تطورات دراماتيكية متسارعة تشهدها سوريا على مدار الأيام القليلة الماضية، كانت واحدة من أقوى محطاتها هي إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، بعد حرب مزّقت البلاد منذ العام 2011، وبما يفتح الباب أمام مستقبل جديد لسوريا، تحدوه جملة من التحديات والصعوبات، وسط سيناريوهات مختلفة تفرض نفسها، سواء تلك المرتبطة بتأثيرات البيئة الداخلية وكذلك العوامل الخارجية وتشابكات الملف السوري المعقدة.
التطور الأبرز والأخطر في آن واحد بعد سقوط نظام بشار الأسد، تمثل في التحركات الإسرائيلية المريبة، والتي جاءت بعد أقل من 24 ساعة من مغادة الأسد البلاد وسيطرة فصائل المعارضة على زمام الأمور في دمشق وشروعها في التنظم للمرحلة الانتقالية.
شهدت الـ 24 ساعة الأولى -بنهاية يوم الأحد 8 ديسمبر/ كانون الأول- قيام إسرائيل بقصف 100 موقع في سوريا، بزعم أنها مستودعات أسلحة.
جاء ذلك بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، انهيار اتفاق "فض الاشتباك" للعام 1974 مع سوريا بشأن الجولان، وأمر جيشه بالسيطرة على المنطقة العازلة حيث تنتشر قوات الأمم المتحدة، وذلك عقب سقوط الرئيس بشار الأسد.
اقرأ أيضاً: ما هو اتفاق "فض الاشتباك" بين سوريا وإسرائيل؟
نتنياهو -الذي وصف سقوط الرئيس السوري بشار الأسد بأنه "يوم تاريخي" جاء بعد ضربات وجهتها إسرائيل لإيران وحزب الله في لبنان- أعلن في زيارة لمنطقة قرب الحدود مع سوريا، عن أنه أمر القوات الإسرائيلية بالسيطرة على مناطق في الجزء العازل لضمان أمن إسرائيل، وقال: "لن نسمح لأي قوة معادية بترسيخ نفسها على حدودنا".
وفي السياق نفسه، قال رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، إنه "بداية من هذه الليلة" سيقاتل الجيش الإسرائيلي داخل سوريا، وذلك خلال حديثه مع قواته الأحد 8 ديسمبر/ كانون الأول، موضحاً أن أن "الجيش الإسرائيلي يقاتل على جبهات غزة والضفة ولبنان.. وبدءاً من الليلة سيبدأ جبهة جديدة في سوريا"، في وقت تكثف فيه الآليات العسكرية الإسرائيلية تواجدها على الحدود مع سوريا، ومع نشر قوات في المنطقة العازلة منزوعة السلاح في جنوب غرب سوريا المتاخمة لمرتفعات الجولان.
فإلى أي مدى يُمكن أن تضيف تلك التحركات بعداً جديداً للصراع في ظل التحولات الناشئة التي تشهدها سوريا؟ وما هي أبرز السيناريوهات المحتملة؟
سيناريوهات التصعيد والمواجهة
في تحليله للمشهد، يقول عالم السياسة الأميركي، مارك ن. كاتز لـ CNBC عربية :"لا أعتقد بأن إسرائيل تتوقع إقامة علاقات جيدة مع قوات المعارضة (..) التي ستحل محل نظام الأسد، لكن الإسرائيليين سعداء؛ لأن هذه القوات ليست متحالفة مع إيران أو حزب الله بالطريقة التي كان عليها نظام الأسد".
وفيما كثفت إسرائيل من ضرباتها على سوريا خلال اليومين الماضيين، يقول كاتز من المجلس الأطلسي في واشنطن العاصمة: "لقد اتخذت إسرائيل عدة خطوات لضمان تدمير صواريخ إيران ومستودعات الأسلحة الكيميائية التابعة للأسد". ومع ذلك فإنه "في حين أن المعارضة السورية المسلحة لديها أولويات أعلى في الوقت الحالي من دعم القضية الفلسطينية، فقد يتغير ذلك إذا استمرت الهجمات الإسرائيلية"، في إشارة لسيناريو التصعيد المحتمل.
ويضيف أستاذ السياسة في جامعة جورج ميسون الأميركية: "إسرائيل و(المعارضة السورية المسلحة التي نجحت في الإطاحة بنظام الأسد) وقوى أخرى في سوريا لن تكون صديقة أبداً (لإسرائيل)، لكنها ليست مضطرة لأن تكون في حالة حرب معها كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل مع حماس وحزب الله وإيران".
ومن ثم "فعلى المعارضة السورية وإسرائيل أن يتصرفا بضبط نفس تجاه بعضهما البعض لتجنب حدوث ذلك (التصعيد أو الحرب)"، وفق كاتز.
تحدٍ إسرائيلي
وفي يوم الاثنين 9 ديسمبر/ كانون الأول، دافع رئيس الوزراء الإسرائيلي عن تحركات جيشه في سوريا -والذي بات على مسافة نحو ثلاثين كيلومتراً من العاصمة السورية دمشق، قائلاً في تصريحات للصحافيين خلال مؤتمر صحافي: "نتخذ جميع الإجراءات اللازمة للحفاظ على أمننا فيما يتعلق بالوضع الجديد في سوريا.. إسرائيل ستغير وجه الشرق الأوسط وتؤسس مكانتها بالمنطقة".
وقال مسؤولون إسرائيليون، الاثنين، إن إسرائيل ستكثف ضرباتها الجوية على مخازن الأسلحة المتطورة في سوريا وستبقي على وجود "محدود" لقواتها على الأرض بهدف القضاء على أي تهديد قد ينشأ عن الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن الجيش "سيدمر الأسلحة الاستراتيجية الثقيلة في أرجاء سوريا، بما يشمل صواريخ سطح جو وأنظمة الدفاع الجوي وصواريخ سطح سطح وصواريخ كروز والصواريخ بعيدة المدى".
خطر تفكك سوريا
وفي هذا السياق، يُحلل استاذ العلاقات الدولية الأميركي بكلية هاميلتون، آلان كفروني، لدى حديثه مع CNBC عربية تعقيدات المشهد الراهن، موضحاً أن اتفاق خفض وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في السابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني (في لبنان) شكَّلَ هزيمة ساحقة لحزب الله وضربة قوية ليس فقط لسوريا وإيران، بل وأيضاً لروسيا؛ فمع نجاح (فصائل المعارضة) بدعم من تركيا وبتشجيع محتمل من واشنطن في (السيطرة)، اغتنمت إسرائيل الفرصة للتوسع بشكل أكبر في المنطقة العازلة بين سوريا ومرتفعات الجولان المحتلة من قبل إسرائيل، فاستولت على أراض سورية كبيرة ومكنتها من تعطيل خطوط إمداد إيران لحزب الله.
وتشير التقارير إلى أن الجيش الإسرائيلي تقدم إلى مسافة ثلاثين كيلومتراً من دمشق. وتقصف القوات الأميركية بقايا تنظيم الدولة، ولكنها ستحتفظ على الأرجح بالسيطرة على حقول النفط والزراعة في وسط سوريا، وفق كفروني.
ومن المرجح -بحسب استاذ العلاقات الدولية- أن تفرض إسرائيل المزيد من الضغوط على إيران، التي أصبحت الآن محرومة من حليفيها الرئيسيين، حزب الله وروسيا. ومع إضعاف الدفاعات الجوية الإيرانية، فمن الممكن أن تغتنم إسرائيل هذه الفرصة لضرب المنشآت النووية الإيرانية بشكل مباشر.
"بيد أن هذه التطورات سوف تفرض تحديات جديدة على إسرائيل نفسها مع خطر تفكك سوريا إلى فصائل متنافسة وحرب أهلية، ربما تشبه ليبيا ما بعد القذافي"، كما يقول كفروني، والذي يضيف في معرض حديثه مع CNBC عربية: "رغم أن واشنطن تروج له باعتباره الزعيم الليبرالي الجديد في سوريا، فإن نوايا قائد (المعارضة السورية) أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، الذي كان مرتبطاً سابقاً بتنظيم القاعدة، غير متوقعة، خاصة في ضوء طبيعة تحالفه (..)".
إدانات.. وتبرير إسرائيلي
وصاحب تجاوز إسرائيل المنطقة العازلة إدانات إقليمية ودولية مختلفة، واجهتها إسرائيل بإبلاغ مجلس الأمن الدولي، يوم الاثنين، بأنها اتخذت "إجراءات محدودة ومؤقتة" في القطاع منزوع السلاح على الحدود مع سوريا لمواجهة أي تهديد، ولا سيما لسكان هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل، وفق الرواية الإسرائيلية.
وقال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي "مع ذلك، من المهم أن نؤكد أن إسرائيل لا تتدخل في الصراع الدائر بين الجماعات المسلحة السورية. عملياتنا تركز فقط على حماية أمننا"، مضيفاً أن إسرائيل ما زالت ملتزمة بإطار اتفاق فض الاشتباك المبرم في عام 1974.
مواصلة التصعيد
ويوم الاثنين، قصفت طائرات إسرائيلية ما لا يقل عن ثلاث قواعد جوية رئيسية للجيش السوري تضم عشرات الطائرات الهليكوبتر والطائرات الحربية في أكبر موجة من الضربات على القواعد الجوية منذ الإطاحة ببشار الأسد، بحسب ما نقلته رويترز عن مصدرين عسكريين.
وأضاف المصدران أن قاعدة القامشلي الجوية في شمال شرق سوريا وقاعدة شنشار في ريف حمص ومطار عقربا جنوب غربي العاصمة دمشق تعرضت جميعها للقصف. كما شنت إسرائيل عدة ضربات على مركز أبحاث على مشارف دمشق ومركز للحرب الإلكترونية بالقرب من منطقة السيدة زينب بالعاصمة.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي