تأمين احتياجاتها من الطاقة، وإن كان ذلك بتكلفة عالية".
وقد أوجدت هذه الجهود واقعاً جديداً، اتسم بالتعاون الجديد أو الموسع مع موردي الغاز الطبيعي المسال (مثل الولايات المتحدة وقطر والنرويغ)، فضلاً عن النشر المتسارع لحلول الطاقة النظيفة بوتيرة أعلى.
ويتابع: "ولا يزال من المهم أن نفهم أن بعض الغاز الروسي لا يزال يتدفق إلى أوروبا - إما عبر خطوط الأنابيب أو الغاز الطبيعي المسال.. ومع ذلك، أعتقد بأن الجزء الأصعب قد مر؛ وقد انخفض اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي بشكل كبير".
وحول إلى أي مدى تستطيع روسيا تحمل تداعيات خسارة سوق كبيرة جداً كالسوق الأوروبية، يشدد على أنه بالنسبة لروسيا، كان الغاز يدور دائما حول الجغرافيا السياسية، في حين كان النفط يدور حول المال. وبطبيعة الحال، فإن الوضع الجديد يضر بالاقتصاد الروسي، ولكن الكرملين قام بتطوير خيارات السيطرة على الضرر.
على سبيل المثال، تم تحديد مشترين بديلين للنفط، وتم العثور على حلول لتجاوز حظر الشحن أو التأمين، وما إلى ذلك. ومن المؤكد أن خسارة السوق الأوروبية، إلى جانب جميع العقوبات المتعلقة بالطاقة وغير المتعلقة بالطاقة، تضر باقتصادها. ومع ذلك، طالما وجدت روسيا طرقًا للتحايل على بعض العقوبات أو الحظر، فإن بعض الأموال ستظل تتدفق إلى ميزانيتها.
وفي تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، يشير خبير أول في Energy Delta Institute، تيرى بروس، إلى أن خارطة الغاز القديمة "لن تعود" حيث أن الطلب على الغاز في الاتحاد الأوروبي أصبح الآن أقل بنسبة 20٪ من مستوى ما قبل عام 2021 ومن غير المرجح أن ينمو مرة أخرى.
كذلك لم يعد خطا "نورد ستريم 1" و"2" قادرين على نقل الغاز الروسي بعد الآن، ولن يكون العبور عبر بيلاروسيا اليوم وعبر أوكرانيا اعتبارًا من العام 2025 ممكنًا بعد الآن.
بالنسبة للغاز، فقدت روسيا عميلها الرئيسي الراغب في الدفع، وسيتعين عليها التعامل مع الصين التي تبحث عن خصومات. وبالنسبة للنفط، فإن روسيا في وضع أفضل بعد أن تحولت من أسواق الاتحاد الأوروبي المتراجعة إلى الأسواق الآسيوية النامية، لكنها لن تكون في وضع يسمح لها ببيع نفطها بعلاوة بعد الآن.
وحول مدى قدرة أوروبا على المضي قدماً في التخلي عن الغاز الروسي، يضيف خبير الطاقة العالمي: يريد الاتحاد الأوروبي أن يتخلص من الغاز الروسي قبل العام 2030. وهذا أمر ممكن للغاية.. ولكن بعض الدول/الشركات لا تزال تحب الغاز الروسي لأنه أرخص.. لذا فإن مشكلة الاتحاد الأوروبي تتلخص في إرغام المجر والنمسا على التوقف عن تمويل الحرب الروسية عن طريق شراء الغاز الروسي.
أما عن روسيا وخسارة السوق الأوروبية، يعتقد بروس بأن "الكرملين لا يهتم"، ولكن غازبروم كشركة قد دمرت ولن تزدهر أبدًا كما كانت من قبل، في تقديره.
ولجهة الرابحين من تغير الخرائط حالياً، يعتقد خبير أول في Energy Delta Institute، بأن "جميع شركات النفط والغاز غير الروسية هي التي تستفيد من هذا، لكن يجب عليها استخدام هذه الزيادة الإضافية في الإيرادات للاستثمار في المستقبل، وهو ما لا تفعله"، موضحاً في الوقت نفسه أن شركات الاتحاد الأوروبي ومواطنيه هم الخاسرون من استمرار الحرب بسبب عدم قدرة صناع القرار في الاتحاد الأوروبي على تقديم المساعدة العسكرية الكافية لأوكرانيا لتحقيق النصر.
من جانبها، فإن خبيرة الغاز والنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتايان، تقول في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية: "لا أعتقد بأن هنالك عودة للوراء حتى بعد الحرب وبعد أية تسوية سوف تحدث.. أوروبا لا تريد العودة لسابق عهدها وأن تكون مرتبطة هذا الارتباط بالغاز الروسي، وذلك بعد أن تكيفت مع الواقع وتمكنت من الوصول إلى البدائل المناسبة، حتى لو كان البديل قد يكون مكلفاً في بعض الأحيان لكنهم يعتقدون بأن الكلفة المالية أفضل من الكلفة السياسية التي قد يواجهونها (..)"، مشيرة في الوقت نفسه إلى المساعي الأوروبية للاعتماد على الطاقات النظيفة، ومن خلال إبرام عقود مع دول في أفريقيا وغيرها من أجل الاستثمار في تلك الطاقات.
وتضيف: "كذلك روسيا تكيفت مع خسارة سوق كبيرة، ووجدت أسواقاً أخرى كالهند والصين استبدلتها بالسوق الأوروبية.. طبعا بعض الخسائر لجهة كونها تبيع بالخصم لتلك الدول".
لكنها تشير في الوقت نفسه تشير إلى أهمية تلك الأسواق مثل الهند والصين بالنسبة لروسيا، بالنظر إلى أنها تملك معدلات نمو مرتفعة، ذلك أن النمو الاقتصادي يأتي من الجنوب العالمي، وبالتالي كل الأسواق وكل الدول التي لديها نفط وغاز وأي وسائل أخرى تريد أن تكون لها علاقات مع الدول حيث النمو الكبير والتي تنمو بشكل كبير خاصة الآسيوية وحتى الأفريقية".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي