كيف تحوّلت سوريا إلى مركز عالمي لإنتاج الكبتاغون؟

نشر
آخر تحديث
حبوب الكبتاغون- AFP

استمع للمقال
Play

خلال سنوات الحرب في سوريا، أصبحت صناعة الكبتاغون جزءًا من اقتصاد سري غير مشروع يسهم في تدفق مليارات الدولارات ويخدم مصالح قوى مختلفة.

تشير تقارير دولية إلى أن تجارة هذا المخدر، الذي يعد من المخدرات المنشطة المنتشرة في بعض دول المنطقة، أصبحت إحدى المصادر الرئيسية التي تسهم في تمويل أنشطة مختلفة في البلاد التي تحولت على مدار السنوات الأخيرة إلى مركز رئيسي في تجارة الكبتاغون، حيث صدرت كميات ضخمة من هذه الحبوب.

ووفقًا للتقارير الدولية، بما في ذلك ما أصدره معهد "نيولاينز" والبيانات الصادرة عن الحكومة البريطانية، فإن سوريا كانت مسؤولة عن إنتاج ما يقارب 80% من الكبتاغون العالمي.

ويعتبر البنك الدولي سوريا بأنها موطناً ومنتجا ومصدرا رئيسياً للكبتاغون حول العالم، وتصنف كمركز إقليمي لهذه الصناعة التي تصل قيمتها السوقية بالبلاد إلى حوالي 5.6 مليار دولار، فيما تستفيد الجهات الفعالة بنحو 1.8 مليار دولار سنوياً من هذه التجارة.

ذلك في وقت تشكل فيه صادرات المخدر حوالي 50% من إيرادات سوريا السنوية.  كما أنه بين عامين 2020 و2023 تطور الإنتاج وارتفاع بقرابة 54% لتصل قيمة التجارة قرابة 10 مليارات دولار.



ما هو الكبتاغون؟ وما خطورته؟

الكبتاغون هو الاسم التجاري لمادة "فينثيلين"، وهي منبهة من عائلة الأمفيتامينات. وغالباً ما يتم تصنيعه في شكل أقراص بيضاء (كحبوب الدواء) تحتوي على مواد كيميائية تسبب تأثيرات قوية على الجهاز العصبي المركزي.

يُستخدم الكبتاغون عادة لتحفيز الطاقة والتركيز، وهو يسبب حالة من اليقظة المفرطة، ولكن استخدامه المفرط يؤدي إلى تدهور الحالة النفسية والجسدية. ويعاني مدمنو الكبتاغون من مشاكل صحية خطيرة تشمل القلق والهلوسة والأرق والاضطرابات النفسية الأخرى.

تعتبر صناعة الكبتاغون صناعة ضخمة، حيث يتم تهريبه إلى العديد من الدول العربية من خلال شبكات معقدة، ما يخلق تهديدًا أمنيًا وبيئيًا لهذه البلدان. كما يؤدي انتشار الكبتاغون إلى انتشار حالات الإدمان وارتفاع معدلات الجريمة في المناطق المتأثرة.

جزء لا يتجزأ من الاقتصاد غير الرسمي

بحسب معهد "نيولاينز" الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، فإن تجارة الكبتاغون أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد غير الرسمي الذي تهيمن عليه الدولة والمجموعات التابعة لها، والذين جنوا حوالي 5.7 مليار دولار من تجارة المخدرات غير المشروعة في العام 2021 وحده، وهو رقم يُعتبر ضخماً بالنظر إلى الوضع الاقتصادي المتدهور في سوريا في تلك الفترة.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قالت مديرة المعهد، الباحثة كارولين روز، في مقال لها بمجلة المجلة، إنه في السنوات الأخيرة، أصبحت سوريا مركزًا رئيسيًا لإنتاج وتجارة المنشطات مثل "الكبتاغون" و"الميثامفيتامين"، إضافة إلى تهريب أدوية أخرى غير مشروعة مثل "الترامادول".
وتوقعت حينها استمرار الفاعلة المتحالفة مع دمشق والجماعات المسلحة والعصابات، المنخرطة في إنتاج المواد غير المشروعة وتسويقها وتوزيعها على نطاق صناعي كبير، في إعادة توجيه التدفقات والتوسع في أسواق جديدة داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها.

أين يذهب الكبتاغون المنتج في سوريا؟

تشير البيانات الحكومية البريطانية إلى أن سوريا تنتج قرابة 80% من الإنتاج العالمي من حبوب الكبتاغون. ومن المعروف أن المخدرات التي يتم تصنيعها في سوريا تُهرّب إلى العديد من الدول المجاورة مثل الأردن ولبنان والعراق، بالإضافة إلى أسواق ضخمة في دول الخليج. وقد أصبحت هذه المنتجات في السنوات الأخيرة تهديدًا حقيقيًا للأمن والاستقرار في هذه البلدان.

وفق تقرير الصحيفة الألمانية، غالبًا ما يتم تهريب الكبتاغون عبر أوروبا قبل أن يتم إعادة توجيهه إلى دول الخليج.

ويعد الأردن أحد أبرز اللاعبين في مكافحة تجارة الكبتاغون، حيث يُعَد من أكثر البلدان التي تأثرت بهذه الظاهرة. على مدار السنوات الأخيرة، أبلغت السلطات الأردنية عن ضبط ملايين الحبوب المهربة عبر الحدود من سوريا.

كما تتخذ السعودية أيضًا  خطوات صارمة لمكافحة تجارة الكبتاغون على أراضيها، في وقت أظهرت فيه التقارير الأمنية أن هذه الحبوب غالبًا ما تجد طريقها عبر الحدود إلى الأسواق الخليجية حيث تُباع بأسعار باهظة، ما يحقق أرباحًا ضخمة للشبكات الإجرامية.

في الآونة الأخيرة، بدأ الاتحاد الأوروبي أيضًا في توجيه أنظاره إلى تجارة الكبتاغون، حيث أفاد تقرير صادر عن "مركز المراقبة الأوروبي للمخدرات والإدمان" بأن دول الاتحاد الأوروبي قد أصبحت بوابة رئيسية لعبور كميات كبيرة من الكبتاغون إلى منطقة الشرق الأوسط. 

في أوروبا، حيث تم مصادرة كميات ضخمة من الحبوب في مناسبات مختلفة، لا يحظى الكبتاجون بشعبية كبيرة. ويقول محققو المخدرات الإيطاليون والألمان إنهم فوجئوا إلى حد ما بالكميات التي تم العثور عليها في وقت مبكر، وتساءلوا عن وجهتها.

التحقيقات كشفت أن تحويل مسار المخدرات عبر أوروبا يشكل جزءاً من الخطة التي تهدف إلى خداع مسؤولي الجمارك في المملكة العربية السعودية ودبي. وبمجرد وصولها إلى أوروبا، يتم إعادة تعبئتها وإرسالها جنوباً إلى الخليج.

يُظهر ذلك أن صناعة الكبتاغون في سوريا لا تعد مجرد تجارة مخدرات بل جزءًا من منظومة اقتصادية سرية شاملة، كانت تعتبر هذه الصناعة أحد المصادر المهمة للتمويل غير الرسمي.

وفي أحدث التصريحات اللافتة، قال الوجه الأبرز في المعارضة السورية أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) -بعد سقوط النظام في 2024- إن "في عهد بشار الأسد أصبحت سوريا مصنعًا للكبتاغون"، وذلك في خطاب له من المسجد الأموي يوم الأحد.

ما مدى مسؤولية النظام السابق؟

ولاحقت اتهامات مختلفة النظام السابق بالضلوع في تلك التجارة، سلطت تقارير مختلفة الضوء عليها، بما فيها تقرير سابق لصحيفة دير شبيغل  الألمانية في يونيو/ حزيران 2022، خلص إلى أنه "يبدو أن نظام بشار الأسد متورط بشكل عميق في تجارة المخدرات الصناعية. وقد عثر المحققون الألمان على دليل على أن الرئيس السوري يمول حكمه بأموال المخدرات"، بحسب التقرير.

ونقلت الصحيفة في هذا السياق عن المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جوييل رايبورن، قوله إن نظام الأسد لن يستطيع البقاء بدون عائدات الكبتاغون، مشيرًا إلى أن الأسد وعائلته يتحكمون بشكل مباشر في هذه التجارة. كما ذكرت أسماء مجموعة ممن يعتقد بكونهم متورطين في هذه التجارة.

وكان مسؤولون حكوميون في النظام السابق قد صرحوا بأن البلاد ليست جزءًا من عمليات إنتاج الكبتاغون، وأرجعوا ذلك إلى وجود نشاطات خارج سيطرة الدولة في المناطق غير المستقرة. وانخرط مسؤولون سوريون في اجتماعات سابقة مع نظرائهم في المنطقة لمكافحة التهريب.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة