تتواصل اجتماعات وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية من جميع أنحاء العالم في واشنطن العاصمة من 21 إلى 26 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري تحت مظلة الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
يواجه المشاركون في هذه الاجتماعات تحديات اقتصادية وجيوسياسية كبيرة؛ تشمل عدداً من القضايا الرئيسية التي تحتاج إلى معالجة عاجلة. ورغم التوترات الجيوسياسية التي تعرقل التعاون الدولي في العديد من المجالات، تبقى فرصة لتحقيق اتفاقات مهمة من أجل استقرار الاقتصاد العالمي.
وفي ظل الصدمات المتتالية التي تعرض لها الاقتصاد العالمي، بدءاً من جائحة كورونا وتداعياتها واسعة المدى، وصولاً إلى تصاعد المخاطر الجيوسياسية وما يرتبط بها من تهديدات اقتصادية وحالة "عدم يقين" تلف الأسواق بشكل مستمر، تفرض خمسة قضايا رئيسية نفسها على لائحة الملفات التي تستحق المتابعة خلال الاجتماعات السنوية لهذا العام.
يشرح تلك القضايا هونغ كيو تران، وهو هو زميل أول غير مقيم في مركز جيو إيكونوميكس التابع للمجلس الأطلسي، في تقرير له نشره المجلس ضمن تحليل موسع حول الاجتماعات.
شاهد أيضاً: تحديات عديدة على طاولة نقاشات صندوق النقد والبنك الدوليين
أولاً- التنسيق لضمان هبوط سلس للاقتصاد العالمي
القضية الأولى ترتبط بـ "التنسيق من أجل هبوط سلس للاقتصاد العالمي"، ذلك أن كبرى الاقتصادات -مثل الولايات المتحدة والصين وعدد من الدول الأوروبية- تشترك في مواجهة تحديات اقتصادية متشابهة تتمثل في التباطؤ الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة.. الصين على وجه الخصوص تواجه حالة من الانكماش الاقتصادي بسبب أزمة القطاع العقاري.
وثمة فرصة كبيرة للدول الكبرى للتنسيق فيما بينها عبر سياسات تحفيزية منسقة لضمان "هبوط سلس" للاقتصاد العالمي. على سبيل المثال، من المتوقع أن تؤدي تخفيضات أسعار الفائدة التي قد تعلنها البنوك المركزية الكبرى، لا سيما الاحتياطي الفدرالي الأميركي، إلى إحياء التدفقات الاستثمارية نحو الاقتصادات الناشئة.
اقرأ أيضاً: رئيسة صندوق النقد تتوقع نمواً فاتراً في الأمد المتوسط للاقتصاد العالمي
يمثل هذا فرصة لمجموعة العشرين للعب دورها كمنصة رئيسية لتنسيق السياسات الدولية، ويمكن لصندوق النقد الدولي تقديم الدعم التحليلي اللازم.
تشير التقديرات الأخيرة الصادرة عن الصندوق إلى أن ينمو الاقتصاد العالمي سيكون في حدود 3.2% في العام 2024 مع تباطؤ معدل التضخم إلى 5.9%.
ثانياً- تعزيز الدعم للدول ذات الدخل المنخفض المتعثرة بالديون
تشهد الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، باستثناء الصين، تفاقماً في أعباء الديون الخارجية، حيث تضاعف حجم هذه الديون منذ العام 2010 ليصل إلى 3.1 تريليون دولار.
وفي هذا السياق، يسعى صندوق النقد الدولي إلى تقديم المزيد من الدعم لهذه الدول من خلال ثلاثة محاور أساسية؛ وهي: (الإصلاح المالي لتحسين الإيرادات الضريبية وتعزيز الدعم الدولي عبر قروض منخفضة الفائدة أو منح، وكذلك تخفيف الضغوط المالية عن الدول المثقلة بالديون من خلال تحسين آليات إعادة هيكلة الديون).
لكن هذه التدابير وحدها -بحسب هونغ- ليست كافية. ويوصى بتوسيع إطار العمل المشترك لمجموعة العشرين ليشمل الدول متوسطة الدخل. وتحسين آليات التفاوض لتسريع عمليات إعادة الهيكلة التي قد تستغرق سنوات.
وفي سياق متصل، حذّر صندوق النقد الدولي من أن الدين العام العالمي سيواصل الارتفاع ليصل إلى100 تريليون دولار بحلول نهاية السنة وهو ما يمثل 93% من إجمالي الناتج المحلي العالمي مشيرًا إلى أن الوضع المالي لبعض الدول قد يكون أسوأ مما هو متوقع.
ثالثاً- تحسين دعم التمويل المناخي
أعلن كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عن تعزيز دعمهما للدول في جهود التخفيف من تغير المناخ، حيث تعهد البنك الدولي بزيادة نسبة قروضه المخصصة للمناخ إلى 45% بحلول العام 2025، بينما قام صندوق النقد بتأسيس "صندوق المرونة والاستدامة" لدعم الدول.
ومع ذلك، تقدر الاحتياجات التمويلية للدول النامية والناشئة لتلبية متطلبات التغير المناخي بحوالي 2.4 تريليون دولار سنويًا حتى العام 2030. لهذا، يجب على المؤسسات المالية الدولية تكثيف جهودها لجمع المزيد من التمويل المناخي.
رابعاً- استكمال مراجعات حصص صندوق النقد وسياساته
أقر صندوق النقد الدولي بزيادة نسبية في حصص الدول الأعضاء بنسبة 50%، مما يرفع قدراته الإقراضية إلى 960 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تخصيص مقعد إضافي لأفريقيا جنوب الصحراء في المجلس التنفيذي للصندوق.
كما تجري مراجعة لآليات توزيع الحصص لتتوافق بشكل أكبر مع الأوزان الاقتصادية للدول الأعضاء. سيتعين على الصندوق أيضًا مراجعة سياسة الفوائض التي تُفرض على الدول التي تستفيد من قروضه، إذ يعتبرها البعض قد عفا عليها الزمن، بحسب التحليل المشار إليه.
اقرأ أيضاً: صندوق النقد الدولي يخفض تكاليف اقتراض أعضائه بنحو 1.2 مليار دولار سنوياً
خامساً- مواجهة النزاعات الجيوسياسية والانقسامات الجيو-اقتصادية
في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، يتعين على صندوق النقد الدولي التعامل بحذر لتجنب تأثير هذه النزاعات على الاقتصاد العالمي.
يأتي ذلك في وقت تحذر فيه المؤسسة من الآثار السلبية لتزايد الحمائية التجارية وتفكك سلاسل التوريد العالمية، مشيرة إلى أن هذا النوع من التجزئة الجيو-اقتصادية يضر بشكل خاص بالدول منخفضة الدخل. وفي ظل فشل النهج متعدد الأطراف في تحقيق تقدم في منظمة التجارة العالمية، يوصي صندوق النقد الدولي باتباع نهج "متعدد الأطراف"، حيث تتفق مجموعة صغيرة من الدول المتشابهة في التفكير على اتفاقيات تجارية، مع إتاحة المجال لانضمام دول أخرى لاحقًا.
ويُعتقد بأنه إذا نجحت مجموعة العشرين في تنسيق السياسات الاقتصادية وضمان هبوط سلس للاقتصاد العالمي، فقد يمهد ذلك الطريق لتحقيق تقدم في القضايا الأخرى خلال الاجتماعات السنوية الحالية.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي
ملف تعريف الارتباط هو نص صغير يتم إرساله إلى متصفحك من الموقع الإلكتروني الذي تتم زيارته. ويساعد هذا الملف الموقع الإلكتروني في تذكّر معلومات عن زيارتك، ما يسهّل زيارة الموقع مرّة أخرى ويتيح لك الاستفادة منه بشكل أفضل.