بعد أكثر من عام من الصراع المستمر في الشرق الأوسط، سيظل السقوط المفاجئ لنظام الرئيس السوري بشار الأسد محفوراً في تاريخ المنطقة كواحد من أعظم الصدمات التي شهدتها.
خلال 12 يوماً فقط، تقدمت قوات المعارضة المسلحة من الشمال والجنوب إلى قلب دمشق، لتستولي على العاصمة وتنهي حكم عائلة الأسد الذي استمر لأكثر من 50 عاماً. بهذا الإنجاز، نجحت المعارضة فيما فشل فيه عشرات الآلاف من المقاتلين خلال 13 عاماً من الحرب الأهلية المدمرة، بحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
ورغم دعمهما الحاسم لنظام الأسد، لم تتمكن موسكو وطهران من منع هذا الانهيار؛ إذ كانت كلتاهما منشغلتين بصراعات أخرى، روسيا في أوكرانيا، وإيران ووكلاؤها في صراعها الممتد لأكثر من 14 شهراً مع إسرائيل.
يبدو أن هذا السقوط المدوي للنظام كان أحد التداعيات غير المقصودة للضربات الإسرائيلية العنيفة ضد أعدائها منذ هجوم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في 7 أكتوبر تشرين الأول 2023. وخلال العام التالي، تغيّرت المعايير السابقة في المنطقة، مما خلق بيئة شديدة الاضطراب وغير قابلة للتوقع.
على مدى أشهر، نفذت القوات الإسرائيلية ضربات جوية متكررة على سوريا، استهدفت خلالها قادة إيرانيين ووكلاءهم، إضافة إلى منشآت مرتبطة بإيران وحزب الله اللبناني. وقد لعب حزب الله، الداعم لنظام الأسد خلال الحرب الأهلية، دوراً بارزاً في هذه التطورات.
اقرأ أيضاً: 🔴 الجيش السوري يعلن سقوط نظام بشار الأسد (تحديثات مباشرة)
24 عاماً من حكم الأسد
استخدم بشار الأسد، الذي خلف والده حافظ الأسد في عام 2000، أقصى درجات العنف لسحق معارضيه خلال الحرب الأهلية. شملت أساليبه استخدام الأسلحة الكيميائية، والبراميل المتفجرة، وحصار المدن وتجويع سكانها، والاعتقالات الجماعية، والتعذيب، والقتل، بحسب الصحيفة البريطانية.
خلال عقد من الحرب، أجبر أكثر من 12 مليون شخص -أي نصف سكان البلاد- على النزوح من منازلهم. وهناك أكثر من 100 ألف شخص من المختفين قسراً الذين اختطفتهم قوات الأمن ولا يزال مصيرهم مجهولاً.
ورحب ملايين ممن عانوا تحت حكم الأسد بسقوطه، فقد رفض باستمرار التوصل إلى تسوية سياسية مع معارضيه كان من الممكن أن تثبّت استقرار البلاد وتضعها على مسار مختلف. ومع ذلك، فإن الفرح العارم بسقوطه يرافقه القلق من المستقبل.
دور هيئة تحرير الشام
قاد الهجوم الخاطف أقوى الفصائل المعارضة، وهي هيئة تحرير الشام، وهي جماعة إسلامية كانت سابقاً تابعة لتنظيم القاعدة ومصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول أخرى. زعيمها، أبو محمد الجولاني، الذي أعلن صراحةً رغبته في السيطرة على دمشق، يظهر الآن كصانع القرار الرئيسي. وقد سبق له أن قاتل مع تنظيم داعش ويواجه مكافأة مالية بقيمة 10 ملايين دولار من الولايات المتحدة مقابل القبض عليه.
على مدى السنوات الست الماضية، حاول الجولاني إعادة تقديم هيئة تحرير الشام كحركة إسلامية أكثر اعتدالاً بينما حافظ على قبضته الحديدية على محافظة إدلب شمال غرب البلاد، حيث تدير الجماعة حكومة مدنية. لكن وكالات الأمم المتحدة وثقت انتهاكات عديدة خلال هذه الفترة.
إذا نجح الجولاني، البالغ من العمر 42 عاماً، في تحقيق طموحه بالحكم، فإن ذلك سيخلق معضلات أمام القوى الغربية والوكالات الدولية بشأن كيفية التعامل معه ومع هيئة تحرير الشام.
ومع ذلك، فإن هيئة تحرير الشام ليست سوى واحدة من العديد من الفصائل المعارضة التي شاركت في الهجوم. وفي الماضي، كثيراً ما تصارعت هذه الفصائل فيما بينها، مما يثير تساؤلات حول قدرة المعارضة على تقديم رؤية موحدة لمستقبل سوريا.
وأشار المحلل السوري مالك العبده إلى أن التنسيق الواضح بين هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى أعطى انطباعاً بوجود خطة محكمة للإطاحة بالنظام، واصفاً الهجوم بأنه «خطة هدم مُنضبطة».
وأوضح أن «هذا الشعور بالنشوة والفخر يقابله توجس من احتمالية اندلاع أعمال عنف؛ يبدو الأمر جيداً لدرجة يصعب تصديقها. ولكن من الواضح أن هناك خطة تم التواصل بشأنها بعناية من قبل هيئة تحرير الشام والجولاني، وهذا طمأن الكثيرين».
إلى جانب الفصائل السنية المسلحة، هناك قوات يقودها الأكراد تسيطر على مناطق واسعة في شمال شرق سوريا، بدعم من الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم تنظيم الدولة الإسلامية.
ومع ذلك، ترى تركيا أن هذه القوات امتداد للجماعات الكردية الانفصالية التي خاضت نزاعاً طويل الأمد ضد الدولة التركية. على مدار السنوات، نشرت تركيا قواتها في شمال سوريا لدحر الميليشيات الكردية والتعامل مع الفصائل السنية المسلحة، مما يجعلها الآن أحد أقوى اللاعبين في سوريا، حيث سيكون لها دور محوري في المرحلة المقبلة.
تتمتع تركيا بعلاقة معقدة مع هيئة تحرير الشام، التي صنفتها كمنظمة إرهابية، مما يزيد من التحديات أمام أنقرة في التعامل مع الوضع الجديد.
الدور الأميركي
تحتفظ الولايات المتحدة بنحو 900 جندي في سوريا لدعم الجهود المستمرة لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، مما يضيف عنصراً آخر إلى تعقيد المشهد.
مستقبل سوريا بعد سقوط الأسد
مع تعدد الفاعلين وتضارب المصالح، يبقى مستقبل سوريا معلقاً بين تطلعات الشعب للتغيير ومعضلات التعامل مع القوى الإقليمية والدولية.
بالإضافة إلى خطر الاشتباكات بين المتمردين، ستكون هناك مخاوف من أن داعش التي سيطرت ذات يوم على أجزاء كبيرة من شمال وشمال شرق سوريا ستسعى إلى استغلال الفوضى والعودة.
ستشعر الأقليات في جميع أنحاء سوريا، التي كانت لفترة طويلة واحدة من أكثر دول المنطقة علمانية- وهو العامل الذي خدم الأسد كعضو في أقلية بنفسه- بالقلق بشأن ما سيأتي بعد ذلك. إن البلاد تضم مجموعة متنوعة من القبائل والأديان والطوائف.
ستكون الدول المجاورة، بما في ذلك إسرائيل والأردن ولبنان، حذرة أيضاً، وكذلك دول الخليج التي أعادت التعامل مع الأسد في السنوات الأخيرة وتنظر إلى الحركات الإسلامية على أنها قوى مزعزعة للاستقرار.
التحدي الرئيسي أمام سوريا، بعد الإطاحة أخيراً بنظام بشار الأسد، يكمن في قدرتها على تجنب الفخاخ والكوارث التي أصابت دولاً أخرى عقب سقوط أنظمتها الاستبدادية، والبدء في العملية الشاقة لإعادة الإعمار وتحقيق المصالحة الوطنية.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي