أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، باتهامات تتعلق بارتكاب جرائم حرب في غزة.
يأتي ذلك بعد مرور أكثر من 13 شهراً على اندلاع الحرب في غزة بين إسرائيل وحركة حماس والتي أسفرت عن عشرات الآلاف من القتلى والمصابين، ونزوح مئات الآلاف من سكان قطاع غزة.
ويثير هذا الإجراء، الذي تلته ردود أفعال دولية واسعة، التساؤلات بشأن مدى أهمية المحكمة واختصاصاتها، ومدى إمكانية تنفيذ تلك الأوامر الصادرة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي أقال شريكه في تلك التهم منذ أسابيع قليلة فقط.
تاريخ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية
تأسست المحكمة الجنائية الدولية في 17 يوليو/ تموز 1998 بموجب نظام روما الأساسي، الذي يعد معاهدة دولية، ودخلت حيز النفاذ في يوليو/ تموز 2002. يقع مقرها في مدينة لاهاي في هولندا.
ما هي اختصاصات المحكمة؟
تتضمن اختصاصات المحكمة محاكمة الأفراد عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والعدوان، بحسب الموقع الإلكتروني للمحكمة الجنائية الدولية.
وتعد المحكمة الملاذ الأخير للمجني عليهم فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة.
وتمارس المحاكم الوطنية التحقيق والادعاء في الجرائم المرتكبة في البلد، دون تدخل من المحكمة الجنائية الدولية إلا في حالة عدم قدرة تلك الدولة على التحقيق والادعاء في الجرائم أو أنها لم ترغب في ذلك.
ويشار إلى أنه ليس لدى المحكمة جهاز شرطي خاص بها. فهي تعتمد على الدول في القبض على المشتبه بهم وتسليمهم. وتبقى أوامر القبض سارية المفعول مدى الحياة ما لم يقرر قضاة المحكمة خلاف ذلك.
نظام روما الأساسي
أُنشئت المحكمة الجنائية الدولية بموجب نظام روما الأساسي، وهي وثيقة تأسيسية وقعتها الدول الأطراف، والتي تعهدت بمنع الجرائم وعرض من يتحمل المسؤولية على العدالة.
أصبحت 123 دولة أطرافاً في نظام روما الأساسي منذ العام 1998. وتوفر تلك الدول التمويل للمحكمة وتشارك في انتخاب القضاة والمدعي العام. وتعتمد عليها المحكمة في تنفيذ أوامر اعتقال المتهمين.
الإجراءات القضائية
بعد نقل المتهم إلى المحكمة في لاهاي أو بعد إقدامه طواعية، يتم ترتيب مثوله الأول أمام المحكمة وبعد ذلك تعقد جلسة اعتماد التهم والتي تهدف إلى معرفة ما إن كانت هناك أدلة كافية لبدء المحاكمة.
ويتولى كل قضية ثلاثة قضاة في المحكمة. وخلال عملية المحاكمة، يقدم الادعاء أولاً الأدلة ويدعو الشهود. ويمكن لهيئة الدفاع إجراء استجواب مقابل من ناحيتها للشهود، وتقديم أدلة، ودعوة الشهود التي تطلبها. ويتاح للمجني عليهم التعبير عن موقفهم في القضية. كما يمكن للقضاة دعوة شهود.
وبعد تقديم طرفي القضية أدلة كل منهما، تدعو المحكمة الدفاع والادعاء إلى تقديم مرافعاتهما الختامية. وتُتاح فرصة الكلام الأخيرة دوماً للدفاع.
القضاة والمدعي العام
يعمل في المحكمة الجنائية الدولية 18 قاضياً، يتم انتخابهم لمدة تسعة أعوام، وتتضمن اختصاصات هؤلاء القضاة ضمان عدالة المحاكمات، وإصدار أوامر التوقيف أو أوامر الحضور، والإذن للمجني عليهم بالمشاركة في إجراءات المحاكمة، والأمر باعتماد إجراءات حماية الشهود، وحماية حقوق المتهمين، إلى جانب إصدار القرارات النهائية في القضايا ومخرجاتها.
اقرأ أيضاً: آخرهم نتنياهو.. من هم أبرز الرؤساء الذين لاحقتهم المحكمة الجنائية الدولية؟
بينما تتعلق اختصاصات مكتب المدعي العام بالتحقيق في الجرائم وجمع الأدلة وملاحقة الأفراد قضائياً وليس الدول. كما يجمع أدلة الجرائم المزعومة ويحللها خلال التحقيقات التي يجريها.
ويقدم الادعاء الأدلة ضد شخص أو أشخاص (مشتبه بهم) ويطلب من القضاة إصدار أوامر بالقبض أو أوامر بالحضور أمام القضاة. وعندما يكون المشتبه بهم في لاهاي، يمثلون أمام القضاة الذين يقررون بشأن مدى جمع الادعاء أدلة كافية من أجل عقد محاكمة.
ولا يتم استثناء أي شخص من ملاحقة الادعاء له قضائياً بسبب مكانته أو مركزه. لكن يجب على الادعاء أن يُثبت ذنب الشخص المتهم بما لا يرقى إليه شك معقول.
مشاركة المجني عليهم
يحق للمجني عليهم المشاركة في الإجراءات القضائية للمحكمة الجنائية الدولية وطلب جبر الضرر. ويشارك المجني عليهم من خلال محامين، الذين يعتبرون الممثلين القانونيين لهم ويمثلونهم في الإجراءات القضائية، وفي قاعة المحكمة، ويضمنون أن تصل أصواتهم إلى القضاة.
ولا يمكن لقضاة المحكمة توفير جبر الضرر للمجني عليهم ولمجتمعاتهم الأهلية عن الأذى الذي أصابهم إلا إذا أُدين الشخص بحكم نهائي.
قرار المحكمة والعقوبة
يتم حجز المتهمون الذين ألقي القبض عليهم في مركز الاحتجاز التابع للمحكمة الجنائية الدولية. ويكون الاحتفاظ بالمحتجزين ومعاملتهم بحسب أعلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان، بحسب موقع المحكمة.
وفي نهاية المحاكمة، يقرر القضاة إدانة الشخص المتهم أو براءته. وفي حالة إدانته يتعرض لعقوبة تتمث في غرامة و/أو حكم بالسجن الذي قد يصل إلى 30 عاماً، وبشكل استثنائي قد يصل إلى مدى الحياة.
ويقضي المدانون فترة سجنهم في دولة تحددها المحكمة من قائمة الدول التي يجمعها اتفاق مع المحكمة يتيح قبولها للمحكوم عليهم. ويمكن القضاة الأمر بجبر الضرر للمجني عليهم، بما في ذلك عبر رد الاعتبار والتعويض وإعادة التأهيل.
كما يجوز للادعاء والمدانين (الدفاع) الطعن في قرار المحكمة. ويتاح لدائرة الاستئناف تأكيد أو نقض أو تعديل القرار أو الإدانة، كما يمكنها إصدار قرار بعقد محاكمة جديدة أمام دائرة ابتدائية أخرى.
الفرق بينها وبين محكمة العدل الدولية
تشمل قضايا محكمة العدل الدولية الدول، فيما تنظر المحكمة الجنائية الدولية في قضايا ضد أفراد بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، بحسب الأمم المتحدة.
كما تعتبر محكمة العدل الدولية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة، في حين أن المحكمة الجنائية الدولية مستقلة قانوناً عن المنظمة، على الرغم من تأييد الجمعية العامة لها.
وعلى الرغم من أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة ليست جميعها أطرافاً في المحكمة الجنائية الدولية، لكن يمكن للمحكمة إجراء تحقيقات وفتح قضايا تتعلق بالجرائم المزعومة المرتكبة على أراضي دولة طرف أو من مواطن بدولة طرف في المحكمة الجنائية الدولية أو دولة قبلت اختصاصها.
هل يمكن للمحكمة تنفيذ أمر اعتقال نتنياهو وغالانت؟
تشكل مذكرات الاعتقال التي تصدرها المحكمة الجنائية الدولية خطوة مهمة من جانبها في سعيها إلى اعتقال زعيم عالمي، بحسب تقرير لمؤسسة NPR الأميركية غير الربحية.
وقال السفير السابق لقضايا جرائم الحرب خلال إدارة كلينتون وزميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية، ديفيد شيفر، لـ NPR في وقت سابق: "إنها ترسل إشارة قوية للغاية ضد الإفلات من العقاب وإشارة قوية للغاية إلى جميع الأطراف للامتثال للقانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي، وقبل كل شيء، حماية حقوق وسلامة المدنيين".
بعد أن صدرت مذكرات الاعتقال، فإن الأمر متروك للدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية لتنفيذها، وإجراء الاعتقالات إذا حضر نتنياهو أو غالانت إلى بلادهم، ونقلهم إلى مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي للاحتجاز.
وقال شيفر إن نتنياهو وغالانت يمكنهما "السفر إلى مجموعة كاملة من دول الشرق الأوسط دون خوف من الاعتقال لأنها ليست أطرافاً في نظام روما الأساسي".
إذا لم يمثل نتنياهو وآخرون أمام المحكمة الجنائية الدولية أو لم يتم اعتقالهم، تقول المحكمة: "يمكن تقديم المذكرات القانونية، ولكن لا يمكن بدء جلسات الاستماع".
وفي حين أنه من غير المرجح أن يسلم نتنياهو وغالانت نفسيهما أو يتم اعتقالهما، فإذا وقع أي من هذين الأمرين، فسوف يخضعان للإجراءات القانونية للمحكمة وقد يتم الحكم عليهما.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي