خاص CNBC عربية.. المفكر السوري برهان غليون يقدم رؤية مستقبلية لمرحلة "ما بعد الأسد"

نشر
آخر تحديث
برهان غليون- AFP

استمع للمقال
Play

المفكر السوري برهان غليون، في حوارٍ مع CNBC عربية:

▪️ السوريون أمام لحظة فارقة، يتحررون من نصف قرن من الظلام إلى غابة تنتظرهم فيها وحوش ضارية!

▪️ يمكن ضمان انتقال المعارضة إلى قوى سياسية شرعية ومؤسساتية حقيقية.. هم لا يخفون أن جميع الفصائل سوف تحل في فترة لاحقة وتندمج في الجيش الوطني وتخضع للقيادة السياسية التي ستنجم عن تطبيق قرار 2254 معدلاً

▪️ النظام السياسي الأمثل لسوريا هو ذلك الذي يتفق عليه السوريون، ويضمن المساواة التامة بينهم، مع احترام اختلافاتهم وبناء علاقاتهم على أساس القانون المشترك

▪️ التجاوزات الإسرائيلية جزء من مساعي تجريد سوريا من السلاح ووضعها في موقف الضعف الاستراتيجي الكامل

▪️ رغبة -أميركية غربية- لتحييد دمشق استراتيجياً في توازنات الشرق الأوسط وإخراجها كلياً من الصراع القائم على الهيمنة الإقليمية وتمكين إسرائيل من تحقيق مشاريعها التوسعية

▪️ السوريون يتفهمون عجز الوضع السوري القائم عن الرد على مثل هذه الاعتداءات الإسرائيلية

▪️ التجاوزات الإسرائيلية.. معركة سياسية ودبلوماسية كبيرة تقع مسؤوليتها على النظام السوري الجديد وربما تتحول إلى معركة عسكرية ومقاومات وطنية شعبية

▪️ إلغاء التجنيد الإجباري "خسارة كبيرة".. وهذه هي محددات عوامل بناء جيش وطني قوي 


في لحظة فارقة من تاريخ سوريا المعاصر، تسدل البلاد الستار على نظام بشار الأسد وتدخل مرحلة جديدة من التحديات الكبرى والتطلعات العميقة، بينما تنتظرها طريق طويلة من إعادة البناء الوطني والتغلب على إرث الصراعات والانقسامات.

في هذه المرحلة الحساسة، تبرز أسئلة مصيرية تتعلق بهوية الدولة الجديدة وطبيعة النظام السياسي الذي يمكن أن يجمع شتات السوريين بعد سنوات من الحرب والدمار. وكيف يمكن تحقيق مصالحة وطنية شاملة دون التفريط بمبدأ العدالة؟ وما السبيل إلى بناء مؤسسات دولة حديثة وقادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي خلّفتها الحرب؟

في سياق التحولات الجذرية التي تشهدها سوريا، يأتي هذا الحوار مع المفكر السوري، برهان غليون،  حول مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث تواجه البلاد تحديات غير مسبوقة على الصعيدين الداخلي والخارجي. بين آمال إعادة البناء ومخاطر الانقسامات، وفيما تبرز أسئلة ملحّة حول طبيعة النظام السياسي المقبل، ودور القوى الوطنية في صياغة مستقبل جامع لكل الأطياف السورية.

في هذا الحوار، يستعرض غليون، وهو مدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس ورئيس المجلس الوطني السوري السابق، رؤيته لتحولات المشهد السوري، وما إذا كان السوريون قادرين على رسم مسارهم بعيداً عن التدخلات الخارجية. ويشرح كيف يمكن تحويل القوى المسلحة إلى مؤسسات سياسية شرعية؟ مفنداً في الوقت نفسه التحديات التي تعترض بناء دولة حديثة تحترم تطلعات المواطنين وتضمن الاستقرار في وجه تعقيدات الماضي.

كما يقدم غليون -الذي أثرى المكتبة العربية بسلسلة من المؤلفات والأعمال الفكرية التي تناولت هموماً عربية معاصرة، آخرها كتابه "سؤال المصير"-  رؤية نقدية عميقة لكيفية تفادي أخطاء الماضي والانطلاق نحو مستقبل أكثر استقراراً وعدالة.

▪️ في البداية، كيف تُقيم اللحظة الراهنة في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد؟ 

هي لحظة الخروج من تخبط في نفق مظلم دام نصف قرن إلى غابة مسكونة بالوحوش الضارية التي تنتظر خروج الفريسة لالتهامها!

▪️ عملياً: هل بوسع السوريين تقرير مصيرهم بأنفسهم هذه المرّة في ضوء المعطيات الراهنة وبعد أكثر من عقد من تحول البلاد لساحة حروب بالوكالة؟

يتوقف الأمر على سلوك "الوحوش" وقدرتنا نحن السوريين على تحييدها أو تدجينها، وهذا يستدعي أيضاً قدرتنا على الارتفاع فوق خلافاتنا والتفاهم فيما بيننا على رؤية واحدة ومشروع وطني يستجيب لتطلعات جميع الأفراد في العدالة والمساواة وجميع الطوائف والأقوام والفئات الاجتماعية بالأمن والسلام ويعزز الأمل والثقة في المستقبل.

▪️ بعد نجاح المعارضة المسلحة في السيطرة على الحكم.. وفي ضوء المعطيات الراهنة، هل يمكن ضمان انتقالها من فصائل عسكرية إلى قوى سياسية شرعية ومؤسساتية حقيقية، ومقبولة محلياً وإقليمياً ودولياً؟ وما أبرز التحديات التي تواجهها في تثبيت سلطتها؟

نعم. هذا ما يصرح به قادة الهيئة الحاكمة اليوم. فهم لا يخفون أن جميع الفصائل سوف تحل في فترة لاحقة وتندمج في الجيش الوطني وتخضع للقيادة السياسية التي ستنجم عن تطبيق قرار 2254 معدلاً.

هناك أخبار تشير إلى أن هناك مفاوضات مع قوات سورية الديمقراطية ذاتها لتندرج في الجيش السوري القادم مع بقية الفصائل. وهذا الاندماج هو الشرط الأول لإقامة دولة سورية جديدة موحدة وسلطة تستمد شرعيتها من الشعب وتخضع لمحاسبته وتكون بالتالي تداولية وديمقراطية قائمة على توزيع السلطات والصلاحيات، وتنهي إلى الأبد كما يتمنى السوريون، وكل شعب يعيش محنتهم، سلطة الفرد الذي يحتكر لنفسه جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والإعلامية والعسكرية وحتى الدينية كما كان عليه الحال في الحقبة السوداء الماضية.

لا يمكن لهذا أن يتحقق أيضا من دون العمل بموازاته على بناء المؤسسات الأخرى السياسية والقانونية والإعلامية والتعليمية والثقافية والاجتماعية، أي من دون التغلب على الشرذمة السياسية والاجتماعية وحتى الفكرية التي عرفها المجتمع السوري بسبب الحرب الابادية التي مارسها النظام المخلوع.

▪️ ما تصورك لشكل النظام السياسي "الأمثل" لسوريا في المرحلة المقبلة؟ 

النظام السياسي الأمثل هو النظام الذي يتفق عليه السوريون ويجمعون عليه، أي ما يستطيع أن يجمعهم ويوحد إرادتهم في ما وراء اختلافاتهم الطبيعية في المصالح والأفكار والانتماءات والتطلعات.

لا أرى نظاماً يمكن أن يجمع المختلفين والمتفرقين، كما هو حال كل المجتمعات، إلا النظام الذي يقوم على المساواة التامة في الحقوق والواجبات بين الجميع واحترام اعتقاداتهم واختلافاتهم وانتماءاتهم، وبناء العلاقات في ما بينهم على أساس القانون المنبثق عنهم والذي يختارونه بإرادتهم الحرة.



وهو الذي يشكل القاعدة الناجعة لبناء التفاهم بين أفراد المجتمع على مبادئ جوهرية أصبحت في عصرنا أساس أي اجتماع حديث، وهي -كما ذكرت- العدالة والمساواة والأخوة.. والنظم السياسية التي لا تأخذ بالاعتبار هذه المباديء تدين نفسها بالاخفاق ولا تساعد المجتمع على التحرر والتقدم ولا تدوم.

▪️وما رؤيتك لبناء مؤسسات الدولة في سوريا ما بعد الأسد؟

لا ينفصل بناء مؤسسات الدولة ومنها مؤسسة الجيش والإدارة المدنية والمؤسسات التشريعية والقضائية عن بناء النظام السياسي. فهي جزء منه وقائمة على المبادئ ذاتها.

وكما  أنه لا ينبغي علينا أن نرى في النظام الديمقراطي نموذجاً جاهزاً وناجزاً، وإنما حصيلة توافق المجتمع على تجسيد المبادئ الكبرى التي ذكرت سابقاً، لا ينبغي أن نفكر بأن هناك نماذج مثالية وجاهزة للمؤسسات الأخرى، قادرة على الرد على حاجات الشعوب وتقديم حلول ناجعة للتحديات التي تواجهها، يمكن إسقاطها ببساطة على المجتمعات ويمكن أن تطبق عليها بصرف النظر عن الأوضاع والسياقات التي تعيش فيها.

المؤسسات هي صناعة اجتماعية وتاريخية تبنى للرد على تحديات قائمة وتتغير مع الزمن وتغير المشاكل والتحديات التي تواجهها هذه المجتمعات، كما أنها تتطور وتنضج بمرور الوقت ونضوج التجربة الديمقراطية.

وقصدي من هذا أن بناء المؤسسات هو موضوع صراع أو كفاح بين أطراف ووجهات نظر مختلفة، أي معركة بحد ذاتها. وبالتالي على السوريين تجنب النظريات المجردة أو ارتداء لباس الآخرين الجاهز، وأن يعملوا، بالعكس من ذلك، على تفصيل نظمهم حسب ما يناسب اجتماعهم وظروفهم وما يساعد أكثر ما يمكن في التقريب بينهم وتوحيد كلمتهم وتطمين كل فرد على أنه جزء من كل متسق ومتضامن، وأن احترام حقوقه ليس منفصلاً عن احترام حقوق الآخرين، أي سلطة القانون الواحد والمطبق بطريقة واحدة على الجميع.

▪️ وكيف يمكن تحقيق التوازن بين المصالحة الوطنية وضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات؟

سوريا ليست الحالة الفريدة التي شهدت طغيان أنظمة فاشية راهنت على تفجير تناقضات المجتمعات وتمزيق نسيجها وإشعال النزاعات بين أطرافها لتحييدها وضمان السيطرة عليها وتدمير نسيجها الاجتماعي.

الحل كان دائماً من شقين: تطبيق مبدأ العدالة، أي عدم السماح بهرب المجرمين من العدالة، لكن في الوقت نفسه العمل على لأم الجراح بين الجماعات التي تلاعب بها نظام الطغيان. فالعدالة تعني أن الجريمة فردية وأن العقاب يوجه للأفراد من عسكريين وأمنيين ومدنيين ارتكبوها أو أعطوا الأوامر بارتكابها.. أما حل الحزازات والحساسيات التي فجرها النظام على مستوى العلاقات بين الجماعات والطوائف الاجتماعية فدواؤها المصالحة والاعتذار والصفح.

من دون ذلك لا يمكن إيجاد نهاية لأي حرب.. هذا ما حدث في جنوب أفريقيا وفي رواند وفي كل الصراعات الأهلية التي شاركت فيها قوى تنتمي إلى شعب واحد أو دولة واحدة، حتى تلك التي تفجرت في الدول العنصرية.

▪️مع تصاعد التجاوزات الإسرائيلية في الجولان.. كيف تقرأ المرحلة المقبلة في ضوء هذا التصعيد، وأبرز السيناريوهات القائمة وتداعياتها على الوضع في سوريا؟

 لا أعتقد بأن إسرائيل تفعل ذلك من دون موافقة من الولايات المتحدة الأميركية وربما الدول الغربية عموماً بهدف تجريد سوريا من السلاح ووضعها في موقف الضعف الاستراتيجي الكامل بحيث يمكن تحييدها استراتيجياً في توازنات الشرق الأوسط وإخراجها كلياً من الصراع القائم على الهيمنة الإقليمية، وتمكين إسرائيل من تحقيق مشاريعها التوسعية والاستيطانية على حساب الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى.

 ▪️ وما تقييمك لتصريحات "القائمين على الحكم الآن في سوريا" إزاء تلك التجاوزات وردات فعلهم؟

السوريون يتفهمون عجز الوضع السوري القائم عن الرد على مثل هذه الاعتداءات، ويقدرون الموقف الواضح والقوي الذي اتخذته دول الجامعة العربية للتنديد بهذا العدوان والتأكيد على حقوق سوريا في السيادة على أراضيها وإخراج جيش الاحتلال منها.

اقرأ أيضاً: الشرع: ملتزمون باتفاقية  1974 ولن أسمح باستخدام سوريا كنقطة انطلاق لهجمات ضد إسرائيل

هذه بالتأكيد معركة سياسية ودبلوماسية كبيرة تقع اليوم مسؤوليتها على النظام الجديد وربما تتحول إلى معركة عسكرية ومقاومات وطنية شعبية.

▪️ ما رؤيتك لـ "بناء الجيش السوري" وفرص استعادة الأجهزة الأمنية في المرحلة المقبلة؟ 

لا أعتقد بأن هناك مشكلة في إعادة بناء الجيش السوري وكذلك إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بالتعاون بين المجتمع الدولي والسلطة الحاكمة الآن في دمشق، وبالخصوص بالدعم الذي تقدمه المجموعة العربية وتأكيدها على التزامها بدعم سوريا الجديدة.

▪️ في هذا السياق، كيف قرأت تصريح أحمد الشرع (القائد العام لإدارة العمليات العسكرية في سوريا) بشأن إلغاء التجنيد الإجباري؟

بخصوص إلغاء التجنيد الإجباري فأنا أرى فيه خسارة كبيرة؛ لأن للخدمة العسكرية إذا كانت خدمة وطنية فعلاً، وليس كما ساد في السابق تحويل الجنود إلى عمال سخرة لدى الضباط الكبار أو المسؤوليين السياسيين، وظائف كبيرة ومهمة في بناء الأمة سواء من خلال ما تمثله من فرص لإشراك الأفراد الشباب في إنجاز مهمات وطنية عامة واستبطانهم قيم  المسؤولية العمومية والدفاع عن الأرض والبلاد أو من حيث هي فرصة استثنائية لتسهيل التواصل بين الشباب المنتمين الى مناطق وطوائف وثقافات محلية متنوعة وتمتين علاقات الصداقة ووشائج القربى فيما بينهم وانصهارهم في بوتقة الوطنية الواحدة.

يصلح نظام الجيوش المحترفة لدول تقدمت كثيراً في بناء نسيجها الوطني، أما في بلاد فتية سياسياً ومتعددة المذاهب ومترامية الأطراف مثل سوريا فهو يحرم المجتمع من إطار خصب لتدوال الأفكار وتبادل المشاعر أيضاً ويقلل من فرص تطور الروح الوطنية الجامعة.



▪️ هل تعتقد بأن المشهد الراهن يعطي "التنظيمات الإرهابية- على رأسها داعش" مساحة لإعادة التموضع في بيئة يغلفها الغموض؟ 

انا من الذين يعتقدون بأن قصة داعش بأكملها هي صناعة سياسية استخدمت من قبل العديد من الدول لزعزعة استقرار بلدان المنطقة خاصة بلدان الهلال الخصيب وليس لها أي حظ من التطور والتوسع بل ربما من الوجود من دون ذلك.

ولا يعني هذا أنه لا توجد منظمات متطرفة في المنطقة كما هو الحال في كل القارات والمناطق وقادرة على القيام بأعمال إجرامية، لكن ما أعنيه هو أن هذه المنظمات ما كانت ستتحول إلى الخطر الذي شهدناه وتدعي أو تحلم ببناء دول أو السيطرة عليها أو القيام بالأعمال والمذابح الشائنة التي قامت بها لو لم تجد مستخدما كبيرا لها من قبل الحكومات الإقليمية أو حتى الدولية. 
بالإضافة إلى ذلك، هناك من يتمسك بقضية محاربة الإرهاب لتحقيق مصالح خاصة أو التدخل في شؤون الدول، ومنها سوريا.

▪️ وما هي الضمانات/ أو الإجراءات المطلوبة للحيلولة دون حدوث ذلك؟

الضمانات الحقيقية ضد ظهور التطرف والإرهاب  هي إخراج المجتمعات من حالة البؤس المادي والسياسي والروحي التي فرضت عليها، وبناء التعاون الإقليمي بين دول المنطقة الأمني والاقتصادي والثقافي، بدل تفجير الحروب وتبني بعضها سياسات الهيمنة والسيطرة السياسية والاقتصادية، بالاضافة الى توسيع دائرة التعاون بين دول المنطقة والمجتمع الدولي الذي أصبح أكثر وعياً وانخراطا في الصراع ضد التطرف والإرهاب.

اقرأ أيضاً: سوريا/ عن التجاوزات الإسرائيلية والأزمة الاقتصادية وخطط المستقبل.. ماذا قال "الشرع" في أحدث تصريحاته؟

وهو ما يستدعي أيضاً توقف الدول الغربية عن الكيل بمكيالين في موضوع الإرهاب وترك الحبل على غاربه للحكومة الاسرائيلية عندما يتعلق الأمر بمصير الشعب الفلسطيني أو الشعب السوري أو الشعوب العربية الأخرى. فمن يقتل البريء اليوم لإرهاب المذنب أو الفاعل في الشرق الأوسط، ويكفي لإدراك ذلك النظر إلى ما جرى ولا يزال يجري في غزة، هو من دون أي شك ليس بقايا داعش المهزومة ولكن من يرى فيه الغرب ويرى نفسه على أنه قلعة الحضارة والمدنية الغربية.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة