في ظل التوترات الجيوسياسية المتسارعة والأزمات المتزايدة في الشرق الأوسط، تتجه أنظار العالم نحو الانتخابات الأميركية المقبلة، وما الذي قد يعنيه فوز أي من المرشحين بالنسبة للصراع في المنطقة.
تتباين الرؤى حول مستقبل الصراع في الشرق الأوسط مع فوز أي من المرشحين؛ ففي حين أن سياسات ترامب قد تدفع نحو تعزيز التحالفات التقليدية واتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه إيران وحلفائها، فإن نهج هاريس قد يركز على إيجاد حلول سياسية تخفف من التوترات وتعيد ترتيب العلاقات بما يحفظ المصالح الأميركية على المدى البعيد.
مثل هذه التغيرات قد لا تقتصر على العلاقات الثنائية، بل قد تعيد رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة بأكملها، مما يجعل نتائج الانتخابات الأميركية محورية ليس فقط للولايات المتحدة بل وللشرق الأوسط بأسره.
قضيتان أساسيتان
وفي هذا السياق، تتبع تقرير بحثي لمعهد الشرق الأوسط مواقف المرشحين خلال الأشهر ة الماضية حيال قضايا منطقة الشرق الأوسط، مع التركيز بشكل أكبر على قضيتين رئيسيتين من المرجح أن تهيمن على الأجندة الإقليمية للإدارة الأميركية المقبلة: إيران والشؤون الإسرائيلية الفلسطينية.
ويأتي ذلك رغم أن الأسابيع الأخيرة من الحملة الرئاسية كانت تركز في الأغلب على قضايا محلية أكثر، مع تطرق المرشحين إلى المخاوف الاجتماعية والاقتصادية بدلاً من السياسة الخارجية. وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي، من بينها استطلاع شركة Gallup الذي ذكر أن القضايا الخارجية المماثلة لا تعد نقطة محورية رئيسية في المنافسة، إذا ما قورنت بملفات الاقتصاد والهجرة وغيرها من الملفات الداخلية.
ورغم التطورات الحافلة في المنطقة، يبدو أن المرشحين لم يضعا الشرق الأوسط في أولوياتهما بالقدر الذي كان يتوقعه البعض في المنطقة أو الذي كانت جماعات الضغط المختلفة في أميركا تأمله. والسبب الرئيسي وراء هذا هو أن أسعار النفط والغاز الطبيعي ظلت مستقرة إلى حد معقول حتى الآن، ولم تقع أي هجمات كبرى ضد الأراضي الأميركية أو القوات الأميركية المتمركزة في المنطقة.
وقد خلص التحليل، إلى أنه بالنسبة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط في الأمد الأبعد، فإن ثمة سيناريوهين؛ أحدهما عالق في الماضي، والثاني أكثر استشرافاً للمستقبل.
يتلخص السيناريو الأول، الذي يبدو أكثر ترجيحاً وفق المنتدى، في أن الجمهوريين والديمقراطيين سوف يستمرون في استخدام مجموعة واسعة من قضايا السياسة العامة، بما في ذلك السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، كأداة للفرقة الحزبية والأيديولوجية. وكان هذا هو النموذج الذي عملت به الولايات المتحدة على مدى ربع القرن الماضي، وهذه الانقسامات تعوق في كثير من النواحي قدرة أميركا على إنجاز الأمور: وضع الدبلوماسيين والقادة العسكريين في أماكنهم، وتمرير الميزانيات اللازمة لتنفيذ البرامج، وتعزيز استراتيجية أكثر تماسكاً للأمن القومي في الشرق الأوسط.
أما السيناريو الثاني، والذي يبدو أقل ترجيحا في الوقت الحالي، فهو أن يعترف القادة في كلا الحزبين بأن خصوم أميركا، بما في ذلك إيران، سعوا إلى تأجيج الخلافات الحزبية والأيديولوجية داخل الولايات المتحدة لمنع واشنطن من السعي إلى مشاركة أكثر ثباتا واتساقا في الشرق الأوسط. ومن المؤكد أنه يمكن للمرء أن يشير إلى حالات حديثة في الكونغرس وإدارتي بايدن وترامب عندما عبر المشرعون والمسؤولون الديمقراطيون والجمهوريون الممر وعملوا معا على جوانب رئيسية من السياسة الخارجية الأميركية تجاه الصين وروسيا. وينبغي لقادة الحزبين أن يستخلصوا الدروس من تلك الأمثلة الناجحة للتعاون الحزبي وأن يتخذوا خطوات مماثلة لبناء تحالفات عبر الطيف السياسي تسعى إلى تعزيز نهج أميركي أكثر فعالية وأطول أمدا تجاه الشرق الأوسط.
ملخص مواقف المرشحين
وفيما يتعلق بمواقف المرشحين إزاء إيران، يشير تحليل المنتدى إلى أن المرشحين يتفقان على أن الولايات المتحدة يجب أن تمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وكلاهما انتقد تصرفات إيران المزعزعة للاستقرار في مختلف أنحاء المنطقة.
يرى ترامب والمرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس جي. دي. فانس أن الهجمات الإيرانية على إسرائيل ما كانت لتحدث لو كان ترامب رئيسًا، مشيرين إلى أن إيران كانت "تحت السيطرة" في عهد الرئيس الأميركي السابق. ويرى ترامب أن إدارة هاريس ستتيح لإيران فرصة التلاعب بأميركا.
كذلك يشير ترامب وفانس إلى أن سياسة إدارة بايدن وفك تجميد الأصول سمحت لإيران بامتلاك مزيد من الأموال، مما يعزز دعمها للهجمات على الحلفاء. يرى فانس أن الردع الفعّال الذي اتبعه ترامب سابقًا كان سببًا في تعزيز الأمن.
ويعتبر الرئيس الأميركي السابق امتلاك إيران للسلاح النووي تهديدًا كبيرًا يجب منعه، ويعتقد أنه كان سيصل إلى اتفاق مع إيران يمنعها من تحقيق هذا الهدف.
على الجانب الآخر، فيما يتعلق بهاريس والمرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس تيم ولز، فقد وصفت هاريس إيران بأنها "العدو الأعظم لأميركا" مؤكدةً أن لإيران سجلًا طويلًا من التصرفات التي تهدد أمن الولايات المتحدة وشركائها، وأكدت على ضرورة الدفاع ضد تصرفاتها المزعزعة للاستقرار.
بينما أكدت هاريس أن الدبلوماسية هي الخيار المفضل، لكنها أوضحت أن "جميع الخيارات مطروحة على الطاولة". وألقى تيم والز اللوم على إدارة ترامب بسبب انسحابها من الاتفاق النووي، ما زاد من خطر حصول إيران على السلاح النووي.
أما فيما يتعلق بفلسطين وإسرائيل، فقد دعا كل من ترامب وهاريس إلى إنهاء الحرب في غزة. وركزت هاريس بشكل أكبر على وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن الذي سعت إدارة بايدن إلى دفعه خلال الأشهر القليلة الماضية، في حين ركزت رسالة ترامب الرئيسية على التأكد من تحقيق إسرائيل "النصر"، دون تقديم الكثير من التفاصيل.
في مواقفهما وتصريحاتهما الأخيرة، ركزت كامالا هاريس وتيم والز على ضرورة وقف إطلاق النار والإفراج عن المحتجزين. وقد جعلت هاريس من هذه القضايا محور رسالتها بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث عبّرت عن دعمها الثابت لأمن إسرائيل، بينما دعت في الوقت ذاته إلى حقوق الفلسطينيين في الكرامة والحرية.
قد تصل لـ20 مليار دولار .. البنك الدولي يتحدث عن حجم أضرار الغارات الإسرائيلية على غزة
كما عبرا أيضًا عن تعاطفهما مع الفلسطينيين، مشددين على أهمية تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة. كذلك فإن هاريس دعت إسرائيل لتسهيل تدفق المساعدات وحماية المدنيين، مشيرة إلى الوضع الإنساني المزري الذي يواجهه أكثر من مليوني شخص. وقد أعربت عن قلقها بشأن الأمن الغذائي، مؤكدة أنها ستواصل النضال من أجل حقوق الفلسطينيين.
ولم تعلن هاريس ووالز عن أي اختلافات كبيرة في وجهات النظر مع إدارة بايدن، حيث أكدا على أهمية قيادة جديدة تركز على القيم وعدم التخلي عن الحلفاء في المنطقة.
على الجانب الآخر، فإن أحد المحاور الأساسية في خطاب ترامب هو تعبيره عن دعمه القوي لإسرائيل، حيث وصف نفسه بأنه "أفضل صديق" لإسرائيل. في خطابه أمام المجلس الإسرائيلي الأميركي في 19 سبتمبر/ أيلول، أعلن ترامب أنه سيعمل على جعل إسرائيل عظيمة مرة أخرى، مشددًا على أنه بفضل أصوات اليهود الأميركيين، سيكون "مدافعًا عنهم" و"حاميًا لهم". كما اعتبر أن الانتخابات الأميركية هي "أهم انتخابات في تاريخ إسرائيل"، محذرًا من أن البلاد في "ورطة كبيرة" وأن عدم فوزه قد يؤدي إلى محو إسرائيل من على وجه الأرض.
بالإضافة إلى ذلك، تحدث ترامب عن ما وصفه بدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. في حدث تذكاري في فلوريدا في 7 أكتوبر، تعهد بأنه سيدعم حق إسرائيل في الفوز في حربها ضد الإرهاب، مشددًا على ضرورة إنهاء الحرب بسرعة.
في انتقاده لنهج بايدن-هاريس، زعم ترامب وفانس أن السياسة الحالية قد أسفرت عن إطالة أمد الحرب. وفي مقابلة مع برنامج "فوكس آند فريندز"، انتقد فانس الإدارة الحالية، مؤكدًا أن تصرفاتها "المتذبذبة" أدت إلى فقدان الأرواح من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ودعا إلى قيادة أمريكية أقوى لدعم حلفاء الولايات المتحدة.
كما دعم ترامب وفانس الضربة الإسرائيلية التي أدت إلى اغتيال زعيم حماس يحيى السنوار، حيث علق ترامب بأن وفاة السنوار تسهل عملية السلام، مشيرًا إلى أن نتنياهو يقوم بعمل جيد رغم محاولات بايدن كبح جماحه.
تقاسم الأعباء
وبشكل عام، تشير مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سنام وكيل، في تحليل نشرته "تشاتام هاوس"، إلى أن النهج السياسي الذي يتبعه ترامب وهاريس في التعامل مع الصراع في المنطقة يظهر نيتهم المحدودة في تغيير المسار في الشرق الأوسط.
يدرك المرشحان أن سياسات الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتصل بإسرائيل وفلسطين وإيران ــ القضايا الرئيسية التي تتطلب اهتماما عاجلا ــ أصبحت حقل ألغام حزبيا أميركيا من شأنه أن ينفر الناخبين. وعلى الرغم من خططهما المختلفة، مع ميل ترامب إلى أن يكون أكثر انعزالية، فإنهما سيواصلان اتجاه خفض أولوية إدارة الصراع تدريجيا لصالح تقاسم الأعباء بشكل أكبر من جانب أولئك في المنطقة.
ووفق التحليل ذاته، فقد وعد ترامب باتباع نهج أكثر صرامة يهدف إلى الحد من الصراع وتعزيز المصالح الأميركية. وفيما يتعلق بإيران، أوضح ترامب أنه سيعود إلى سياسة الحد الأقصى من العقوبات.
وقد سعى ترامب إلى إقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي، وربما التوصل إلى اتفاق جديد مع طهران أو تقييد إيران بشكل أكبر. كما دافع عن انسحاب إدارته من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، والمعروفة أيضًا باسم الاتفاق النووي الإيراني. وزعم ترامب أن هذا النهج يفرض ضغوطًا اقتصادية على إيران ويقلل من قدرتها على تمويل الجماعات الوكيلة.
وأشار مستشاروه أيضًا إلى أنهم سيوسعون حملة الضغط هذه ويقدمون أقصى قدر من الدعم. ولكن في غياب الأهداف الواضحة أو الرغبة في التفاوض مع طهران لاحتواء المزيد من التقدم النووي، فإن النتيجة قد تكون جولة أخرى من عدم الاستقرار.
وفيما يتعلق بالحرب في غزة، فإنه في حال عودته إلى منصبه، أشار ترامب إلى أنه سيضع حدًا للحرب في غزة على الفور، رغم أن الكيفية لا تزال غير واضحة.
وفيما يخص هاريس، فمن المتوقع أن تعمل على تعزيز الموجة الحالية من الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تهدئة التوترات وإدارتها مع طهران، بدلاً من الدعوة إلى ممارسة "أقصى قدر من الضغط".
ومن المرجح أن تواصل هاريس جهودها الرامية إلى إحياء نموذج جديد قادر على احتواء البرنامج النووي الإيراني. ومن المتوقع أن تؤكد على استراتيجية المشاركة إلى جانب الضغط لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، في حين تعالج أنشطتها الإقليمية، وفق تقرير " تشاتام هاوس".
كيف تؤثر نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية على الأسواق العالمية؟
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي