قرر البنك المركزي المصري، خلال اجتماعه يوم الخميس 26 ديسمبر/ كانون الأول، الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير للمرة السادسة على التوالي عند مستويات 27.25% للإيداع، و28.25% للإقراض.
وجاء القرار وفقاً للتوقعات على نطاق واسع بتثبيت أسعار الفائدة خلال آخر اجتماعات البنك هذا العام في ظل المستويات المرتفعة لمعدلات التضخم.
كما قرر البنك، خلال الاجتماع، تمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة إلى الربع الرابع من العام 2026 (بدلاً من 2024) عند 7% (± 2 نقطة مئوية)، وإلى الربع الرابع من العام 2028 (بدلاً من 2026) عند 5% (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط، وذلك اتساقاً مع التقدم التدريجي للبنك المركزي نحو اعتماد إطار متكامل لاستهداف التضخم.
كان استطلاع أجرته CNBC عربية ونشرته يوم الأحد الماضي، كشف عن إجماع بين المحللين والخبراء المشاركين فيه على توقع قرار البنك بالإبقاء على معدلات الفائدة عند مستوياتها الحالية، بحسب معدلات التضخم.
ورغم تباطؤ معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية إلى 25.5% في نوفمبر/ تشرين الثاني من 26.5% في أكتوبر تشرين الأول، فإنه لا يزال عند مستويات مرتفعة.
اقرأ أيضاً: التضخم في مصر يتراجع إلى 25.5% خلال نوفمبر
ويأتي هذا القرار تزامناً مع إعلان بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، في بيان أصدرته يوم الثلاثاء، تأكيد البنك المركزي التزامه بالحفاظ على ظروف نقدية مشددة للحد من الضغوط التضخمية، ومواصلة تحديث عملياته بهدف الانتقال تدريجياً نحو نظام استهداف التضخم الكامل.
وقال البنك المركزي إن لجنة السياسة النقدية رأت أنه من المناسب تمديد الأفق الزمني لمستهدفات التضخم من أجل إتاحة مجال لاستيعاب صدمات الأسعار دون الحاجة للمزيد من التشديد النقدي، وبالتالي تجنب حدوث تباطؤ حاد في النشاط الاقتصادي.
لماذا ثبت البنك أسعار الفائدة؟
ذكر البنك أن لجنة السياسة النقدية تعتقد أن الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير يعد ملائماً حتى يتحقق انخفاض ملحوظ ومستدام في معدل التضخم، بما يؤدي إلى ترسيخ التوقعات وتحقيق معدلات التضخم المستهدفة.
وأوضح أن اللجنة ستتخذ قراراتها بشأن مدة التشديد النقدي ومدى حدته على أساس كل اجتماع على حدة، مع التأكيد على أن هذه القرارات تعتمد على التوقعات والمخاطر المحيطة بها وما يستجد من بيانات.
وأضاف: "سوف تواصل اللجنة مراقبة التطورات الاقتصادية والمالية عن كثب وتقييم آثارها المحتملة على المؤشرات الاقتصادية، ولن تتردد في استخدام كل الأدوات المتاحة للوصول بالتضخم إلى معدلاته المستهدفة من خلال الحد من الضغوط التضخمية من جانب الطلب واحتواء الآثار الثانوية لصدمات العرض".
التطورات على الصعيد العالمي
قال البنك المركزي إنه فيما يتعلق بالتطورات الأخيرة على الصعيد العالمي والتي أسهمت في قراره، واصلت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة والناشئة خفض أسعار العائد تدريجياً في ضوء استمرار تراجع معدلات التضخم، مع الإبقاء على سياسات التشديد النقدي، إذ إن معدلات التضخم المحققة لا تزال تتجاوز المستويات المستهدفة.
اقرأ أيضاً: بعد صدمة الأسواق.. ماذا تعني توقعات الاحتياطي الفدرالي بالنسبة للبنوك المركزية العالمية؟
وأضاف أن معدل النمو الاقتصادي في تلك الدول يتسم باستقراره إلى حد كبير، وتشير التوقعات إلى أنه سوف يستمر عند مستوياته الحالية، وإن كان لا يزال أقل من مستويات ما قبل جائحة كورونا. ومع ذلك، تظل توقعات النمو عُرضة لبعض المخاطر ومنها التأثير السلبي للتشديد النقدي على النشاط الاقتصادي، والتوترات الجيوسياسية، واحتمالية عودة السياسات التجارية الحمائية.
وأشار البنك إلى أن الأسعار العالمية للسلع الأساسية شهدت تقلبات طفيفة خلال الفترة الأخيرة، وتشير التوقعات بتراجع محتمل في أسعارها، وخاصة منتجات الطاقة. ومع ذلك، لا تزال المخاطر الصعودية تحيط بمسار التضخم، بما في ذلك اضطرابات التجارة العالمية والتأثير السلبي لأحوال الطقس على الإنتاج الزراعي.
التطورات المحلية
على الصعيد المحلي، قال البنك المركزي إن المؤشرات الأولية للربعين الثالث والرابع من العام 2024 تفيد باستمرارية تعافي النشاط الاقتصادي، مع تسارع وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مقارنة بالربع الثاني من نفس العام.
ومع ذلك، يظل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أقل من طاقته القصوى، مما يدعم التراجع المتوقع في التضخم خلال العام 2025، ومن المتوقع أن يحقق الناتج المحلي طاقته القصوى بنهاية السنة المالية 2025-2026. بينما لا تزال الضغوط التضخمية الناتجة عن زيادات الأجور محدودة في ظل ضعف معدل النمو الحقيقي للأجور، بحسب بيان البنك.
اقرأ أيضاً: توقعات البنك الدولي لمعدلات النمو الاقتصادي في أبرز الدول العربية
وذكر البنك أنه على الرغم من استقرار المعدل السنوي للتضخم العام خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فقد انخفض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 إلى 25.5% نتيجة تراجع أسعار المواد الغذائية، إذ سجلت أسعار المواد الغذائية الأساسية والخضروات الطازجة أقل معدل تضخم سنوي لها فيما يقرب من عامين عند 24.6% خلال نوفمبر 2024.
في المقابل ارتفعت الأسعار المحددة إدارياً للسلع غير الغذائية، بما في ذلك منتجات الوقود والنقل البري ومنتجات التبغ، بما يتسق مع إستراتيجية زيادة الإيرادات التي تهدف إلى الحد من العجز المالي. وعليه، انخفض المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 23.7% في نوفمبر 2024 مقابل 24.4% في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وفق ما قاله البنك المركزي.
وأضاف البنك أن هذه النتائج، جنبا إلى جنب مع تحسن توقعات التضخم وعودة معدلات التضخم الشهرية إلى نمطها المعتاد، تشير إلى أن التضخم سوف يواصل مساره النزولي.
لماذا لم يحقق البنك المركزي مستهدفه للتضخم؟
قال البنك المركزي: "بعد عامين من الارتفاع الحاد في معدلات التضخم عالمياً، بدأ التضخم في الاقتصادات المتقدمة والناشئة في التراجع، وإن كان لا يزال أعلى من معدلاته المستهدفة. وبالمثل، بدأ معدل التضخم العام في مصر في التراجع خلال الآونة الأخيرة، ومن المتوقع أن يسجل حوالي 26% في الربع الرابع من العام 2024 في المتوسط، متخطياً بذلك المعدل المستهدف للبنك المركزي البالغ 7% (± 2 نقطة مئوية)".
وأرجع البنك المركزي تخطي التضخم لمستهدفه بفارق كبير إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية المحلية والعالمية خلال الفترة 2022-2024، من بينها تراكم الاختلالات الخارجية نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية خلال العام 2021، والتضخم المستورد، وتخارج استثمارات حافظة الأوراق المالية عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/ شباط 2022، بحسب البيان.
وأشار البنك إلى أن من بين تلك العوامل أيضاً صدمات العرض المحلية وعدم ترسيخ توقعات التضخم، بالإضافة إلى إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة بهدف التشديد المالي ووضع الدين على مسار نزولي. وأدت هذه التطورات مع تحركات سعر الصرف إلى تخطي التضخم معدله المستهدف، إذ بلغ المعدل السنوي للتضخم العام ذروته عند 38% في سبتمبر/ أيلول 2023 قبل انخفاضه إلى 25.5% في نوفمبر 2024، بحسب البيان.
متى يتراجع التضخم بشكل ملحوظ؟
وذكر البنك المركزي إنه بدءاً من مارس/ آذار 2024، اتخذ عدداً من الإجراءات التصحيحية بهدف استعادة استقرار الاقتصاد الكلي، مما أدى إلى احتواء الضغوط التضخمية وخفض التضخم العام. ومن أبرز هذه الإجراءات السياسة النقدية التقييدية، وتوحيد سوق الصرف الأجنبي مما ساعد على ترسيخ توقعات التضخم، وجذب المزيد من تدفقات النقد الأجنبي.
وقال إنه رغم تلك التطورات، تتضمن المخاطر المحيطة بالتضخم احتمالات تفاقم التوترات الجيوسياسية وعودة السياسات الحمائية وزيادة تأثير إجراءات ضبط المالية العامة. وتشير التوقعات إلى أن التضخم سينخفض بشكل ملحوظ بدءاً من الربع الأول من عام 2025 مع تحقق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس، وسوف يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من العام 2026.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي