انطلقت الانتخابات العامة في بريطانيا والتي لم تنأى بنفسها عن رياح التغيير التي اجتاحت المشهد السياسي الأوروبي، وذلك بعد فوز اليمين المتطرف بالجولة الأولى في الانتخابات الفرنسية. فحزب العمال البريطاني في طريقه لاستعادة الأغلبية بعد 14 عاماً من سيطرة المحافظين.
وتشير أحدث استطلاعات الرأي التي أجرتها Sky News poll tracker إلى تفوق واضح للعمال، إذ ذهبت 40.3% من الأصوات لهم مقابل النصف فقط (20.2%) للمحافظين.
وتوزعت النسب المتبقية بين حزب إصلاح المملكة المتحدة بواقع 16.3%، والديمقراطيين الأحرار بنسبة 11.4%، ثم حزب الخضر والحزب الوطني الإسكتلندي بنحو 6.1% و2.9% على الترتيب.
وفي ضوء تلك الاستطلاعات، تشير بعض التوقعات إلى أن عدد مقاعد المحافظين داخل البرلمان البريطاني ستقل عن 100 مقعد، ليبدو أن يوم الخميس سيكون ليلة مليئة بالدراما السياسية.
اقرأ أيضاً: الانتخابات البريطانية في يوم الحسم.. تحذيرات من عواقب اقتصادية وخيمة
كيف تعامل المحافظون مع الملفات الاقتصادية خلال 14 عاماً؟
عندما تولى المحافظون السلطة قبل 14 عاماً كانت البلاد تحاول الخروج من تداعيات الأزمة المالية، إذ قفزت الديون بشكل أكبر، وبلغ العجز في الميزانية أعلى مستوى بعد الحرب. وبدلاً من زيادة الضرائب اتجهت الحكومة إلى خفض الإنفاق.
وقد تساعد مجموعة من البيانات الرسمية في تقديم صورة أفضل لحقيقة الوضع الاقتصادي للمملكة المتحدة خلال قيادة المحافظين على مدار الـ14 سنة الأخيرة.
تراجع قيمة الإسترليني 14% .. لم يقدم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يد العون للإسترليني بل ضغط على الاستثمارات داخل بريطانيا.
ويفاقم ضعف العملة من مستويات التضخم الذي وصل بالفعل إلى مستويات مرتفعة في المملكة المتحدة مقارنة بأميركا ومنطقة اليورو لأنه يرفع من كلفة المواد المستوردة.
تآكل القوة الشرائية .. على الرغم أن الوتيرة السنوية لزيادة الأسعار في بريطانيا تباطأت الآن -بعدما سجلت مستوى قياسي 11.1% قبل 18 شهراً- ونمو الأجور بأسرع من التضخم في آخر 9 أشهر إلا أن الأجور الحقيقية زادت بالكاد منذ 2010.
ووفقاً لبيانات مؤسسة The Resolution Foundation، فإن متوسط الدخل الأسبوعي في المملكة المتحدة كان أقل بمقدار 205 جنيهات إسترليني العام الماضي من المستوى الذي كان من المفترض أنه يسجله إذ نما بنفس الوتيرة المسجلة قبل الأزمة المالية في 2008.
النمو الاقتصادي أقوى من الأقران الأوروبيين .. كان النمو الاقتصادي لدى المملكة المتحدة أقوى من مستوياته في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ومع ذلك كانت تلك المستويات هامشية.
تراجع مستوى المعيشة .. بيانات معهد الدراسات المالية كشفت أنه على مدار الفترة ما بين 2010 وحتى 2024 شهدت بريطانيا تباطؤاً في نمو الأرباح وتراجع حاد في الإنفاق العام. كما شهدت فترة من النمو السيء في الإنتاجية ومستوى المعيشة.
وارتفع متوسط دخل السكان في فئة العمل في بريطانيا بأكثر من 40% في فترة الـ12 عاماً التي سبقت 2007 وهو مستوى أعلى 3 مرات مقارنة بالنمو في أميركا و7 مرات عند المقارنة بألمانيا.
لكن في المقابل زادت تلك المستويات بحوالي 6% فقط في المملكة المتحدة بين 2007 و2019 وهو نصف مستويات أميركا وأقل بنحو 3 مرات من ألمانيا.
قفزة في أسعار المنازل .. ووسط نمو ضعيف للأجور الحقيقية في بريطانيا، شهدت أسعار المنازل ارتفاعاً كبيراً، وعلى الرغم من انخفاض متوسط الأسعار عند 284.6 ألف إسترليني في ديسمبر كانون الأول الماضي مقابل 291.7 ألف إسترليني في سبتمبر أيلول 2022، بحسب بيانات هيئة الإحصاءات الوطنية، لا تزال الأسعار مرتفعة بالمعايير التاريخية بشكل خاص عند مقارنتها بمستويات الدخل.
ووفقاً لبيانات شركة العقارات Zoopla، تنفق الأسر حالياً في المتوسط مستويات أعلى بأكثر من 29% من دخلهم بعد الضرائب لتأجير منزل ارتفاعاً من 24% في 2010. وفي 2021 أصبح 62% من الأسر في إنكلترا يمتلكون منازلهم انخفاضاً من 68% في فترة 2008/2009، بحسب البيانات الرسمية.
تراجع مستويات الفقر .. واصلت مستويات الفقر انخفاضها لكن وتيرة التحسن تباطأت منذ عام 2010. ووفقاً لبيانات معهد الدراسات المالية، فإن الفقر المدقع -الذي يقيس الأشخاص الذين تقل دخولهم عن 60% من المتوسط- تراجع خمس مرات أسرع حتى العام المالي 2009-2010 مقارنة بمستوياته بعد ذلك.
وبلغت مستويات الفقر المدقع في المملكة المتحدة مستويات 17.9% في العام المالي 2022-2023 مقابل 21.3% في 2009-2010.
في يناير كانون الثاني عام 2023، حدد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك خمسة أولويات وهي خفض التضخم إلى النصف والنمو الاقتصادي مع خلق وظائف بمستويات أجور أفضل، وخفض الدين الوطني، وتقليص فترات الانتظار على مستوى الرعاية الصحية، والتصدي للهجرة غير الشرعية .. فماذا حقق من ذلك؟
تحقيق أهداف التضخم .. كان التضخم في المملكة المتحدة وصل إلى مستويات 10.7% في فترة الأشهر الثلاثة المنتهية في ديسمبر كانون الأول 2022، وكان الهدف خفضه عند 5.3% في نهاية 2023، لكنه سجل 4.2% بحلول هذه الفترة أي أن سوناك نجح في تلبيه مستهدفه لهذه المسألة.
إخفاق مستهدف النمو .. لم تحدد الحكومة البريطانية مقياس تقييم مستهدفها للنمو لكن بشكل عام انكمش الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة 0.3% في آخر 3 أشهر من عام 2023 ودخل الاقتصاد في حالة من الركود التقني. أما على مستوى إجمالي العام الماضي، نما الاقتصاد بنحو 0.1% فقط.
وعندما سُئل وزير المالية البريطاني جيريمي هنت عما إذا كانت الحكومة قد فشلت في الوفاء بهذا التعهد، أجاب بأن التعهد كان خفض التضخم حتى النصف مضيفاً: لا أعتقد أن أي منا كان يتوقع أن ينمو الاقتصاد فعلياً العام الماضي.
غموض حول خفض الدين .. يقصد بخفض الدين هو تقليصه كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي ويحدث ذلك عندما ينمو بصورة أبطأ من الاقتصاد.
في أبريل نيسان الماضي، استقر الدين عند 97.9% من الناتج المحلي الإجمالي أي أعلى بحوالي 2.5% مقارنة بنفس الفترة العام الماضي. لكن تعهد الحكومة لم يكن يتعلق بالمستويات الحالية للدين لكن بتوقعات خفض الدين في غضون خمس سنوات.
زيادة طوابير انتظار الرعاية الصحية .. زادت أعداد المرضى المنتظرين للعلاج غير الطارئ في إنكلترا إلى 7.6 مليون في أبريل نيسان 2024 أي أكثر بمقدار 350 ألفاً عن المستويات المسجلة عندما أطلق سوناك تعهداته.
وعندما سُئل سوناك في لقاء تلفزيوني في فبراير شباط الماضي حول ما إذا كانت حكومته أخفقت في تحقيق تعهدها رد بالإيجاب.
طريق طويل في ملف الهجرة .. بعدما دخل 45.7 ألف مهاجر إلى بريطانيا عبر فرنسا في 2022، أقرت بريطانيا قانوناً للهجرة غير الشرعية في يوليو تموز 2023 مما يمنح وزير الداخلية الحق في احتجاز وإبعاد أي شخص يدخل إلى بريطانيا بصورة غير قانونية.
وكان من ضمن الخطة إرسال بعض طالبي اللجوء إلى رواندا ليكونوا رادعاً، لكن حتى الآن لم يتم ترحيل أي مهاجر قسرياً إلى هذا البلد.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي