◾ الحرب في أوكرانيا تدخل مرحلة تصعيد خطيرة مع استخدام كييف أسلحة بعيدة المدى، ورد موسكو بتطوير هجماتها الصاروخية فرط الصوتية
◾ المخاوف بشأن التهديدات النووية أصبحت أكثر وضوحاً بعد إعلان روسيا خفض عتبة استخدامها للأسلحة النووية
◾ من المحتمل أن تؤدي هذه التطورات إلى إعادة تشكيل الصراع الدولي، خاصة مع وصول ترامب إلى السلطة وتأثير سياسته على دعم كييف
◾ على الرغم من التحذيرات والتصعيد، لا تزال هناك فرص لمفاوضات مشروطة، تعتمد على توازن المكاسب والخسائر للطرفين
◾ السباق النووي بين القوى الكبرى يتسارع مع استثمار الدول المسلحة نووياً في تحديث ترساناتها، مما يزيد من مخاطر التصعيد العالمي
خاص CNBC عربية- مصطفى عيد
دخلت الحرب في أوكرانيا مرحلة جديدة من التصعيد العسكري؛ وذلك بعد استخدام كييف أسلحة أميركية وبريطانية طويلة المدى لأول مرة منذ اندلاع الحرب في الرابع والعشرين من شهر فبراير/ شباط 2022.
كما أعلنت موسكو من جانبها خفض عتبة استخدام الأسلحة النووية، ملوّحة بالرد على أي ضربات تقليدية ضدها، فيما قامت فعلياً باستهداف أوكرانيا بصواريخ باليستية فرط صوتية متوسطة المدى، مما يعكس تحوّلاً خطيراً في قواعد الاشتباك، ما دفع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي ، للتأكيد يوم الجمعة 22 نوفمبر/ تشرين الثاني على أن بلاده من جانبها ستطور الدفاعات الجوية عقب تكثيف روسيا لهجماتها.
من شأن هذا التصعيد المتبادل إعادة تشكيل معادلة الحرب على نحو يثير المخاوف من خطر انزلاق الأوضاع باتجاه مواجهة مباشرة بين روسيا والغرب، خاصة في ظل الدعم العسكري الغربي المتزايد لكييف، وقبل تولي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب السلطة رسمياً في يناير/ كانون الثاني، والذي سبق وتعهد بإنهاء الحرب، معتبراً أنها لم تكن لتقع حال كان موجوداً في السلطة.
كما تطرح تلك التصعيدات تساؤلات حول السيناريوهات المتوقعة خلال الفترة المقبلة، ومدى احتمالية تحول الحرب إلى مواجهة نووية، فضلاً عن المتغيرات التي قد تحدث مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
أبرز السيناريوهات المتوقعة
تتباين سيناريوهات التصعيد المحتملة ما بين التصعيد المحدود وحتى السيناريو الأكثر خطورة المرتبط بـ "التصعيد النووي".
في السيناريو المحدود، قد تواصل أوكرانيا استخدام الأسلحة طويلة المدى لاستهداف العمق الروسي أو المنشآت العسكرية الاستراتيجية، في مقابل رد روسي موسّع باستخدام الصواريخ فرط الصوتية والطائرات المسيّرة. ويشمل هذا السيناريو اتساع نطاق الحرب دون الانزلاق إلى المواجهة النووية.
أما السيناريو الأخطر، المرتبط بالتصعيد النووي "التكتيكي"، فإنه في ظل تلميحات موسكو بخفض عتبة استخدام الأسلحة النووية، يبقى خيار الاستخدام النووي التكتيكي محدود النطاق مطروحاً، خصوصاً إذا شعرت روسيا بتهديد وجودي مباشر. ومن شأن هذا السيناريو "الأخطر" دفع الغرب إلى إعادة تقييم خياراته العسكرية، لكنه يحمل خطر التصعيد النووي الأوسع.
🚨الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوافق على تحديث للعقيدة النووية .. أبرز بنوده:
— CNBC Arabia (@CNBCArabia) November 19, 2024
▪️الكرملين يؤكد أن روسيا تحتفظ بحق استخدام الأسلحة النووية في حال تعرضها أو روسيا البيضاء لعدوان بأسلحة تقليدية إذا كان يشكل تهديداً خطيراً على سيادتهما
▪️جعل الأعداء المحتملين يدركون أن الرد على أي… pic.twitter.com/GIQSxlRHTA
قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال كلمة له يوم الخميس 21 نوفمبر/ تشرين الثاني، إن حرب بلاده مع أوكرانيا تتصاعد إلى صراع عالمي بعد سماح أميركا وبريطانيا لكييف باستخدام أسلحة طويلة المدى من تصنيعهما لقصف بلاده خلال الأيام الأخيرة، محذراً الغرب من أن موسكو قد ترد.
يعتقد محللون أيضاً بأنه لا تزال هناك فرصاً لمفاوضات مشروطة، فقد تدفع الضغوط الاقتصادية والعسكرية كلاً من كييف وموسكو نحو العودة إلى طاولة المفاوضات، لكن ذلك يعتمد على طبيعة المكاسب والخسائر الميدانية لكل طرف، إضافة إلى دور الولايات المتحدة في عهد ترامب، وكذلك الدور الأوروبي، وفرص فرض حلول وسط.
ومع تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، قد نشهد تغييراً في السياسة الأميركية تجاه الحرب. فترامب معروف بتوجهاته التي تدعو إلى تقليص الإنفاق العسكري الخارجي والتركيز على الشؤون الداخلية، ما قد يؤثر على مستويات الدعم العسكري لكييف.
على الجانب الآخر، قد تسعى روسيا لاستغلال هذا التغيير لتكثيف جهودها الميدانية أو السياسية، خاصة إذا شعرت بضعف التنسيق الغربي. ومع ذلك، يظل تأثير هذه المتغيرات مرتبطاً بتوازن القوى داخل الإدارة الأميركية القادمة ومدى استجابة أوروبا للتحديات الأمنية.
التصعيد سيد الموقف
من جانبه، قال الباحث الروسي، مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية ديميتري بريجع، لـ CNBC عربية، إن التصعيد بين روسيا وأوكرانيا سيكون سيد الموقف في الشهور المقبلة، لاسيما بعد السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ بعيدة المدى "أتاكمز" وهو ما سيزيد التوتر بسبب استهداف الأمن القومي الروسي والمدن والمصانع والقواعد العسكرية الروسية.
وأضاف بريجع: "ستكون ردة الفعل قاسية من الطرف الروسي على المدن الأوكرانية والعاصمة كييف وأدويسا وغيرهما لاسيما على مراكز صناعة القرار السياسي والعسكري والبرلمان الأوكراني والقيادة العسكرية ووزارة الدفاع الاوكرانية وغيرها من المباني".
وتابع قائلاً: "ستكون ردة الفعل قاسية جداً لأن بوتين يحب الانتقام من أي تهديد لأنه من مدرسة المخابرات الروسية، ونتذكر كيف تعامل في الحرب الشيشانية بقسوة مع المتمردين".
ووجهت روسيا ضربة لمنشأة عسكرية في مدينة دينبرو الروسية بنوع جديد من الصواريخ الباليستية فرط الصوتية متوسطة المدى المسمى "أوريشنيك"، بحسب ما قاله بوتين الخميس.
وذكر الكرملين، يوم الجمعة، أن الضربة التي استخدمت الصاروخ الذي تم تطويره حديثاً كانت رسالة إلى الغرب بأن روسيا سترد بقوة على أي إجراءات غربية "متهورة" لدعم أوكرانيا، بحسب وكالة رويترز.
اقرأ أيضاً: بوتين: الحرب مع أوكرانيا تتصاعد إلى صراع عالمي بعد ضرب روسيا بأسلحة غربية
"على المدى القصير هذه المعضلة في مفترق طرق" بحسب ما قاله رئيس وكالة تنمية التجارة الدولية بموسكو والخبير الدولي، تيمور دويدار، لـ CNBC عربية، والذي يتوقع أن تستمر القوات الروسية في التقدم على الجبهات الأوكرانية حتى ولو بشكل متواضع، مع تفعيل ضرب منشآت الطاقة والمنشآت العسكرية في العمق الأوكراني.
وتابع دويدار: "من ناحية أخرى فإن الغرب والولايات المتحدة، يصعد ويستفز روسيا بتوريداته للأسلحة لأوكرانيا واستخدام هذه الأسلحة في العمق الروسي، أي عبور الخطوط الحمراء.. استمرار الاستفزاز ربما قد يؤدي إلى تفعيل رسالة أخرى ثانية (روسية) غير التي كانت يوم أمس (في إشارة للضربة الأخيرة) في إما منطقة غرب أوكرانيا على الحدود مع بولندا أو بولندا نفسها"، على حد وصفه.
مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية يومها الـ 1000، استخدمت كييف صواريخ أتاكمز الأميركية يوم الثلاثاء 19 نوفمبر/ تشرين الثاني لمهاجمة أراض روسية وذلك للمرة الأولى، مستغلة ما اعتبرته "تفويضاً أميركياً" منحته لها الإدارة الأميركية المنتهية ولايتها تحت قيادة الرئيس جو بايدن، قبل أيام من العملية.
اقرأ أيضاً: في اليوم 1000 للحرب... أوكرانيا تضرب روسيا بصواريخ أتاكمز الأميركية للمرة الأولى
من جانبها، أكدت روسيا أنها أسقطت خمسة صواريخ من أصل ستة أُطلقت على منشأة عسكرية في منطقة بريانسك، فيما أصاب "حطام" الصاروخ الأخير المنشأة وأدى إلى اندلاع حريق سرعان ما تم إخماده ولم يؤدِ إلى خسائر مادية أو بشرية، بحسب رويترز.
في اليوم التالي هاجمت كييف روسيا أيضاً بصواريخ ستورم شادو البريطانية، كما استخدمت صواريخ هيمارس الأميركية، بعد تصريح أميركي بريطاني لها بذلك.
استمرار التصعيد
التصعيد مستمر مع إشارات روسية إلى استعدادها لمرحلة أخطر منه في حالة تهديد كيان الاتحاد الروسي وفق ما ذكره مدير مركز خبراء رياليست الروسي والأستاذ المساعد في الأكاديمية الرئاسية الروسية، عمرو الديب، لـ CNBC عربية.
وقال الديب: "التصعيد مستمر.. لقد رأينا ذروته مع استخدام روسيا صاروخ باليستي في مدينة دنيبرو الأوكرانية والذي أحدث قوة تدميرية كبيرة جداً، وهذا الصاروخ قادر على حمل أسلحة نووية واستخدامه من جانب روسيا يعطي إشارة واضحة بأنها على استعداد للتصعيد بشكل خطير جداً".
وأضاف: "فإذا بدأت (التصعيد) باستخدام هذا الصاروخ فقد تكون المرحلة القادمة تركيب رأس نووي على هذا الصاروخ واستخدامه ضد أي دولة تهدد كيان الاتحاد الروسي".
أدوات روسيا
وإلى ذلك، أوضح الباحث في الشأن الروسي رامي القليوبي، في تصريحات لـ CNBC عربية، أن روسيا فلا تزال تملك أوراقاً للتصعيد ومنها اختبار أسلحة نوعية غير نووية في أعمال القتال على غرار صاروخ أوريشنيك الباليستي فرط الصوتي، وبذلك لا يزال لديها مراحل أخرى على "سلم التصعيد" من دون الوصول إلى حرب عالمية أو حرب نووية.
وعلى الجانب الآخر، أفاد القليوبي بأن الغرب استنفد أوراق التصعيد الموجودة لديه. وقال: "نظرياً يمكنه أن يزود أوكرانيا بالسلاح النووي ويتذرع لذلك بأن روسيا انتهكت مذكرة بودابست في العام 1994 حين سلمت أوكرانيا ترسانتها النووية لروسيا مقابل ضمان أمنها ثم لم تلتزم موسكو. لكن اعتقد أنه رغم كل شيء لا يزال في الغرب حكام عقلاء ينحازون لنظام منع الانتشار النووي".
هل يمكن أن يتجه الصراع إلى تصعيد نووي؟
مع خفض روسيا عتبة استخدام الأسلحة النووية تبقى التساؤلات بشأن مدى احتمالية تطور التوترات إلى تصعيد نووي بين روسيا والغرب حتى وإن بدت هذه الاحتمالات محدودة.
يستبعد ديمتري بريجع الذهاب إلى حرب نووية مع وجود قنوات دبلوماسية بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، وقال لـ CNBC عربية إن أي تصعيد أو استهدافات في أوكرانيا سيكون هناك قنوات بين روسيا وأميركا تتعلق بالملف النووي.
وأضاف: "روسيا تحاول قدر الإمكان ألا يكون هناك تصعيد خطير ولكنها ترد بحزم وشدة على أي استهدافات لأمنها القومي".
لكن إذا ما تم التصعيد من جانب أوكرانيا والولايات المتحدة بشكل أو بآخر قبل تسليم ترامب الحكم في يناير "وخلال الأسابيع القليلة جداً القادمة سنكون أمام إمكانية استخدام السلاح النووي وهذا الأمر سيجعل العالم أمام وضع لم يراه من قبل"، بحسب ما قاله عمرو الديب لـ CNBC عربية.
الأسلحة النووية
يتسارع السباق على تحديث الأسلحة النووية، مع تطوير الدول المسلّحة نووياً ترساناتها في مواجهة التوترات الجيوسياسية المتزايدة عبر العالم، وزاد إنفاق تلك الدول في هذا المجال بمقدار الثلث خلال السنوات الخمس الماضية، بحسب تقارير صادرة في يونيو/ حزيران.
وكشف تقرير صادر عن منظمة "الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية"، في يونيو/ حزيران، عن أن الدول التسع التي تملك أسلحة نووية، أنفقت في المجموع 91 مليار دولار لتحديث ترساناتها.
وتشمل هذه الدول الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والهند، وإسرائيل، وباكستان، وكوريا الشمالية.
اقرأ أيضاً: إنفاق 91 مليار دولار.. السباق النووي يتسارع مع تصاعد التوترات العالمية
وقال رامي القليوبي لـ CNBC عربية: "احتمال الوصول إلى عتبة التصعيد النووي وارد نظرياً أيضاً لأنه رغم كل شيء هناك انطباع بأن دروس أزمة الكاريبي رغم مرور أكثر من نصف قرن عليها لا تزال راسخة في عقول الأجيال الجديدة من الحكام سواء في الكرملين أو البيت الأبيض".
وأضاف: "ورغم كل التوتر والتصعيد حتى الآن تمكنت روسيا والغرب من تجنب صدام مباشر قد لا تحمد عواقبه، وأنا لا أرى مؤشراً لتغير الوضع في الأفق المنظور".
كما رأى تيمور دويدار أيضاً أن سيناريو التصعيد النووي وتبادل الضربات النووية أمر مطروح ووارد، "وربما تكون الدولة الأولى التي ستكون في مرمى النيران في هذا السيناريو هي بريطانيا".
وقال دويدار إن "العالم وصل إلى عتبة التصعيد النووي من قبل وحتى من قبل بدء الصراع الروسي الغربي على الأراضي الأوكرانية".
السيناريوهات في ظل إدارة ترامب
وفي سياق متصل، طرح بريجع خلال تصريحاته لـ CNBC عربية، عدة سيناريوهات لتعامل الإدارة الأميركية مع الأزمة في ظل إدارة ترامب الجديدة مع تسلم الحكم في يناير/ كانون الثاني المقبل.
ومن بين تلك السيناريوهات تخفيف الدعم الأميركي لأوكرانيا مع عدم انضمامها لحلف شمال الأطلسي مقابل تقديم ضمانات لها، والسيناريو الثاني يتضمن إقامة منطقة عازلة بين روسيا وأوكرانيا من أجل إنهاء الحرب، والسيناريو الثالث يتمثل في استمرار الدعم مع عدم الانضمام للناتو أيضاً مقابل ضمانات من الطرفين الروسي والأوكراني لإنهاء الحرب.
وربما تواجه ترامب مشكلة أميركية داخلية أخرى في هذا السياق، حسبما قال الباحث في الشأن الروسي، رامي القليوبي لـ CNBC عربية: "سيناريو تسوية الحرب أو استمرارها يعتمد على مدى قدرته (ترامب) على التغلب على الدولة العميقة الأميركية التي تجمعها معاداة روسيا، بينما يصنف ترامب نفسه كرجل صفقات ورجل أعمال أكثر منه رجل سياسة".
وأضاف: "يرى (ترامب) قوة الولايات المتحدة في خلق الوظائف والتنمية الاقتصادية وليس في تقديم مختلف أنواع العون للحلفاء على عكس الإدارة الديمقراطية المنتهية صلاحيتها".
ومن المنتظر أن يتسلم ترامب السلطة في البيت الأبيض يوم 20 يناير/ كانون الثاني، عبر حفل تنصيب سيعقد في هذا اليوم، وذلك بعد فوزه على المرشحة الديمقراطية في السباق الانتخابي الذي جرى في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني، وضمانه أصوات نجاحه في تصويت المجمع الانتخابي المقرر عقده الشهر المقبل وإعلان نتيجته رسمياً في السادس من يناير.
ووفق الديب، فإنه إذا لم تتطور الأوضاع إلى تصعيدات أكبر، فمع وصول ترامب إلى البيت الأبيض في يناير "سيكون هناك فرص غير قليلة للتوصل إلى حل للأزمة".
وقال الديب لـ CNBC عربية: "كانت أهم وعوده الانتخابية هي إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية والتوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف في هذه الحرب".
"تسلم ترامب لرئاسة الولايات المتحدة من المحتمل أن يحدث معه تسليم جزء من أوكرانيا لروسيا أو ربما بكاملها"، بحسب تيمور دويدار، الذي أشار إلى متابعة إدارة ترامب الجديدة لأفعال الرئيس الأوكراني الحالية، وأن "ما يحدث ليس في صالح الإدارة الأميركية القادمة".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي