وسط حالة حقيقية من الهلع، يتابع العلماء نمط انتشار فيروس إنفلونزا الطيور H5N1 الغريب حول العالم هذه الأيام، محاولين "ملء الفراغات" قدر الإمكان من أجل البقاء معلوماتياً أقرب ما يكون لرصد جائحة جديدة محتملة قبل حدوثها، أو فور وقوع الأزمة على أضعف الإيمان.
وفي مارس/ آذار، أبلغ المسؤولون الأميركيون عن أول تفشي لفيروس H5N1 في الأبقار الحلوب، والذي أصاب منذ ذلك الحين أكثر من 130 قطيعًا في 12 ولاية. كما تم العثور على إصابات في ثدييات أخرى تشمل القطط المنزلية.
ويشعر العلماء بالقلق من أن التعرض للفيروس في استخدامات الدواجن والألبان، إضافة إلى الحيوانات المنزلية الأليفة، قد يزيد من خطر تحور الفيروس واكتساب القدرة على الانتشار بسهولة بين الناس، مما يؤدي إلى حدوث جائحة.
تحذيرات جدية
ويراقب العديد منهم النوع الفرعي الجديد من إنفلونزا الطيور H5N1 في الطيور المهاجرة منذ عام 2020. وقال سكوت هينسلي، أستاذ علم الأحياء الدقيقة في جامعة بنسلفانيا: "يبدو الأمر وكأنه جائحة تتكشف بحركة بطيئة. في الوقت الحالي، التهديد منخفض جداً... لكن هذا قد يتغير في لمح البصر".
اقرأ أيضاً: اكتشاف سلالة شديدة العدوى من فيروس إنفلونزا الطيور في مزرعة بأستراليا
وكلما كان التحذير من انتقال الفيروس إلى البشر مبكراً، كلما تمكن مسؤولو الصحة العالمية من اتخاذ خطوات لحماية الناس من خلال إطلاق تطوير اللقاح والاختبارات واسعة النطاق وإجراءات الاحتواء.
البحث عن لقاحات
ووسط موجة الذعر، وكدليل على مدى جدية الأمر، أعلنت فنلندا البدء تقديم لقاح وقائي ضد أنفلونزا الطيور لبعض العمال الذين يتعاملون مع الحيوانات، لتصبح بذلك أول دولة في العالم تفعل ذلك.
بينما قالت شركة موديرنا يوم الثلاثاء إن الحكومة الأميركية منحت 176 مليون دولار لتطوير لقاح إنفلونزا الطيور، مع تزايد المخاوف بشأن تفشي الفيروس في عدة ولايات بين الأبقار الحلوب وإصابة ثلاثة عمال ألبان منذ مارس / آذار.
وستُستخدم الأموال من هيئة البحث والتطوير الطبي الحيوي المتقدمة الأميركية لاستكمال تطوير واختبار المرحلة المتأخرة من لقاح ما قبل الجائحة القائم على الحمض النووي mRNA ضد فيروس إنفلونزا الطيور H5N1.
وقال مسؤولون أميركيون إن الاختبارات في المرحلة المتقدمة ستبدأ في عام 2025، في انتظار النتائج المتوقعة في الأسابيع المقبلة من تجربة المرحلة الأولى لشركة موديرنا. ومن المرجح أن تركز التجربة في المرحلة المتأخرة على السلامة والاستجابة المناعية.
الانتقال إلى الإنسان
ويتضمن العقد خيارات لتسريع الجدول الزمني للتطوير إذا لزم الأمر، بناءً على زيادة الحالات البشرية أو شدة الحالات أو انتقال الفيروس من إنسان إلى إنسان.
وقال روبرت جونسون، مدير برنامج التدابير الطبية المضادة في وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، في المكالمة، إنه من السابق لأوانه معرفة عدد الجرعات التي ستتمكن شركة موديرنا من تصنيعها.
وقالت داون أوكونيل، مساعدة وزير الصحة والخدمات الإنسانية للاستعداد والاستجابة في الولايات المتحدة، إن خطر أنفلونزا الطيور على عامة الناس لا يزال منخفضًا، ولا يُنصح حاليًا بالتطعيم لأي شريحة من السكان.
ومع ذلك، قال نيراف شاه، نائب المدير الرئيسي لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، إن "مناقشات قوية" تجري داخل الوكالات الحكومية حول ما إذا كان تطعيم عمال المزارع سيكون مفيدًا، مضيفًا أنه لم يتم اتخاذ أي قرارات نهائية.
وقالت أوكونيل إن الحكومة تتوقع الحصول على المزيد من الإعلانات بشأن لقاحات H5N1 في المستقبل القريب.
تكنولوجيا كوفيد
ويستخدم كل من لقاحي موديرنا وفايزر الحمض النووي mRNA، وهي التكنولوجيا المستخدمة في لقاحات كوفيد-19 الخاصة بهما. وقال الرئيس التنفيذي لشركة موديرنا ستيفان بانسيل في بيان إن "توفر تقنية لقاح mRNA مزايا في الفعالية وسرعة التطوير والإنتاج وقابلية التوسع والموثوقية في معالجة تفشي الأمراض المعدية، كما ثبت خلال جائحة كوفيد-19".
ويمكن أن يستغرق تصنيع لقاحات الإنفلونزا التقليدية باستخدام تقنية الخلايا أو البيض من أربعة إلى ستة أشهر.
اقرأ أيضاً: وسط مخاوف من إنفلونزا الطيور .. تراجع أسعار الماشية في أميركا
وبالعودة إلى الدور الرقابي الوقائي، فتقتصر المراقبة الفيدرالية للأبقار الحلوب في الولايات المتحدة حالياً على اختبار القطعان قبل عبورها حدود الولاية.
وقال مسؤولون صحيون حكوميون وخبراء في الأنفلونزا الوبائية لرويترز إن جهود الاختبار في الولايات غير متسقة، في حين أن اختبار الأشخاص المعرضين للماشية المريضة نادر.
اختبار المزارع
وفي غضون ذلك، يقول عالم الفيروسات الهولندي رون فوشييه من مركز إيراسموس الطبي في روتردام: "تحتاج إلى معرفة المزارع الإيجابية، وعدد الأبقار الإيجابية، ومدى انتشار الفيروس، وكم من الوقت تظل هذه الأبقار معدية، ومسار الانتقال الدقيق".
وقالت الدكتورة جين مارازو، مديرة المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية، إن المراقبة على البشر "محدودة للغاية"، بحسب رويترز. ووصفت مارازو شبكة مراقبة الأنفلونزا البشرية التابعة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، بأنها "آلية سلبية للإبلاغ والعرض"... وقالت إن وزارة الزراعة الأميركية أكثر استباقية في اختبار الأبقار، لكنها لا تعلن عن المزارع المتأثرة.
من جهتها، قالت وزارة الزراعة الأميركية الأسبوع الماضي إنها ستبدأ قريباً في تعويض مزارعي الألبان عن خسارة إمدادات الحليب بسبب إصابة الأبقار بإنفلونزا الطيور، حيث قد يتكبد المزارعون الذين لديهم أبقار مصابة خسائر مالية بسبب انخفاض إنتاج الحليب وتكلفة الرعاية البيطرية. ورغم أن سوق الحليب في الولايات المتحدة لم تتأثر سلبا بانتشار الفيروس، إلا أن "الأمر صعب ومدمر بالنسبة للمنتج الفرد"، حسبما قال وزير الزراعة توم فيلساك للصحافيين.
وأشار العديد من الخبراء إلى أن اختلاف النهج بين وكالات الصحة الحيوانية والبشرية قد يعوق الاستجابة السريعة. وقال جيغي جرونفال، خبير الأمن البيولوجي في مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي: "إذا كنت تصمم النظام من الصفر، فستكون لديك وكالة واحدة. هذا ليس المثال الوحيد حيث لدينا مشاكل بيئية أو حيوانية تسبب مشاكل بشرية".
صحة إمدادات الغذاء
وقال متحدث باسم وزارة الزراعة الأميركية إن الوكالة تعمل "على مدار الساعة" مع مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها وشركاء آخرين في "استجابة حكومية شاملة"، مضيفًا أن الأبحاث الجارية تُظهر أن "إمدادات الغذاء في أميركا تظل آمنة، وتتعافى الأبقار المريضة عمومًا بعد بضعة أسابيع، ويظل الخطر على صحة الإنسان منخفضاً".
وفي بيان لها، قالت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إن "وزارة الزراعة الأميركية، وإدارات الصحة المحلية والولائية في جميع أنحاء البلاد كانت تستعد لظهور فيروس إنفلونزا جديد منذ ما يقرب من عقدين من الزمان، وتراقب باستمرار حتى أصغر التغييرات في الفيروس".
وتتخذ بعض البلدان خطوات لحماية الناس من H5N1. تعمل الولايات المتحدة وأوروبا على تأمين جرعات من اللقاحات وأصبحت الولايات المتحدة أول دولة تقوم بتطعيم عمال مزارع الفراء والدواجن، وكذلك عمال الاستجابة الصحية للحيوانات.
وقال مسؤول من منظمة الصحة العالمية إن توسيع نطاق الوصول إلى اللقاح معقد أيضاً، حيث إن مصنعي لقاحات الإنفلونزا المحتملة يصنعون لقاحات الإنفلونزا الموسمية ولا يمكنهم إنتاج كليهما في وقت واحد.
وأقر الخبراء جميعًا بالحاجة إلى تحقيق التوازن بين التصرف السريع لتجنب التهديد مقابل عدم المبالغة في رد الفعل.
وقالت ويندي باركلي، عالمة الفيروسات في إمبريال كوليدج لندن، والتي تقدم المشورة أيضاً لوكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة بشأن إنفلونزا الطيور: "نريد أن نصدر نغمة تحذير، دون أن نقول إن العالم على وشك النهاية".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي