يشهد لبنان أزمة كهرباء مستفحلة تعد واحدة من أكبر التحديات التي تواجه البلاد في الوقت الراهن، وهي الأزمة التي تعود جذورها إلى عقود من سوء الإدارة وغياب الاستثمارات الفعالة في البنية التحتية، في خطٍ متوازٍ مع التأثيرات الواسعة لحالة عدم الاستقرار السياسي الذي تعرفه البلاد.
هذا التراكم السلبي من المشكلات المتعاقبة أدى إلى تدهور منظومة الكهرباء بشكل غير مسبوق في لبنان، حيث يعاني المواطنون من انقطاع مستمر للتيار الكهربائي يصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 22 ساعة يومياً، ما يلقي بظلاله على الحياة اليومية والاقتصاد الوطني.
اقرأ أيضاً: المزيد من المراجعات السلبية تتوالى على اقتصاد لبنان
في السياق، تُشكل شحنة الوقود الجزائري إلى لبنان بادرة أمل في حل مرحلي للأزمة المستفحلة، رغم استدعاء ذكريات أزمة العام 2020 التي أثارت لغطاً واسعاً في حينها، والمرتبطة بـ "الوقود المغشوش"، فيما بعث مسؤول جزائري برسائل طمأنة بخصوص الشحنة الحالية.. فما القصة؟
لفتة جزائرية
في 21 أغسطس/ آب الجاري، أعلنت شركة سوناطراك الجزائرية، عن عملية انطلاق ناقلة عين أكر المحمولة بمادة الفيول، باتجاه لبنان، والتي شملت أول شحنة تقدر بـ 30 ألف طن من مادة الفيول كمرحلة أولى.
بينما من المقرر أن يتبع الشحنة الأولى شحنات أخرى، لم يتم الكشف عن تفاصلها أو موعد وصولها.
في لفتة تضامن، وبحسب بيان للشركة، فإن "هذه العملية، تأتي تجسيدا لتعليمات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي أمر بإمداد لبنان الشقيق بالكميات اللازمة من مادة الفيول من أجل تشغيل محطات الكهرباء وإعادة التيار الكهربائي في البلاد، الأمر الذي يجسد علاقات التضامن والأخوة بين البلدين".
وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية عن رئيس الوحدة المينائية للشرق (نشاط التسويق سوناطراك-سكيكدة)، حسين بلعابد، يوم الخميس 22 أغسطس/ آب، فإن عملية شحن مادة الفيول على متن ناقلة الفيول "عين أكر" التابعة لشركة هيبروك للنقل البحري (أحد فروع سوناطراك) قد انطلقت ليلة الثلاثاء بالميناء البترولي لسكيكدة لتستمر لمدة 18 ساعة حيث انتهت العملية حوالي الساعة الثالثة والنصف من مساء الأربعاء .
وقد تكفلت بهذه العملية فروع سوناطراك و بالأخص مصفاة سكيكدة و نشاط التجارة سوناطراك و شركة تسيير و استغلال طرفيات موانئ المحروقات, حسب ما ذكره السيد بلعابد.
ووفق مدير مركب تكرير البترول لسكيكدة، عبد الحميد مرابط، فإن هذه الشحنة من الفيول الموجهة إلى دولة لبنان تنتج على مستوى مصفاة سكيكدة ذات الطاقة الإنتاجية المقدرة ب 16,5 مليون طن سنويا.
سبق توجيه تلك الشحنة، اتصال هاتفي أجراه رئيس الوزراء الجزائري نذير العرباوي، في 18 أغسطس، مع نظيره اللبناني نجيب ميقاتي، لإبلاغه بالقرار الصادر عن الرئيس تبون بالوقوف بجانب لبنان الشقيق في هذه الظروف العصيبة، من خلال تزويد لبنان الشقيق و بشكل فوري، بكميات من الفيول من اجل تشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية وإعادة التيار الكهربائي في البلاد.
هذه الخطوة الجزائرية التي لاقت ترحيباً واسعاً على المستويين الرسمي والشعبي في لبنان كونها تسهم بشكل أو بآخر في حل أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي عمّت البلاد، بما في ذلك مؤسسات حيوية رئيسية من بينها المطار، والتي اضطرت إلى استخدام المولدات، واجهها في الوقت نفسه شكوك ومخاوف من تكرار سيناريو ليس ببعيد، وهو سيناريو العام 2020، حيث شحنة الوقود المغشوشة التي أثارت لغطاً واسعاً حينها.
"الشحنة المغشوشة"
بدأت تفاصيل أزمة "الشحنة المغشوشة" تتكشف للرأي العام اللبناني في مايو/ آيار 2020، بعدما تمت إدانة 12 شخصاً بـ " جرم التقصير الوظيفي وتقاضي رشاوى وتغيير تقارير". كما تم استصدار أربع مذكرات توقيف دولية في حق 4 أشخاص فروا من لبنان.
فجّرت القضية اتهامات واسعة بالفساد طالت عديداً من المسؤولين الحكوميين وغيرهم، لا سيما أن سرعان ما تحولت القضية إلى فضيحة مدوية، حيث تبين أن الشحنة جزء من عمليات مماثلة أخرى. فيما تبرّأت الجزائر وسوناطراك الجزائرية من المسؤولية.
حينها صرّح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الجزائرية بلعيد أمحند أوسعيد، بأن "الجزائر تتبرأ من القضية"، مشدداً على أن بلاده غير متورطة بأي شكل من الأشكال. كما كشف عن قرار رئاسي بفتح تحقيق في شبهة فساد أحد فروع شركة "سوناطراك" النفطية في لبنان، لكنه اعتبر بأن القضية "لبنانية – لبنانية".
وكشفت شركة "سوناطراك" في بيان حينها، عن أن القضية تتعلق بخلاف يعود إلى 30 مارس/ آذار 2020، عندما تلقت الشركة إشعاراً من وزارة الكهرباء والمياه اللبنانية، بخصوص عيب في النوعية لإحدى شحنات الوقود المسلمة لشركة كهرباء لبنان بتاريخ 25 من الشهر ذاته.
توقعت الشركة "تسوية فعلية ونهائية لهذه الوضعية قريباً، نظراً للعلاقات المميزة التي تربط البلدين". وشددت على احترام "التزاماتنا التعاقدية في ما يخص التموين لمصلحة شركة كهرباء لبنان"، نافية توقيف أحد إطاراتها في لبنان ضمن قضية تسليم شحنة الوقود المغشوش، وقالت إن "سوناطراك تفند تماماً الادعاءات غير الصحيحة والكاذبة حول تورط موظف لديها بلبنان في خلاف تدرسه حالياً العدالة اللبنانية".
كانت هذه الحادثة -التي تسببت في نهاية العام 2020 في وقف الجزائر تصدير الوقود إلى لبنان- بمثابة ناقوس خطر للبنان، مشيرة إلى الحاجة الملحة لإصلاح قطاع الطاقة وتعزيز آليات الرقابة والشفافية في استيراد الوقود.
ماذا عن الشحنة الجديدة؟
وفيما استدعت الشحنة الجزائرية الجديدة ذكريات قضية الشحنة المغشوشة المثيرة للجدل التي تبرأت منها الجزائر، بعث وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية وليد فيّاض، برسائل طمأنة للتأكيد على سلامة الشحنة الجديدة.
مما ذكره فيّاض في حديث صحافي مع إحدى الإذاعات المحليّة، فإن الشحنة الجزائرية مُطابة للمواصفات المطلوبة في لبنان، موضحاً أن تم الحصول على عينة من الشحة (من خلال البريد السريع) وتحليلها وفحصها في دبي، قبل وصول الشحنة بالفعل.
من المعلومات التي كشف عنها فياض في سياق الحديث عن الشحنة الجزائرية، تأكيده على كونها هبة غير مشروطة من الجانب الجزائري.
لبنان خلال 5 سنوات إفلاس وانفجار وحرب ثم عتمة كاملة!
يأتي ذلك في الوقت الذي يواجه فيه لبنان أيضاً أزمة في تمويل استيراد شحنات من الوقود لحل أزمة الكهرباء بالبلاد.
وأسهمت الأوضاع السياسية والاقتصادية المتدهورة في لبنان، إلى جانب تأثيرات الأزمة المالية العالمية، في تعقيد مشكلة الكهرباء وزيادة صعوبة إيجاد حلول مستدامة لها. وتعاني الحكومة اللبنانية من نقص حاد في التمويل الذي يعوق قدرتها على تنفيذ مشاريع إصلاحية جوهرية في قطاع الكهرباء. بالإضافة إلى ذلك، أدى الصراع السياسي الداخلي وغياب التوافق بين الأطراف المتنافسة إلى تأجيل الخطوات اللازمة لتحسين الوضع، ما جعل الأزمة تتفاقم يومًا بعد يوم.
أزمة بلا حل!
ويرزح اللبنانيون تحت وطأة أزمة الكهرباء والظلام بشكل مُتكرر، فيما يعتمدون بصورة خاصة على البطاريات والمولدات الكهربائية وحتى الطاقة الشمسية من أجل توفير الكهرباء في ظل الواقع الصعب الذي يواجهونه في توفير الكهرباء في ضوء الأزمة الاقتصادية المتصاعدة والخانقة التي تواجهها البلاد.
وفشلت الحكومات المتعاقبة منذ انتهاء الحرب في العام 1990 في إيجاد حلول جذرية للتعامل مع أزمة الكهرباء. فيما تطفو على السطح عديداً من المشكلات المرتبطة بالبنية التحتية.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي