نور العنبكي - منتجة تنفيذية فيCNBC عربية
لم تكن محاولة اغتيال رئيس أميركي سابق ومرشح رئاسي بالشأن الجديد على الولايات المتحدة الأميركية؛ فالبلاد التي لطالما تحدثت عن كونها أحد ركائز دول العالم المتقدم لا يخلو تاريخها من سجل حافل بالاغتيالات والهجمات التي تعرض لها سياسيون في السلطة أو ممن يسعون إليها على مدى قرنين من الزمان.
اعتلى دونالد ترامب المنصة في تجمع انتخابي في ولاية بنسلفانيا، إحدى الولايات الحاسمة في حسابات الطريق إلى البيت الأبيض، ليخاطب أنصاره في مدينة بتلر، بعد دقائق قليلة وكان للتو يبدأ حديثاً حول ملف الهجرة غير الشرعية عندما بدا وكأن هنالك وابلاً من إطلاق النار موجه صوب الرئيس المحتمل.
خلال لحظات توقف الخطاب وشاهدنا ترامب وهو يضع يده اليمنى على أذنه ثم ينحنى مختبئاً تحت المنصة على المسرح ليحمي جسده قبل أن ينضم إليه في ثواني معدودة عناصر من الخدمة السرية ليحاصروه من جميع الجهات وهم يصرخون على الناس أنزلو إلى الأرض.
ثم توقف إطلاق النار وبدأ فصل نقل الرئيس إلى مكان آمن. وقف ترامب مجدداً وهو يرفع قبضته ليطمئن أنصاره في إشارة إلى القوة وأنه بخير رغم إن جزء من وجهه الأيمن كان مغطى بالدماء. دخل ترامب سيارة شيفروليه سوداء مضللة ومعه عناصر الخدمة السرية اغلقت الأبواب والسيارة محاطة بالأمن ثم تحركت السيارة وخلفها موكب كبير من السيارات من ذات النوع.
أول ما تبادر إلى ذهني بينما أشاهد على شاشات التلفاز سيارات ترامب وهي تغادر "مسرح الجريمة" كيف يمكن أن يحدث مثل هذا الاختراق؟ علامات استفهام كبيرة أمام الثغرات الأمنية الكبيرة التي فضحها تجمع بنسلفانيا. كيف تمكن شخص من التسلل والزحف وتوجيه سلاحه وإطلاق أربعة رصاصات نحو المنصة ضد مرشح في القرن الواحد والعشرين وسط كل الإجراءات والتكنولوجيا الأمنية المتطورة والأجهزة الاستخباراتية في منطقة كان من المفترض أن يتم تطهيرها بشكل كامل؟
وتساؤلات أخرى تتعلق بالدوافع الحقيقة لمرتكب عملية الاغتيال والذي كشف مكتب التحقيق الفدرالي عن هويته، شاب أميركي عمره 20 عاماً أسمه توماس ماثيو كروكس مسجل بكونه ناخب جمهوري قُتل برصاص جهاز الخدمة السرية.
عمليات الاغتيال
ذكرتني المشاهد وأنا أتابع تغطية القنوات المكثفة للحدث الصادم بما كنت قد شاهدته وقرأت عنه سابقاً في أفلام ووثائقيات عن الاغتيال الأكثر شهرة في العصر الحديث، اغتيال الرئيس جون ف كنيدي في ستينات القرن الماضي عندما أطلق لي هارفي أوزوالد البالغ من العمر 24 عاماً النار من الطابق السادس من مستودع الكتب المدرسية في تكساس على موكب الرئيس الرئاسي في سيارة ليموزين مفتوحة السقف فأرداه قتيلاً بعد ساعة من العملية في 22 نوفمير / تشرين الثاني عام 1963 ، لم تنكشف الدوافع الحقيقة لهذا الاغتيال الشهير وظلت وثائق اغتيال كيندي في طي الكتمان وان تم الكشف عن جزء منها .
كان اغتيال كينيدي في ذلك الوقت يعد رابع اغتيال لرئيس أميركي.. الأول كان من نصيب ابراهام لينكولن في 15 أبريل 1865 وبعد أقل من أسبوع من انتهاء الحرب الأهلية رسمياً في مسرح فورد في واشنطن العاصمة خلال حضوره مسرحية عندما أطلق عليه جون ويلكس بوث النار في مؤخرة رأسه وتسبب بقتله.
وعملية الاغتيال الثانية كانت من نصيب جيمس غارفليد عام 1881، ثم ويليام ماكيلني عام 1901.
وعموماً فمنذ عام 1865 كانت هناك محاولات اغتيال لواحد من كل أربعة رؤساء وعمليات استهداف ناجحة لواحد من كل خمس محاولات.
هنالك أيضا سيلاً من محاولات الاغتيال على الساحة السياسية الأميركية وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، تم شن 3 هجمات التي رغم فشلها لكنها ستظل علامة فارقة في تاريخ بلد يعلن دائماً أنه يرفض العنف السياسي.
تعد محاولة اغتيال ترامب هي الأولى منذ 43 عاماً عندما تمت محاولة اغتيال رونالد ريغان في عام 1981 خلال ولايته الأولى في العاصمة واشنطن خارج فندق هيلتون. خضع ريغان لعملية جراحية طارئة بعد أن تسببت المحاولة في ثقب في رئته وتعافى من إصاباته وفاز بإعادة انتخابه لولاية ثانية في البيت الأبيض.
في الاغتيالات.. لا فرق بين جمهوري أو ديمقراطي
في تاريخ أميركا انهت الاغتيالات حياة أربعة رؤساء ومرشح رئاسي واحد.
لا شك أن التحول الصادم الذي ستتسبب به محاولة اغتيال ترامب المرشح الجمهوري والبالغ من العمر 78 عاماً ستكون له تداعيات على مناخ الانتخابات في نوفمبر تشرين الثاني المقبل والسباق المحتدم بينه وبين منافسه الرئيس الحالي جو بايدن وسط أجواء من الكراهية السياسية التي تخييم على الولايات المتحدة الأميركية والتي اكدتها محاولة كروكس منفذ اغتيال ترامب .
يزخر تاريخ أميركي بمحاولات اغتيال أدت إلى انسحاب مرشحين طوعاً أو كرهاً ، فروبرت ف كينيدي شقيق الرئيس جون ف كينيدي كان مرشحاً ديمقراطيا بارزاً وقد تم اغتياله عام 1968 برصاصة أطلقها عليه سرحان سرحان في فندق أمباسادور في لوس أنجلوس وأنهت الرصاصة حياته ومستقبله السياسي.
وفي العام 1972 كانت هنالك محاولة فاشلة لاغتيال للمرشح الجمهوري جورج والاس خلال حملته الانتخابية ورغم أنها لم تقتله لكن الإصابات التي أدت إلى إصابته بالشلل لبقية حياته نجحت بإنهاء مساعية للترشح للرئاسة بشكل نهائي.
ما بعد الاغتيال ليس كما قبله
التحول في التاريخ بين ما قبل الاغتيال وما بعد الاغتيال سيكون له تداعيات كبيرة.
سيواجه جو بايدن خصماً خلال السباق إلى البيت الأبيض تعرض لمحاولة اغتيال في عهده.. إعادة تقييم الخطط الأمنية وحماية المرشحين وجهاز الخدمة السرية الذي من المستحيل أن يفشل كما هو مفترض لكنه فشل هذه المرة في مهمته الوحيدة تلك الليلة ليتولى الأمر مكتب التحقيقات الفدرالي.. أيضاً حدة الخطابات في البلاد في الحملات والإعلانات الانتخابية.. جميعها أمور لن تعود كما كانت عليه الحال قبل محاولة الاغتيال.
حتى مزاج المرشحين ووعودهم الانتخابية قد تتم إعادة النظر بها. فدونالد ترامب معروف برفضه لقانون يحد من حيازة الأسلحة، فهل يتراجع المدافع الأول عن حق حيازتها عن وعوده بإلغاء جميع القيود التي وضعها بايدن بعد أن طالته النار وحرقته؟
إجابات عديدة يبحث عنها الأميركيين والرأي العالمي المتابع للشأن الأميركي في وقت قد يستفيد ترامب من محاولة الاغتيال خصوصاً وإن استطلاعات للرأي تشير إلى ارتفاع شعبيته بأكثر من 69% بعد محاولة الاغتيال.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي