مع اقتراب العام 2025، تبرز تساؤلات ملحّة حول قدرة النظام الدولي على إنهاء الحروب والنزاعات التي تهدد استقرار العالم، فقد شهد العالم في الأعوام الماضية تصاعدًا في الأزمات، أبرزها الحرب في أوكرانيا والنزاع المستمر في الشرق الأوسط وتطوراته الفاصلة في العام 2024، إلى جانب توترات أخرى في إفريقيا وآسيا. فهل يكون 2025 عاماً لإطفاء الحرائق والاتجاه نحو تسويات شاملة؟
لا تزال الحرب في أوكرانيا تمثل اختباراً حاسمًا للنظام الدولي؛ ففي الوقت الذي تتكبد فيه الأطراف خسائر فادحة على الأرض، تزداد الضغوط السياسية والاقتصادية على روسيا وأوكرانيا والداعمين الدوليين.
ومع تراجع احتمالات الحسم العسكري لأي طرف، قد يصبح الحل السياسي ضرورة لا مفر منها في 2025، ذلك أن المبادرات الدبلوماسية التي تقودها دول مختلفة قد تكون المفتاح لإنهاء هذا النزاع، وسط سيناريوهات تصعيد كارثية.
فيما تشكل الأزمات في الشرق الأوسط، من الحرب في غزة إلى الصراع في اليمن والفصل الجديد في سوريا والتطورات في لبنان وإيران والحروب الإسرائيلية في المنطقة، تحدياً كبيراً للاستقرار الإقليمي.
كذلك القارة الإفريقية شهدت استمراراً للنزاعات، خاصة في السودان وإثيوبيا. ورغم تعقد هذه الصراعات، فإن هناك جهوداً متزايدة من الاتحاد الإفريقي وشركاء دوليين لإيجاد حلول سلمية. فهل يكون العام 2025 نقطة تحول نحو التهدئة في إفريقيا؟
ولا يمكن فصل الصراعات العالمية عن المصالح الجيوسياسية والاقتصادية للقوى الكبرى. ففي كثير من الحالات، تُستغل النزاعات لتعزيز النفوذ. لكن، مع تصاعد الكلفة البشرية والاقتصادية، قد تُجبر الأطراف على التخلي عن سياسات التصعيد لصالح حلول سياسية.
ويبقى العام 2025 محطة اختبار لإرادة العالم في إنهاء الحروب وإطفاء الحرائق التي أشعلت لعقود. فالرهان على التسويات السياسية هو السبيل الوحيد لتجنب المزيد من الانهيار والسيناريوهات الكارثية، مع تحقيق قدر من الاستقرار الذي يفتح المجال أمام التنمية.
بحسب منظمة unfoundation، فإن المفاوضات لحل الصراعات الأكثر إلحاحاً في العالم من المتوقع أن تستمر في العام 2025. وستظل الحروب في غزة والسودان وأوكرانيا، فضلاً عن التطورات الأخيرة في سوريا ــ وكل منها يحمل عواقب جيوسياسية وإنسانية خطيرة ــ تشكل محوراً لأجندات السلام والأمن العالمية.
ويقول المدير التنفيذي للسياسة العالمية والمبادرات المتعددة الأطراف، جورج هامبتون: "إن هذه ليست مجرد مآسي إنسانية مروعة، بل إنها تفرقنا بشكل أساسي. والأمل هو أن تدخل هذه الصراعات في عام 2025 مرحلة جديدة من الحل وإعادة البناء".
في حين يركز المجتمع الدولي حاليا على تأمين وقف إطلاق النار، فإن نهاية هذه الحروب لن تكون سوى بداية الطريق إلى تشكيل مستقبل سلمي. كما أن إعادة البناء بعد هذا العنف المطول والدمار والصدمة المجتمعية تتطلب قدرا كبيرا من التخطيط والتعاون والموارد. وسوف تلعب الأمم المتحدة دورا محوريا في كل منعطف.
وبينما كان العالم يشاهد السقوط المذهل للنظام السوري الذي حكم البلاد لفترة طويلة في الشهر الأخير من عام 2024، كان السؤال المباشر هو: ماذا سيحدث الآن؟
اقرأ أيضاً: سوريا ما بعد الأسد.. ملامح الفترة الانتقالية والخطط المستقبلية
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان بشأن الوضع الجديد في البلاد: "سنحتاج إلى دعم المجتمع الدولي لضمان أن يكون أي انتقال سياسي شاملاً ويلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري بكل تنوعه". وأعرب عن التزامه بمساعدة السوريين في بناء بلد حيث "المصالحة والعدالة والحرية والازدهار هي حقائق مشتركة للجميع" في رحلة السلام المستدام.
وفي الوقت نفسه، فإن الصراعات المستمرة منذ فترة طويلة وعدم الاستقرار في هايتي وميانمار واليمن قد أودت بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص في عام 2024 دون نهاية في الأفق ومع قلة الموارد الحقيقية أو الدعم الدولي لتحقيق السلام.
واستعرض تقرير لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، مجموعة من السيناريوهات المحتملة في العام 202 لجهة مجموعة من الصراعات القائمة؛ في مقدمتها الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.
يستهل التقرير حديثه عن المنطقة بالإشارة إلى التساؤلات التي ترتبط بالمشهد السوري، والتي يتحدد بناءً عليها الكثير من السيناريوهات؛ فهل تنجح سوريا ما بعد الأسد في توحيد جماعات المعارضة المتفرقة؟ أم أنها ستظل دولة فاشلة؟
مصير سوريا لن يحدد مستقبل 23 مليون نسمة فحسب، بل سيخلف أيضاً تأثيراً كبيراً على جيرانها المباشرين: تركيا والعراق والأردن ولبنان وإسرائيل.
أما بالنسبة لإيران، فهل يكون عام 2025 هو العام الذي تسابق فيه البلاد لتطوير قدرة نووية فعلية؟ من ناحية، تميل طهران في أوقات الأزمات مثل الوقت الحاضر إلى تجنب الاستفزازات، ولهذا السبب قد تسعى إلى التفاوض مع الولايات المتحدة، وخاصة قبل أن تعود العقوبات الأوروبية. ومن ناحية أخرى، ونظراً لأن إيران شهدت تدهور وكلائها الرئيسيين (حماس وحزب الله)، وخسارة الدولة العميلة الرئيسية (سوريا)، وضعف قدراتها الصاروخية (ضد دفاعات إسرائيل والولايات المتحدة وشركاء آخرين)، وتدمير دفاعاتها الجوية (بسبب الضربات الإسرائيلية الأخيرة)، فقد يكون النظام أكثر حافزاً من أي وقت مضى لتطوير الردع النهائي.
ويبرز التقرير الوضع بالنسبة لإسرائيل، ذلك أن زعماء إسرائيل يشعرون بالثقة بعد تحديهم للدعوات الخارجية بإنهاء الحرب في غزة وتهدئة الصراعات بين بلادهم وإيران وحزب الله. وربما يقررون في حالة من النشوة والجرأة أن هذا هو العام المناسب لضرب البرنامج النووي الإيراني وإعادته إلى الوراء سنوات (ضمن أكثر السيناريوهات خطورة).
في منطقة أخرى، وتحديداً في شرق أوروبا.. ماذا يحمل لنا العام العام 2025 بالنسبة للحرب في أوكرانيا؟
في هذا السياق، يشير رئيس مجلس العلاقات الخارجية، مايكل فورمان، إلى وعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، بإنهاء الصراع في أوكرانيا، بينما تظل أن الرؤى الأوكرانية والروسية للتسوية تختلف اختلافا كبيرا، ولم يبد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اهتماما يذكر بالمفاوضات الجادة.
اقرأ أيضاً: الخط الزمني لأبرز أحداث الحرب الروسية الأوكرانية
ولكن بدلاً من أن تنتهي، فقد يتصاعد الصراع في العام 2025؛ ففي هذا الأسبوع، اغتال عميل أوكراني جنرالاً روسياً رفيع المستوى في موسكو، وفي وقت سابق، هدد بوتين باستهداف "مراكز صنع القرار" في كييف بصاروخ باليستي جديد.
على مدار العام المقبل، من المرجح -بحسب التقرير- أن يواجه بوتين مشاكل داخلية متزايدة. فقد توقع البنك المركزي الروسي نمواً اقتصادياً يتراوح بين 0.5 و1.5% في العام 2025، انخفاضاً من 3.5 إلى 4% في عام 2024، مما يشير إلى أن طفرة زمن الحرب ربما وصلت إلى نهايتها.
ويضيف فورمان: "السؤال ذو الصلة هنا هو إلى أي مدى قد تكون الصين مستعدة للذهاب في دعم شريكتها "التي لا حدود لها"، روسيا؟"، موضحاً أن الرئيس الصيني شي جين بينغ لم يُظهِر أي استنكار ظاهري للحرب في اوكرانيا ، ـ بل على العكس من ذلك، تزود الصين روسيا بالتكنولوجيا العسكرية الحيوية والدعم ــ ولكن عام 2025 قد يكون العام الذي نبدأ فيه برؤية بصيص من الضوء بين القوتين التعديليتين، حيث تحاول كل منهما إبرام صفقات مع ترامب وتصبح القيود المفروضة على تحالفهما أكثر وضوحا.
فيما لا تزال الصين منشغلة بتايوان. ففي الأسبوع الماضي، أجرت الصين أكبر مناورات عسكرية بحرية لها منذ عقود. وشاركت في هذه المناورات ما يقرب من تسعين سفينة، ويبدو أن الهدف منها هو إرسال رسالة مفادها أن بكين تمتلك القدرة على حصار الجزيرة ومنع حلفاء الولايات المتحدة من القدوم لإنقاذها.
وبحسب التحليل، فإن عودة ترامب تشكل فرصة لتايوان. فمن ناحية، وعد الرئيس المنتخب بتعزيز المنافسة بين الولايات المتحدة وبكين. ومن ناحية أخرى، يبدو أنه لا يكن أي انجذاب للجزيرة الديمقراطية وانتقد نجاحها في التحول إلى قوة عظمى في مجال أشباه الموصلات، على حساب الولايات المتحدة، في رأيه. وتحدث الرئيس جو بايدن عن الدفاع عن تايوان في سياق الغزو الصيني؛ واقترح ترامب أنه قد يفرض رسوما جمركية على الصين بدلا من ذلك.
اقرأ أيضاً: هل تعيد ولاية ترامب الثانية الحرب التجارية مع الصين؟
وفي مكانٍ آخر، فإن أكبر أزمة إنسانية في العالم في الوقت الحالي هي الحرب في السودان، والتي اندلعت منذ ربيع عام 2023. ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة في العام 2025، مع استمرار القوى الخارجية في التدخل في الصراع.
وفي أماكن أخرى من القارة السمراء، سيكون من المفيد مراقبة الصراع المتصاعد بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، والتمرد المزمن في شمال نيجيريا، ورئاسة جنوب أفريقيا لمجموعة العشرين، والانتخابات المتقلبة المحتملة المتوقعة في عام 2025 في كوت ديفوار وتنزانيا والكاميرون.
كذلك تستعد دول أميركا اللاتينية، التي تكافح بالفعل لاستيعاب عشرين مليون مهاجر نازح قسراً، لخروج جديد من فنزويلا مع تمسك نيكولاس مادورو بالرئاسة في تحد لنتائج انتخابات عام 2024.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي