مقامرة إيمانويل ماكرون الانتخابية تُضعف طموحاته السياسية ونفوذه في أوروبا

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

رانيا برو  - محررة في CNBC عربية 

بعد انتخابات فارقة لم يسبق لها مثيل، فرنسا على وشك الدخول في مرحلة طويلة من عدم الاستقرار السياسي، حيث تحاول ثلاث كتل متعارضة ذات أفكار وأجندات متنافسة تشكيل ائتلاف، وبأفضل الأحوال ستجد نفسها عالقة في حالة من الشلل.

مقامرة سيد الإليزيه بالدعوة إلى الانتخابات التشريعية بعد حل الجمعية الوطنية الفرنسية، تفجرت بين يديه، وسط مناخ سياسي عاصف وانقسامات أيديولوجية عميقة تجعل البحث عن أرضية مشتركة أمراً بالغ الصعوبة.

ويقول محللون إن مقامرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الفاشلة في الانتخابات المبكرة من المرجح أن يكون لها أثر كبير على طموحاته السياسية وإرثه، كما ستؤدي إلى إضعاف السلطة والنفوذ الذي سعى إلى بناءه في أوروبا في السنوات الأخيرة.

شاهد أيضاً: فرنسا أمام "برلمان معلّق".. كيف سينعكس ذلك على أداء الأسواق المالية؟

فاز إئتلاف يساري واسع في الانتخابات البرلمانية الفرنسية الحاسمة لكن دون الحصول على  الأغلبية المطلقة، مما أجبر البرلمان والسلطة التنفيذية على الدخول في مفاوضات صعبة المراس للاتفاق على تنصيب رئيس وزراء جديد للبلاد.

حكومة تكنوقراط

ويواجه ماكرون المنتمي إلى يمين الوسط، والذي سيبقى في منصبه حتى عام 2027، الآن احتمال الاضطرار إلى العمل مع ائتلاف أو حكومة تكنوقراط، ورئيس وزراء، من طراز سياسي مختلف، على الأرجح من حزب الجبهة الوطنية اليساري. وهذا من شأنه أن يجعل حكم فرنسا، وإصدار التشريعات والإصلاحات، أمراً صعباً.

فبعد التقدم الكبير الذي أحرزه اليمين المتطرف في الجولة الأولى من التصويت، أبقى الناخبون في النهاية على حزب التجمع الوطني في الجولة الثانية، تاركين البلاد في وضع غير مسبوق يتمثل في عدم وجود كتلة سياسية مهيمنة على البرلمان.

اقرأ ايضاً: فرنسا بين تقدم اليمين المتطرف ومقاومة الآخرين

ظهرت ثلاث كتل رئيسية، ولكن لم تقترب أي منها من الحصول على أغلبية 289 مقعداً المطلوبة على الأقل من أصل 577 مقعداً. وبدلاً عن ذلك، منحت النتيجة 182 مقعداً لتحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري و168 مقعداً لتحالف الرئيس إيمانويل ماكرون الوسطي "التجمع من أجل الجمهورية" و143 مقعداً لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف.

وتعني النتائج أنه من شبه المؤكد أن حلفاء ماكرون الوسطيين لن يتمكنوا من تنفيذ مقترحاتهم المؤيدة لقطاع الأعمال مثل الوعد بإصلاح إعانات البطالة. كما يمكن أن يجعل تمرير الميزانية أكثر صعوبة.

لقد سوّق ماكرون نفسه على أنه سياسي لا ينتمي لا لليسار ولا لليمين. حيث أطلق حركة وسطية انبثقت عن كلا الحزبين المعتدلين التقليديين في البلاد. ومع ذلك، يقول الخبراء إن الرئيس الفرنسي لم يتمكن من إنشاء حركة تملأ الفراغ الذي تركه انحسار شعبية المعسكرين المذكورين.

إرث التنوع

وبدلاً من أن يترك ساكن الإليزيه، إرثاً من التنوع كما أراد، تراجع دعم معسكر ماكرون متمثلاً في ما يسمى حركة "إلى الأمام" في البرلمان. فمن أغلبية نسبية حظيت بها الأخيرة في الانتخابات التشريعية عام 2022 انحسرت شعبيتها وجاءت في المركز الثالث بفارق كبير يفصلها عن اليمين المتطرف.

ويشير المحللون إلى أن مقامرة ماكرون العالية لم تؤت ثمارها فحسب، بل إن رئيس الدولة الفرنسية أضر بمكانته السياسية وإرثه في أوروبا، حيث سعى إلى لعب دور قيادي رئيسي.

ويُنسب إليه الفضل في إنشاء الجماعة السياسية الأوروبية، التي جمعت قادة من 50 دولة في المنطقة لمناقشة التحديات المشتركة وتنسيق الاستجابات المشتركة. كان ماكرون أيضاً مؤيداً قوياً لأوكرانيا، حيث مارس ضغوطاً على ألمانيا التي تبدو أكثر تردداً وعلى زملائها أعضاء الناتو، عندما يتعلق الأمر بتزويد كييف بالأسلحة الغربية من أجل القتال ضد روسيا.

مد اليد للخصوم

وفي حين أن وجود برلمان منقسم ليس بالأمر الغريب في أوروبا، إلا أن فرنسا لم تشهد برلماناً منقسماً في تاريخها الحديث. وهذا ما يمهّد الطريق لمفاوضات متوترة لتشكيل حكومة جديدة وتعيين رئيس وزراء، ستكون مهمته التركيز على السياسة الداخلية وتقاسم السلطة مع الرئيس.

وقد قال ماكرون في وقت سابق إنه لن يعمل مع حزب "فرنسا الأبية" اليساري المتشدد، لكنه قد يتواصل مع أحزاب أخرى في الجبهة الشعبية الجديدة مثل الاشتراكيين والخضر. ومع ذلك، هذا لا يعني أنهم سيكونون منفتحين على عرضه.

وقالت مؤسسة شركة Fordham Global Foresight، تينا فوردهام، لشبكة CNBC يوم الاثنين: فيما يتعلق بإرثه، فإنه سيكون في معركة سياسية حقيقية.

لكن بكل الأحوال لا يزال ماكرون الشخصية البارزة وصانع الملوك. وقالت فوردهام: "سيكون هو الذي سيختار رئيس الوزراء، وسيكون ماكرون هو الذي يسافر إلى واشنطن لحضور القمة الخامسة والسبعين لحلف شمال الأطلسي هذا الأسبوع، لكن أولئك الذين يشيرون إلى أن مقامرته أتت بثمارها مخطئون". 

ربما منعت مقامرة ماكرون أقصى اليمين من الوصول إلى السلطة، لكنها قد تغرق البلاد في الفوضى. ومع عدم وجود انتخابات برلمانية مقررة لعام آخر، ستمر فرنسا بوقت من عدم اليقين مع تحول أنظار العالم بقوة إلى باريس، حيث تستعد لاستضافة الألعاب الأولمبية في غضون ثلاثة أسابيع.

الوقت وحده هو الذي سيحدد شكل التركيبة السياسية في فرنسا في الأشهر المقبلة، ولكن من المرجح أن تشهد البلاد أسابيع من المشاحنات السياسية والجمود المحتمل، حيث يستعد الفصيل اليساري لقيادة حكومة جديدة، وتعيين حكومة خاصة به.

 

إقرأ أيضاً: هل يخسر إيمانويل ماكرون الانتخابات الفرنسية؟

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة