تعاني إيران، الدولة الغنية بالنفط، من أزمة في قطاع الطاقة مع النقص المتزايد في الكهرباء والغاز والبنزين، مع انخفاض الاستثمار في البنية التحتية والذي تفاقم بسبب العقوبات الأميركية، بالإضافة إلى سوء الإدارة، والدعم الحكومي الضخم، والذي يشجع على استهلاك الوقود المرتفع ويثقل كاهل البلاد التي تواجه أزمة مالية.
أظهرت بداية انقطاع التيار الكهربائي في إيران هذا الأسبوع مع التراجع الحاد في الوقود، المشكلات التي تواجهها الدولة التي تمتلك ثالث أكبر احتياطيات النفط، وثاني أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم. فالإيرانيون مع ذلك كان عليهم أن يتعاملوا مع نقص الطاقة خلال الأشهر الأخيرة.
عانت محطات الوقود في بعض وجهات السفر الشمالية الشهيرة من نقص الوقود خلال أشهر الصيف، مما أجبر سائقي السيارات على الوقوف في طوابير لساعات. أزمة جديدة طلت على البلاد خلال الأيام الأخيرة مع انقطاعات التيار الكهربائي لمدة ساعتين يومياً رغم حلول موسم الشتاء الذي ينخفض فيه الاستهلاك، بحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
أدت انقطاعات الكهرباء إلى توقف عمل إشارات المرور خلال فترة الانقطاع، مما أسهم في تفاقم الازدحام، كما عانى سكان الأدوار المرتفعة في المباني الشاهقة من خوف التعرض لاحتمال توقف المصاعد لفترة طويلة وهم بداخلها أو سقوطهم منها.
تقول وزارة الطاقة الإيرانية إن الانقطاعات هي نتيجة "لزيادة الطلب المنزلي على الغاز في بداية موسم البرد ونقص الوقود ... وقرار بوقف حرق الوقود الثقيل" في ثلاث محطات طاقة.
أزمة طاقة
لكن ثمة إشارات أخرى إلى أن الأزمة الاقتصادية والطاقة شديدة لدرجة أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان اعترف في سبتمبر/ أيلول بأن الحكومة تكافح من أجل دفع أجور العمال وبالتالي كانت تستعين بصندوق التنمية الوطني، وهو صندوق ثروة سيادي من المفترض أن يحافظ على عائدات النفط الحالية للأجيال القادمة.
اقرأ أيضاً: 250 مليار دولار استثمارات مطلوبة.. الرئيس الإيراني يُفند مشكلات اقتصاد بلاده وحلولها
يدفع الإيرانيون أقل من ثلاثة سنتات أميركية لشراء لتر البنزين، وهو ما يجعل البلاد في منافسة مع ليبيا وفنزويلا على تصنيف أرخص الأسعار في العالم.
كما أنفقت إيران 163 مليار دولار في دعم الطاقة المباشر وغير المباشر في العام 2022، بما يتجاوز 27% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أعلى حصة من اقتصاد أي دولة في القائمة، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
وقال الرئيس الإيراني إن دعم البنزين "غير العقلاني" يثير التساؤلات عندما "لا نملك ما يكفي من المال لتوفير الغذاء والأدوية".
وأضاف بزشكيان، خلال مؤتمر صحفي مؤخراً: "ندفع أموالاً طائلة لأولئك الذين يستهلكون الكهرباء والغاز والبنزين بشكل مفرط".
الحاجة لخفض جذري للدعم
سمحت الحكومة، هذا الأسبوع، لأول مرة باستيراد وبيع البنزين عالي الجودة بأسعار غير مدعومة، وهي خطوة تستهدف الإيرانيين الأثرياء الذين يقودون سيارات باهظة الثمن. بالنسبة للطاقة المحلية، تبنت إيران أيضاً في السنوات الأخيرة نظام تسعير تصاعدي لتثبيط الإفراط في استهلاك الغاز الطبيعي والكهرباء من الأسر الثرية.
لكن الحاجة إلى خفض الدعم بشكل أكثر جذرية تثير مخاوف من تكرار أحداث العام 2019، عندما أثار ارتفاع أسعار البنزين احتجاجات في المدن الإيرانية أدت إلى وفيات. كما أن ارتفاع أسعار الوقود سيرفع التضخم في جميع قطاعات الاقتصاد.
اقرأ أيضاً: لدعم الاقتصاد.. إيران ترفع إنتاج النفط إلى 250 ألف برميل يومياً
وقال خبير الطاقة، سعيد مير ترابي: "ظلت أسعار الوقود في إيران دون تغيير لفترة طويلة لدرجة أن التفاوت بين الأسعار المدعومة والفعلية أصبح واسعاً للغاية".
تشير التقديرات الرسمية إلى أن إيران تواجه عجزاً يومياً يصل إلى نحو 20 مليون لتر من البنزين، وفي العام الماضي استوردت ما يقرب من ملياري دولار من الوقود، وفقاً لوزارة النفط.
يتزامن ذلك مع تهريب ملايين اللترات عبر الحدود يومياً إلى الدول المجاورة مثل باكستان وأفغانستان من التجار الذين يستفيدون من الفرق بين أسعار السوق والسعر المدعوم في إيران، وفقاً للصحيفة.
أزمة الكهرباء والافتقار إلى التكنولوجيا الجديدة بسبب العقوبات
فيما يتعلق بالكهرباء، يقول مسؤولون إن الشبكة الوطنية تعاني من عجز يزيد عن 17 ألف ميغاواط من الإنتاج، وهو ما يرجع جزئياً إلى أن محطات الطاقة قديمة وبحاجة إلى الاستبدال.
وذكر محلل الطاقة، مرتضى بهروزيفار، أن الافتقار إلى الوصول إلى التكنولوجيا الجديدة نتيجة للعقوبات المفروضة على البلاد كان أحد العوامل المساهمة في الأزمة، ومن بين تلك التأثيرات على سبيل المثال الحد من قدرة التكرير المحلية. وقال: "فشلنا في زيادة الإنتاج بما يتناسب مع الموارد الوطنية".
اقرأ أيضاً: أبرز ملامح العقوبات الغربية على إيران
وقالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، يوم الثلاثاء، إن تخفيف أحمال الكهرباء عبر انقطاع منظم للخدمة هو الثمن الذي يجب دفعه لحماية الصحة العامة عبر الحد من حرق الوقود الثقيل في محطات الطاقة، والذي يولد انبعاثات سامة وتلوثاً جوياً مرتفعاً في الشتاء.
في المقابل يشكك آخرون في هذه المزاعم. وقال رئيس نقابة جمعيات الطاقة الإيرانية، وهي مجموعة صناعية، هاشم أورايي: "هناك شكوك قوية في أن الأمر لا يتعلق بتلوث الهواء. وأظن أننا نفقد أيضًا الوقود الثقيل".
فوز ترامب يحبط آمال استئناف المفاوضات مع الغرب
مع فرض العقوبات مثل هذه الضريبة على الاقتصاد الإيراني، أشار بزشكيان، الذي تولى منصبه كرئيس في شهر يوليو/ تموز، إلى انفتاحه على استئناف المفاوضات مع الغرب.
لكن بعد فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية، أصبحت احتمالات استئناف المحادثات غير مؤكدة. تبنت إدارة ترامب الأولى سياسة متشددة، حيث انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي عقد في عام 2015 مع إيران، وأعادت فرض العقوبات في إطار حملة "أقصى قدر من الضغط" ضد طهران.
اقرأ أيضاً: عبر سياسة "الضغط الأقصى".. خطة إدارة ترامب القادمة لـ "إفلاس إيران"
كما تأتي أزمة الطاقة في وقت عصيب من الناحية الاستراتيجية بالنسبة للدولة الآسيوية، التي كانت في صراع متصاعد مع إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة، بما في ذلك الهجمات المباشرة على أراضي كل منهما.
يعد نقص الطاقة في داخل بلد معروف بأنه أحد أكبر منتجي النفط والغاز في العالم أمراً محرجاً. يوفر حقل جنوب فارس، أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، والذي تتقاسمه إيران مع قطر، أكثر من 70% من احتياجات البلاد من الغاز. لكن الإنتاج من الحقل على الجانب الإيراني كان في انخفاض حاد.
وقال بهروزيفار: "فشلنا في الاستثمار بشكل صحيح في صناعة النفط والغاز في المنبع. نحن نتحمل خسائر فادحة لفشلنا في تطوير حقل جنوب فارس للغاز، في حين تجني قطر الأرباح".
وحتى الآن، لا يزال الوضع قاتماً. ومن المتوقع أن تواجه إيران هذا الشتاء عجزاً يومياً يبلغ 260 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. وقال بهروزيفار: "سيستمر الخلل في النمو ما لم نحل مشاكلنا مع العالم".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي