بعد أقل من شهر من إعلان الولايات المتحدة فرض زيادات في التعريفات الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية من 25% إلى 100% في عام 2024، قرر الاتحاد الأوروبي زيادة التعريفة الجمركية على السيارات الكهربائية من الصين أيضاً ولكن بنسب أقل كثيراً من التعريفة الأميركية.
وتضمنت الرسوم التي أضافها الاتحاد، إلى جانب نسبة 10% الضريبة الحالية المفروضة، فرض رسوم بنسبة 38.1% على منتجي السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطارية (BEV) من الصين، الذين لم يتعاونوا في تحقيق الاتحاد، ورسوماً بنسبة 21% على شركات صناعة السيارات التي امتثلت ولكن لم يتم "أخذ عينات منها"، ورسوماً بنسبة 17.4% على منتجات شركة BYD، وعلى شركة Geely بنسبة 20%، وعلى منتجات شركة SAIC بنسبة 38.1%.
وتعد الرسوم الجديدة التي قررها الاتحاد الأوروبي، والمقرر تطبيقها بحلول الرابع من يوليو/ تموز، رسوماً مؤقتة، إلى حين إعلان نتائج التحقيق الذي يجريه الاتحاد في نوفمبر/ تشرين الثاني، وعندها يمكن فرض رسوم نهائية، تصل مدتها عادة إلى خمس سنوات، أو إلغاء الزيادة في هذه الرسوم أو فرض نسب مختلفة.
هناك عدة فروق بين التعريفة الجمركية التي رفعها كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على السيارات الكهربائية الصينية، من أبرزها نسبة التعريفة نفسها، وإجراء تحقيق من أجل التأكد من حدوث عملية دعم لشركات السيارت الصينية.
قال كبير خبراء الاقتصاد الأسبق في بنك التنمية الآسيوي، وأستاذ التمويل والاقتصاد في كلية كولومبيا للأعمال وكلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، شانغ جين وي، في مقال نشره على منصة Project Syndicate، الأربعاء 19 يونيو/ حزيران، إن النتائج التي توصل إليها الاتحاد الأوروبي توفر نظرة ثاقبة للطبيعة الحقيقية لتعريفة "مكافحة الدعم".
وأضاف أن ذلك جاء في الوقت الذي فرضت فيه الولايات المتحدة تعريفة بنسبة 100% على المركبات الكهربائية الصينية (بدون تحقيق جدي)، وهي أعلى كثيراً من أي تقدير معقول لإعانات الدعم الصينية، مشيراً إلى أن "نيتها الحمائية واضحة".
اقرأ أيضاً: رسوم أوروبية وأميركية على بضائع الصين.. هل تدق الحرب التجارية طبولها من جديد؟
وذكر شانغ جين وي أن رسوم الاتحاد الأوروبي المعلن عنها مؤقتة، ويعتمد مستوى التعريفة على تقديرات مقدار الدعم الحكومي الذي يتلقاه مصدر السيارات الكهربائية. وتأتي التعريفات الجديدة في أعقاب تحقيق دام أشهراً في استخدام الصين للإعانات المالية.
وقال الخبير إن التعريفات الجديدة تعكس تقديرات الاتحاد الأوروبي للحد الأعلى لإجمالي الدعم (لكل مركبة) الذي يتلقاه المنتجون الصينيون من جميع المستويات الحكومية عبر سلاسل التوريد الخاصة بهم.
وأرسل المحققون الأوروبيون طلبات للتعاون إلى جميع منتجي السيارات الكهربائية الصينيين، واختاروا ثلاثة من بين الذين امتثلوا: BYD، وGeely، وSAIC. ثم قاموا بعد ذلك بدراسة سجلات تلك الشركات وأجروا مقابلات مع المطلعين على الشركة وخبراء الصناعة.
كما أن رسوم الاتحاد الأوروبي قد يتم خفضها إذا تمكن المنتجون الصينيون من تقديم دليل على أن الدعم الذي يتلقونه أقل من المتوقع، بحسب وي، الذي أشار إلى أنه إذا تمكن الاتحاد الأوروبي من التوصل إلى اتفاق مع الصين لخفض حجم صادرات السيارات الكهربائية الصينية إلى أوروبا، فقد لا يتم تنفيذ تلك التعريفات.
في آخر تطورات هذا الأمر نظمت وزارة التجارة الصينية، اجتماعاً في بكين، بحضور ممثلون عن شركات SAIC وBYD وBMW وVolkswagen وPorsche، وغيرها، بهدف الضغط ضد التعريفات التي أعلنتها بروكسل، الأسبوع الماضي، لحماية صناعة السيارات من المنافسة الصينية، بحسب ما نقلته صحيفة غلوبال تايمز الصينية عن مصادر.
وخلال الاجتماع، دعت شركات صناعة السيارات الصينية الحكومة إلى تبنّي تدابير مضادة حازمة وزيادة الرسوم الجمركية على السيارات الأوروبية المستوردة التي تعمل بالبنزين.
وتتخوف ألمانيا من حدوث حرب تجارية بين الاتحاد الأوروبي والصين، وبالتالي احتمالية تضرر شركاتها مع انتشار سياراتها على نطاق واسع في الصين، وحاربت ألمانيا إلى جانب السويد والمجر، من أجل تجنب فرض عقوبات على الشركات المصنعة الصينية، خوفاً من رد انتقامي على الجانب الآخر.
وحذر وزير النقل الألماني، فولكر فيسينغ، عبر منصة "إكس" الأربعاء 12 يونيو، من "حرب تجارية" مع بكين، وعبر عن أسفه مع إضرار الرسوم الجديدة بالشركات الألمانية ومنتجاتها.
وترى وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في تقرير لها، الجمعة 14 يونيو، أنه من غير المرجح أن تؤثر التعريفات الجمركية الأوروبية على السيارات الصينية بشكل ملموس على المشهد التنافسي في أوروبا على المدى القصير، نظرًا للتباطؤ في استخدام السيارات الكهربائية.
لكنها أشارت إلى أنه إذا قامت الصين بالانتقام، خاصة من خلال تدابير أوسع تغطي أنواعاً أخرى من المركبات أو حتى قطاعات صناعية أخرى، فإن شركات صناعة السيارات الألمانية ستكون الأكثر تضرراً.
ومن شأن تأثير التدابير الأوسع المحتملة أن يؤثر على هوامش شركات صناعة السيارات الألمانية وتوليد التدفق النقدي. لكن فيتش تتوقع مع ذلك، أن يساعد الارتفاع الحالي لهوامش هذه الشركات في امتصاص هذه الضغوط دون أن تتأثر تقييماتها، بحسب تقرير الوكالة.
وشكلت واردات السيارات الصينية إلى أوروبا، بما في ذلك تلك المصنعة في الصين بواسطة Volvo وPolestar وDacia التابعة لـ Renault، أقل من 4% من مبيعات السيارات الكهربائية في عام 2023. وكانت شركة Tesla مسؤولة عن أكثر من ثلث هذه المبيعات، تليها شركة SAIC (بشكل رئيسي مع علامتها التجارية MG بعدد 118142 وحدة في 2023)، وBYD بعدد 16071 وحدة في 2023.
وقالت فيتش إنها لا تتوقع أن يؤدي فرض تعريفات الاتحاد الأوروبي على المركبات الكهربائية إلى تغيير وجهة نظرها السابقة بأن حصة العلامات التجارية الصينية من سوق المركبات الكهربائية في أوروبا ستبقى أقل من 5% في السنوات القليلة المقبلة.
يرى الخبير شانغ جين وي أنه حتى قبل أن تفرض إدارة الرئيس جو بايدن ضريبة بنسبة 100% على المركبات الكهربائية الصينية، كانت التعريفات الأميركية على الواردات الصينية - التي فرضت في عهد دونالد ترامب، وتم ترحيلها من بايدن - بالفعل عند مستويات مماثلة لـ "تعريفات سموت-هاول الأميركية سيئة السمعة في ثلاثينيات القرن العشرين".
وأشار إلى أنه في عام 2020، قضت لجنة تابعة لمنظمة التجارة العالمية (تتكون من خبراء من دول أخرى غير الولايات المتحدة والصين) بأن هذه التعريفات تتعارض مع التزامات الولايات المتحدة القانونية في منظمة التجارة العالمية. لكن إدارتي ترامب وبايدن اختارتا تجاهل قواعد منظمة التجارة العالمية، بحسب ما قاله.
وذكر أن أغلب الحكومات لم يكن لها موقف معلن عن سياسة الولايات المتحدة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن التعريفات الجمركية أدت إلى زيادة القدرة التنافسية النسبية لمنتجاتها في السوق الأميركي (بسبب الحد من القدرة التنافسية للمنتجين الصينيين).
وقالت شانغ جين وي إنه في أعقاب تعريفات ترامب الجمركية، انخفضت واردات الولايات المتحدة المباشرة من الصين بشكل حاد، في حين زادت الواردات من المكسيك والهند وفيتنام والعديد من البلدان الأخرى.
وفند جين وي ما يعتقده بعض المعلقين بأن التعريفة الجمركية بنسبة 30% ليست كافية للحد من صادرات السيارات الكهربائية الصينية بما أن ميزة التكلفة التي تتمتع بها الصين كبيرة للغاية، وقال إن هذا الافتراض خاطئ لسببين على الأقل.
وأضاف أن أول السببين أن الأسواق المختلفة لديها معايير مختلفة للسلامة وأمور أخرى، يتعين على منتجي السيارات في كثير من الأحيان تعديل تصميمات السيارات وفقاً لذلك، وهذا يقلل من عدد المبيعات لكل طراز في سوق معينة. (على سبيل المثال، تؤكد المعايير الصينية على سلامة المشاة والآخرين خارج السيارة في حالة وقوع تصادم، في حين تؤكد المعايير الأميركية على سلامة السائق والآخرين داخل السيارة).
اقرأ أيضاً: مع تصاعد الحرب التجارية بين الصين والغرب .. كم أنفقت بكين على صناعة السيارات الكهربائية؟
وأوضح أن السبب الثاني يتمثل في أن أي نموذج معين من السيارات يحتاج إلى الوصول إلى حد معين من حجم المبيعات حتى يكون مربحاً. وبالتالي، فإن أي تعريفة يمكن أن تقلل الكمية المتوقعة من المبيعات بدرجة يمكن معها إزالة حافز التصدير إلى تلك السوق الأجنبية تماماً.
ويشير وي إلى أن بعض منتجي السيارات الكهربائية الصينيين قد يفكرون في الإنتاج من الولايات المتحدة، وهو ما قد يكون مفيداً لخلق فرص العمل وإيرادات الضرائب هناك. ولكن بما أن مراجعة الحكومة الأميركية للاستثمارات الأجنبية الواردة تعتبر مناهضة للصين، فقد يتخلى العديد من المنتجين ببساطة عن السوق الأميركية بالكامل، بحسب ما يراه الخبير.
من المؤكد أن التعريفات الجديدة سواء الأوروبية أو الأميركية ستضر بآفاق شركات تصنيع السيارات الكهربائية الصينية، من حيث الأرباح والوظائف. ولكنها ضارة أيضاً بالأسر الأوروبية والأميركية، لأنها سوف ترفع الأسعار (سوف يواجه المنتجون المحليون ضغوطاً تنافسية أقل) وتؤخر التحول عن السيارات التقليدية شديدة التلوث، بحسب شانغ وي.
وذكر وي أنه في الوقت نفسه، ستخلق التعريفات الجديدة قوتين متعارضتين في بقية العالم. ومن خلال منع دخول السيارات الكهربائية الصينية إلى أسواق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الصادرات الصينية إلى أماكن أخرى. وهذا من شأنه أن يفيد المستهلكين في هذه البلدان، ويسهل انتقالهم إلى وسائل نقل أنظف.
وأضاف أنه بالنسبة للبلدان التي تتمتع بصناعة سيارات كبيرة، فسوف تكون هناك ضغوط تنافسية أعظم، وقد تشعر هذه الحكومات بأنها مضطرة إلى تقليد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ويرى وي أن المنتجون من الدول الأصغر يواجهون حالياً خطراً متزايداً يتمثل في قيام الدول الأكبر بفرض تدابير حمائية.
اقرأ أيضاً: الاتفاق على مشاورات صينية أوروبية بشأن التعريفة الجمركية للسيارات الكهربائية
وأشار وي إلى أن العالم سيصبح أفضل كثيراً لو وجدت القوى الكبرى طريقة للتفاوض على خطة دعم مشتركة مؤيدة للمناخ للمركبات الكهربائية، وضريبة مشتركة على انبعاثات الكربون. لكن بدلاً من ذلك، "قد نشهد سباقاً مدمراً نحو القاع".
ويعتقد وي أنه بما أن المركبات الكهربائية تعد أداة مهمة في انتقال العالم إلى اقتصاد صفر انبعاثات، فإن بعض الإعانات لهذه الصناعة أفضل من لا شيء، موضحاً أن تكلفة معدل الدعم الفعال عالمياً لإنتاج واستهلاك المركبات الكهربائية تصبح أعلى في غياب ضريبة عالمية عالية على الكربون.
ربما يفضل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التعريفات الجمركية على السلع الأجنبية على دعم إنتاج السيارات الكهربائية المحلية لأن كلاهما مثقل بالفعل بمستويات عالية من الديون، بحسب ما قاله شانغ جين وي.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي