يشهد لبنان تصعيداً خطيراً مع تكثيف إسرائيل لهجماتها العسكرية، مما أدى إلى تطورات متسارعة وصلت لاغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
هذا التطورات تشكل نقطة تحول جذرية في الصراع، وتزيد من حدة التوترات السياسية والأمنية في البلاد، بينما ترتفع الأصوات محذرة من احتمال انزلاق المنطقة إلى صراع إقليمي واسع النطاق.
التصعيد المستمر ينذر بتفاقم حالة عدم الاستقرار في بيروت، بما يقود إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية شديدة الصعوبة، حيث تعاني البلاد بالفعل من انهيار اقتصادي عميق، يضعف قدرتها على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه التطورات إلى تعميق الأزمة الاقتصادية وتفاقم معاناة الشعب اللبناني في ظل تراجع الاستثمارات وارتفاع معدلات البطالة والتضخم.
صندوق النقد الدولي، قال يوم الأربعاء الماضي، إنه يراقب تأثير الصراع المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله على لبنان الذي يعاني من خسائر بشرية وتدمير في البنية الأساسية مضيفاً أنه من السابق لأوانه تقييم التأثيرات الاقتصادية.
اقرأ أيضاً: ارتفاع حصيلة الغارات التي تشنها اسرائيل على لبنان إلى نحو 600 قتيل
وقال متحدث باسم صندوق النقد في بيان أرسله عبر البريد الإلكتروني إلى رويترز "نراقب بقلق بالغ تصعيد الصراع في المنطقة. الصراع الحالي يشهد خسائر بشرية فادحة ويلحق الضرر بالبنية الأساسية المادية في جنوب لبنان، ويؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الكلي والاجتماعي الهش بالفعل في لبنان".
شاهد أيضاً: وزير الصحة اللبناني لـ CNBC عربية: مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية في القطاع الصحي اللبناني يكفي لأربع شهور
وفي سياق متصل، حذر البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، من أن التصعيد بالشرق الأوسط يفاقم أزمة لبنان الاقتصادية.
وذكر تقرير للبنك أن الحرب والطقس المتطرف يؤثران على النمو الاقتصادي في دول يغطيها البنك. وتحدث التقرير عن أن الأزمة الآخذة في التصاعد في الشرق الأوسط تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان وتضر بدول مجاورة مثل الأردن ومصر.
اقرأ أيضاً: الصراع في لبنان يقلق المؤسسات الدولية
أزمات اقتصادية
وبحسب وحدة الاستخبارات الإيكونوميست (EIU)، فإنه من المُتوقع أن يسجل الاقتصاد اللبناني انكماشاً للعام السابع على التوالي في 2024، حتى قبل الهجمات الإسرائيلية الأخيرة.
ووفق كبيرة محللي الوحدة لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في وحدة الاستخبارات الاقتصادية (EIU)، كيرين أوزييل، في التصريحات التي نقلتها عنها صحيفة thenationalnews، فإن لبنان الذي سيعاني من تباطؤ اقتصادي "كبير" في أوائل عام 2025 ، يواجه تصاعد القتال بين إسرائيل وحزب الله منذ هجوم جهاز النداء والهجوم الجوي الإسرائيلي المكثف، وهو الأمر الذي يقود إلى تراجع الآمال في تحقيق الاستقرار الاقتصادي بشكل أكبر.
وفي بلد يرزح بالفعل تحت وطأة الكثير من الأزمات الناجمة عن سنوات من الجمود السياسي ونحو 12 شهرًا من القتال بين إسرائيل وحزب الله، فقد تدهور الاقتصاد والبنية الأساسية في لبنان بالفعل بشكل خطير بسبب الأزمة الاقتصادية وسنوات من عدم الاستقرار السياسي وسوء الإدارة، بحيث يفتقر إلى المرونة اللازمة لتحمل حتى حملة عسكرية قصيرة نسبيا بهذا الحجم.
ومن شأن تصاعد القتال على ذلك النحو أن يقود إلى تفاقم مشاكل العرض وزعزعة استقرار الليرة اللبنانية مرة أخرى، مما يؤدي إلى ارتفاع التضخم الذي بدأ في التراجع في الأشهر الأخيرة، وفق أوزييل.
وفي السياق، يتوقع كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث في مجموعة بنك بيبلوس في بيروت، نسيب غبريل، انكماشاً اقتصادياً بنسبة تصل إلى 10% هذا العام، في ظل السيناريوهات الأسوأ التي تحققت بالفعل (المرتبطة بتصعيد إسرائيل حربها ضد حزب الله).
ووفق التقرير المشار إليه، فقد ذكر غبريل أنه بسبب اشتداد وتيرة الحرب الراهنة فإن عمليات الاستهلاك سوف تقتصر على السلع الأساسية، وكذلك من المتوقع أن تتعطل حركة السفر بشكل كبير، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر على صناعة السياحة، ويقود بدوره إلى تأخير الاستثمار بشكل أكبر، وسوف يكون معدل الواردات أقل من 17.5 مليار دولار في عام 2023، على حد تقديراته.
أزمة النزوح
ويشهد لبنان عمليات نزوح من الضاحية الجنوبية، بعد تصاعد وتيرة التصعيد في الأيام الأخيرة.
من جانبه، قال وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني، أمين سلام، في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، إن أعداد النازحين تضاعفت في الأيام الأخيرة مع تسجيل أكثر من 80 ألف نازح رسمياً، مشيراً إلى التحديات اللوجستية التي تعيق حركة الطيران وتوصيل المساعدات بشكل سريع، كما لفت إلى أن هناك ما يقارب 100 ألف نازح غير مسجلين بعد.
وإلى ذلك، يشير الممثل الإقليمي لمنظمة FAO لإقليم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، إلى أن نحو 240 ألف شخص نزحوا من جنوب لبنان أغلبهم من المزارعين مما سيوقف عجلة الإنتاج الزراعي بالكامل.
ويوضح أن جنوب لبنان يحتاج بشكل عاجل إلى مساعدات أولية طارئة بقيمة 33 مليون دولار خلال عام 2024.
اقتصاد يئن تحت وطأة الحرب
وسجل الاقتصاد الكلي في لبنان نمواً حقيقياً خلال العام 2023 بنسبة 0.5%، ووصل معدل التضخم السنوي إلى 221.3% مقابل 171.2% في العام 2022.
وسجل ميزان المدفوعات في لبنان خلال العام الماضي فائضاً بمقدار 2.2 مليار دولار مقابل عجز 3.2 مليار دولار خلال العام 2022.
وبلغ عجز الميزان التجاري حوالي 14.5 مليار دولار في العام 2023 مقابل حوالي 15.6 مليار دولار في العام 2022، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 7.1% مقارنة بارتفاع 59.5% في 2022، حسب بيانات مصرف لبنان المركزي.
وانخفضت الواردات بنسبة 8% خلال العام الماضي لتصل إلى حوالي 17.5 مليار دولار، كما تراجعت الصادرات بنسبة 14.2% لتصل إلى حوالي ثلاثة مليارات دولار.
ووصلت تحويلات المغتربين إلى لبنان خلال العام الماضي إلى 6.6 مليار دولار.
وانعكست الأزمة المالية والاقتصادية في انخفاض حاد في قيمة العملة المحلية، حيث انخفض سعر الصرف مقابل الدولار في السوق الموازية بنسبة 53% خلال 2023.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي