إيران.. قراءة في خطاب الإصلاحيين

نشر
آخر تحديث
إيران.. قراءة في خطاب الإصلاحيين

استمع للمقال
Play

⬅️ طموح بيزشكيان قد يصطدم بفكر صانع القرار الرئيسي في إيران بحسب الدستور والمعروف بعدائه الأيديولوجي لإسرائيل والولايات المتحدة

⬅️ الرئيس الإصلاحي لا يملك أي سيطرة مباشرة على قوة الحرس الثوري الإيراني وأذرعها الخارجية مما يعني أن فرص حدوث تغييرات في أنشطة إيران في دول مثل سوريا ولبنان واليمن والعراق ضئيلة

⬅️ الاقتصاد سيكون بمثابة بوابة عبور للإصلاحيين وان كان الأمر لا يخلو من الصعوبة الشديدة

نور العنبكي- منتجة تنفيذية فيCNBC  عربية

في أول خطاب له بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الإيرانية.. صعد الرئيس الإصلاحي مسعود بيزشكيان المنصة مخاطبا الإيرانيين: "لقد مرت سنوات عديدة منذ الثورة ونحن نصعد إلى المنصة ونقدم الوعود ونفشل في الوفاء بها.. هذه هي أكبر مشكلة نواجهها".

تحدى السيد بيزشكيان الترجيحات كمرشح غير متوقع وأمسك الإصلاحيون مقاليد الحكم في طهران عبر تقديم الوعود بالتواصل مع الغرب وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة وإجراء الإصلاحات الهيكلية كما وتعهد بإنشاء نظام اقتصادي شفاف ومكافحة الفساد وتعزيز النمو، ووعد أيضا بتخفيف تطبيق قانون الحجاب الإلزامي في البلاد بعد سنوات من العقوبات والاحتجاجات التي ضغطت على الجمهورية الإسلامية.

منذ تسعينيات القرن العشرين، شهدت إيران موجات متعددة من المعارضة والقمع. وحتى الإصلاحيون أنفسهم واجهوا حملات قمع سياسية شديدة، وقضى العديد من الشخصيات البارزة بعض الوقت في السجن على مدى العقدين الماضيين.

ورغم أنهم أعضاء في المؤسسة، فمن المعروف على نطاق واسع أنهم يفتقرون إلى النفوذ في مراكز القوة الحاسمة، مثل مكتب المرشد الأعلى،  والحرس الثوري الإسلامي، والمجلس الأعلى للأمن القومي، ومجلس صيانة الدستور  والذي يواجه اتهامات بالتحيز ضد الاصلاحيين.

لقد فشل الإصلاحيون في الصعود إلى السلطة في السنوات الأخيرة مع إصرار المحافظين على استبعاد أي مرشح إصلاحي من الدخول في منافسة حقيقية في عملية مُنسقة تعرف باسم "التجانس" وتعني استبدال أي اسم إصلاحي في السلطة ليس من مؤيدي آية الله علي خامنئي الحاكم الفعلي في إيران بشخص آخر من المحافظين. 

الإصلاحيون في إيران من أي نوع؟

الإصلاحيون في إيران ليسوا من النوع الإصلاحي الذي يتسم بالعقلية الليبرالية ويحلم بالديمقراطية بالمعنى الشامل، إنما هم أحد الفصائل الإيديولوجية للنخبة الحاكمة في الجمهورية الإيرانية. يصفهم الكثير بأنهم إسلاميون مثل منافسيهم المحافظين لكنهم بنسخة أكثر اعتدالاً من إيديولوجية النظام.

قاد الإصلاحيون الحكم في طهران من عام 1997 حتى عام 2005 ويعتبر محمد خاتمي أول رئيس إصلاحي في تاريخ إيران، كما ان الإصلاحيون كانوا جزءاً من ائتلاف بحكم الأمر الواقع عندما كان حسن روحاني المحافظ الذي أصبح وسطياً رئيساً بين عامي 2013 و 2021. 

لطالما دعا الإصلاحيون إلى مجتمع أكثر حرية وديمقراطية خصوصاً في سنوات التسعينيات ، لكن في انتخابات عام 2024 خلت وعودهم الانتخابية من المطالبة بمجتمع أكثر حرية وديمقراطية كجزء من حملتهم إنما كان التركيز على الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد منذ سنوات بسبب العقوبات الغربية في استراتيجية مشابهة للغاية لتلك التي اتبعها حسن روحاني في عام 2013، وإلقاء اللوم على منافسيهم المحافظين في التسبب في هذا الوضع بمواقفهم "الراديكالية" المناهضة للغرب.

إيران .. لن تكون معادية للغرب ولا للشرق

في خطابه، أعلن بيزشكيان أن سياسته الخارجية "لن تكون معادية للغرب، ولا معادية للشرق". بل وانتقد سياسات الرئيس السابق إبراهيم رئيسي - الذي قُتل في حادث تحطم مروحية في 19 مايو/أيار الماضي -  الرامية إلى تقريب البلاد من روسيا والصين، وأصر على أن السبيل الوحيد لحل الأزمة الاقتصادية هو من خلال المفاوضات مع الغرب لإنهاء الأزمة النووية وتخفيف العقوبات.

طموح بيزشكيان قد يصطدم بفكر صانع القرار الرئيسي في إيران بحسب الدستور والمعروف بعدائه الأيديولوجي لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وانعدام ثقته العميق في الغرب، فخلال حملته الانتخابية انتقد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أفكار بيزشكيان ووصف أولئك الذين يؤمنون بتحقيق الرخاء من خلال علاقات أكثر ودية مع الولايات المتحدة بأنهم "مخدوعون"، مشيراً  إلى حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة، وليست إيران، هي التي انسحبت من الاتفاق النووي.



كما إن الرئيس الإصلاحي لا يملك أي سيطرة مباشرة على قوة الحرس الثوري الإيراني وأذرعها الخارجية مما يعني أن فرص حدوث تغييرات في أنشطة إيران في دول مثل سوريا ولبنان واليمن والعراق ضئيلة للغاية في الوقت الذي يؤكد فيه السيد خامنئي مراراً وتكراراً إن ما يفعله فيلق القدس ضروري لعقيدة الأمن في البلاد.

هل يُسقط الإصلاحيون الجدران؟

وصف السيد بيزشكيان سياسات سلفه بالجدران التي بناها المتشددون حول البلاد . لا يزال وضع إيران حساساً، ارتفاع التوترات في الشرق الأوسط وانتخابات وشيكة في الولايات المتحدة قد تعرض أي فرصة للانفراج بين طهران وواشنطن للخطر.

وعندما يتحدث السيد بيزشكيان عن سياسة خارجية مختلفة مع نهج أكثر ودية تجاه الغرب، هو يخالف نهج الثوري خامنئي ودعمه النشط لمبدأ "النظر إلى الشرق" وإنهاء سياسة عدم الانحياز القديمة والميل نحو الصين وروسيا في ميزان القوى في الساحة العالمية والسعي إلى اقتصاد يعتمد على الذات.


اقرأ أيضاً: هل ينجح الرئيس الإيراني الجديد في إجراء تغييرات جذرية كبيرة؟


ورغم أن واشنطن والمعسكر الغربي ليس متفائلاً بحدوث أي  تغيير في سياسة طهران الخارجية في ظل النظام المزدوج،  لكن قد تكون هنالك فرصة سانحة أمام الإيرانيين من خلال الضغط السياسي خلف الأبواب، وتكرار سيناريو  عام 2015 عندما أقنع الرئيس الوسطي آنذاك حسن روحاني المتشددين، بما في ذلك خامنئي نفسه، بقبول الاتفاق النووي.

أين قد ينجح الإصلاحيون؟

الاقتصاد سيكون بمثابة بوابة عبور للإصلاحيين وان كان الأمر لا يخلو من الصعوبة الشديدة وبما أن الاقتصاد لا يزال يشكل نقطة ضعف بالنسبة للسيد خامنئي، فإن التحرر من العقوبات الأميركية المنهكة، والتي كلفت إيران مليارات الدولارات من الدخل من النفط، سيظل الهدف الاقتصادي الأول بالنسبة لبيزشكيان.

يأمل بيزشكيان أن تؤدي المحادثات المتجددة مع الغرب إلى رفع العقوبات الأميركية الصارمة، في ضوء السخط الشعبي المتزايد بسبب الصعوبات الاقتصادية. لقد أدى ارتفاع الأسعار وتقليص القدرة الشرائية إلى ترك ملايين الإيرانيين يكافحون ضد سنوات من العقوبات وسوء الإدارة وتفشي الفساد.

لكن البيت الأبيض كان قد كشف بأن الولايات المتحدة ليست مستعدة لاستئناف المحادثات النووية مع إيران في عهد الرئيس الجديد.  إن فشل جراح القلب الذي تحول إلى سياسي في تحقيق اتفاق مع الغرب من شأنه أن يضعف الرئيس ويشعل مخاوف المؤسسة الدينية في طهران من اندلاع الاحتجاجات مجدداً  كما حدث في عام 2017 . كما ان احتمالات عودة دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة يعد التحدي الأبرز الذي يواجه رئيس إيران ويزيد من تعقيد محاولات إنعاش الاتفاق النووي وإعادته للحياة وأيضا يهدد قطاع النفط في إيران وسط مخاوف من ضربه بعقوبات أميركية جديدة  

نما الاقتصاد الإيراني في السنوات القليلة الماضية، مع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.8 % في عام 2022 و4.7 % في 2023 ، وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي.

ومن المتوقع ان يتباطأ نمو الاقتصاد إلى 3.3% هذا العام و3.1% في عام 2025 وفقا للصندوق .

أرقام التضخم في إيران غير مبشرة هي الأخرى ويصفها البنك الدولي بأنها تشكل تحدياً اقتصادياً مزمناً وصعباً ، فأسعار المستهلك في إيران سجلت 45.8% في العام الماضي ، وبحسب تقديرات صندوق النقد فان التضخم سيتباطأ هذا العام إلى 37.5%  وهو رقم سيظل كبيراً . وبجميع الأحوال استقر متوسط التضخم السنوي في إيران فوق مستويات 20% على مدار العقود الأربعة الماضية ما أثر على سبل عيش الأسر ذات الدخل المنخفض.

بحسب البنك الدولي فإن العوامل الرئيسية وراء ارتفاع التضخم هي عجز الميزانية واختلال التوازن في الميزانيات العمومية للبنوك الإيرانية والتي تنعكس في معدل نمو إجمالي نقدي مبالغ فيه.

ويشكل الانخفاض الحاد في قيمة العملة الإيرانية تحدياً آخر يواجه الرئيس الجديد. ورغم وجود رئيس إصلاحي في السلطة، توقعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني استمرار انخفاض قيمة العملة الإيرانية هذا العام بسبب التوترات الجيوسياسية المتزايدة ومخاوف المستثمرين المحيطة بالانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وقد أشارت الوكالة في أحدث تقرير لها عن العملة الإيرانية والسيناريو المالي لهذا العام والعام المقبل إلى توقعات بانخفاض  أكثر تواضعًا في قيمة الريال في عام 2025، مع خسارة 21 % من قيمته، مقارنة بـ 23 % في عام 2024.

الإصلاحيون .. صوت من لا صوت له

في خطاب النصر الذي ألقاه في طهران، شكر بيزشكيان الشعب الإيراني وتعهد بأن يكون بمثابة "صوت من لا صوت لهم".

اكتسب وزير الصحة السابق في عهد خاتمي شهرة لمواقفه ضد حملة القمع على الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في عام 2009 والعنف الذي ارتكبته شرطة الأخلاق سيئة الصيت في عام 2022 في أعقاب وفاة مهسا أميني التي توفيت في مركز الشرطة بعد احتجازها بسبب عدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة التي تفرضها الجمهورية الإسلامية على النساء . يرى المراقبون أن السياسي البالغ من العمر 69 عاماً لن يقود قادراً على ترجمة الانتخابات إلى تغييرات سياسية على الفور وأن كان سيحاول العمل من أجل بيئة أقل قمعية، فحدود صلاحيته الرئاسية سيتوقف دائما عند جدران المؤسسة والحاكم الفعلي لإيران خصوصاً فيما يتعلق بالحريات الاجتماعية.

المشاركة الضئيلة في الانتخابات التي افرزت مسعود بيزشكيان  وسط امتناع 60% من الناخبين في المشاركة تعكس حالة عدم الثقة في إمكانية تحقيق اي تغيير يأمل به الإيرانيون ومع تآكل الدعم للحكم الديني على مر السنوات الماضية تزايد السخط العام من التدهور الاقتصادي والقيود المفروضة على الحريات المدنية والاجتماعية والعقوبات الأميركية التي أعيد فرضها منذ عام 2018  . 
ورغم أنه من المتوقع ألا يكون للانتخابات تأثير يذكر على سياسات الجمهورية الإسلامية، فإن الرئيس سوف يشارك عن كثب في اختيار خليفة خامنئي البالغ من العمر 85 عاماً، والذي يتخذ جميع القرارات بشأن القضايا الرئيسية للدولة.

أحلام بيزشكيان تبدو متواضعة أمام جبل من عمليات التغيير التي تحتاج إيران إلى إجراءها، وربما طبيب القلب يملك الدواء لكنه لا يملك القدرة على إعطاء المريض الجرعات اللازمة في حكومة تقع في أغلبها تحت سيطرة المتشددين وان كانت المناورة لها دور في بعض الفصول. 

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة