مع تزايد التواصل الغربي.. هل ترفع أوروبا وأميركا العقوبات على سوريا قريباً؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

تتوالى الزيارات من المسؤولين الغربيين على العاصمة السورية دمشق، من أجل إجراء محادثات مع الإدارة الجديدة التي تولت السلطة في البلاد بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، ومعرفة توجهات تلك الإدارة وماذا سيحدث خلال الفترة الانتقالية من أجل إرساء نظام جديد منتخب من قبل الشعب السوري.

ومع توالي تلك الزيارات، تتفتح أبواب الأمل في الأوساط الاقتصادية والسياسية السورية بشأن رفع سريع للعقوبات التي كانت فرضتها الحكومات والمؤسسات الغربية على الحكومة السورية ورموز النظام السابق في البلاد، مما يمهد الطريق أمام تعافٍ اقتصادي مع استقرار الأوضاع المنتظر خلال المرحلة المقبلة.

زيارة وزيري خارجية فرنسا وألمانيا

في أول زيارة لوزير أوروبي إلى دمشق بعد سقوط نظام الأسد، عقدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، ونظيرها الفرنسي جان نويل بارو لقاءً مع القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، يوم الجمعة الثالث من يناير/ كانون الثاني، وذلك كممثلين عن الاتحاد الأوروبي.

تهدف تلك الزيارة إلى توصيل رسالة تفاؤل حذر بشأن الإدارة الجديدة للبلاد وإظهار الانفتاح على الاعتراف بها وسط ترقب لما ستسفر عنه المرحلة المقبلة من إجراءات وقرارات قد تؤدي إلى تحسين تلك العلاقة بين الجانبين أو إعادتها إلى الخلف، في ظل آمال سورية بأن تنتهي تلك المناقشات إلى رفع العقوبات عن البلاد أو حتى رسم خريطة طريق للوصول إلى ذلك.

ماذا قالت وزيرة الخارجية الألمانية عن رفع العقوبات؟

قالت وزيرة الخارجية الألمانية بعد لقائها مع الشرع، إن رفع العقوبات عن سوريا "يعتمد على العملية السياسية"، مؤكدةً ضرورة مشاركة كل المكونات السورية في إعادة بناء الدولة.

كما ذكرت أن أوروبا لن تقدم تمويلات لإنشاء هياكل إسلامية جديدة في سوريا، لكنها ستدعم البلاد.


اقرأ أيضاً: ماذا قالت وزيرة الخارجية الألمانية بشأن رفع العقوبات عن سوريا؟


من جانبه، تجاهل وزير الخارجية الفرنسي سؤالاً عن التوقيت المحتمل لرفع الاتحاد الأوروبي العقوبات عن سوريا.

وفي سياق متصل، قالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، في وقت سابق من شهر ديسمبر/ كانون الثاني، إن التكتل لن يرفع العقوبات المفروضة على سوريا، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، إلا إذا ضمن حكامها الجدد عدم اضطهاد الأقليات وحماية حقوق المرأة تحت مظلة حكومة موحدة تنبذ التطرف الديني.

وأضافت أن "إحدى القضايا المطروحة هي ما إذا كنا نستطيع في المستقبل النظر في تعديل نظام العقوبات، لكن هذا الأمر ليس ضمن جدول الأعمال في الوقت الراهن، وإنما قد يصبح محط نقاش في وقت لاحق عندما نرى خطوات إيجابية"، بحسب وكالة رويترز.

وبينما تفرض العقوبات الغربية على النظام السوري السابق منذ عقود، والتي تصاعدت وتيرتها مع اندلاع الأزمة السياسية بالبلاد خلال العام 2011، فإن معضلة أخرى تواجه سوريا ما بعد الأسد تتعلق بالإدارة الجديدة المفروض على جهات مرتبطة بها عقوبات أيضاً، خاصة "جبهة تحرير الشام".

ولم تكن تلك الزيارة حادثة التواصل الأولى بين مسؤولين أوروبيين والإدارة الجديدة في سوريا، حيث التقى رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، مايكل أونماخت، منذ أيام مع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني. كما التقى وفد ألماني برئاسة مفوض البلاد للشرق الأوسط، توبياس تونكل، مع الشرع في ديسمبر.

عقوبات الاتحاد الأوروبي

وبينما شارك الاتحاد الأوروبي في تنفيذ العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة في العام 2005 بشأن حظر سفر وتجميد أصول تابعة لأشخاص مشتبه في تورطهم في تفجير 14 فبراير/ شباط في بيروت بلبنان، بدأ التكتل في فرض عقوباته الخاصة منذ اندلاع الأزمة السورية خلال العام 2011، رداً على "القمع العنيف الذي مارسته الحكومة السورية (في ذلك الوقت) ضد المدنيين".

يحدد الاتحاد الأوروبي الأشخاص المفروض عليهم العقوبات، الذين هم من كبار رجال الأعمال من رموز النظام السابق في سوريا؛ بأنهم المسؤولين عن "القمع العنيف" الذي مارسه النظام السوري ضد السكان المدنيين؛ وتقديم الدعم للنظام والجيش السوري؛ والاستفادة من النظام السوري؛ وتقديم المساعدة في إنتاج وتطوير الأسلحة الكيميائية للنظام السوري؛ وتنظيم هجمات الأسلحة الكيميائية، إلى جانب كبار الضباط في القوات المسلحة السورية في عهد النظام السابق، وأجهزة الأمن والمخابرات السورية؛ وأعضاء الميليشيات التابعة لنظام الأسد.


اقرأ أيضاً: العقوبات المفروضة على سوريا.. إرث ثقيل وأسئلة مفتوحة بعد سقوط النظام


فرض الاتحاد الأوروبي في شهر سبتمبر/ أيلول 2011، حظراً على قطاع النفط السوري، مما زاد من الضغوط الاقتصادية على النظام. ووسع في مطلع العام 2012، نطاق عقوباته لتشمل قطاعات الطاقة والأسلحة والتمويل، فضلاً عن قطاع التعدين. وفي يونيو/ حزيران من نفس العام، انضمت دول أوروبية إلى العقوبات التي فرضها الاتحاد، مما عزز من تأثيرها الدولي.

كما فرض الاتحاد حظراً على تجارة السلع الفاخرة مع سوريا، بالإضافة إلى تعزيز القيود على القطاعات الأمنية وتكنولوجيا الاتصالات. إلى جانب تجميد أصول 120 شخصية ومؤسسة سورية، بما في ذلك الرئيس السابق بشار الأسد والبنك المركزي السوري، ومنعهم من السفر إلى دول التكتل.

وبعد ذلك أعلن الاتحاد الأوروبي في مارس، آذار 2021 أن العقوبات ستظل قائمة إلى حين حدوث تحول سياسي في سوريا. وفي مايو/ آيار 2022، مدّد الاتحاد هذه العقوبات لعام إضافي.

عقوبات أميركية 

يعود تاريخ العقوبات الأميركية على سوريا إلى نحو 45 عاماً، مع إدراج الدولة العربية إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ ديسمبر/ كانون الأول 1979، مما أدى إلى حظر الصادرات والمبيعات الدفاعية؛ وفرض بعض الضوابط على صادرات المواد ذات الاستخدام المزدوج؛ وقيود مالية متنوعة وغيرها.

وفي مايو/ أيار 2004 فرضت الولايات المتحدة ضوابط إضافية على الاستيراد والتصدير بموجب قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية. في العام 2006، تم فرض قيود جديدة على صادرات المواد الحساسة، بما يتضمن التقنيات الطبية وعدد من المنتجات الاستهلاكية. كما استهدفت العقوبات البنك التجاري في سوريا، بما يقضي بمنع البنوك الأميركية من التعامل معه. وبعدها بعامين استهدفت أميركا القطاع المصرفي السوري بعقوبات جديدة على البنوك التي يشتبه في دعمها لنشاطات "تمويل الإرهاب".

وفي العام 2011، أعلنت الولايات المتحدة عن حظر يشمل قطاع النفط السوري، إلى جانب تجميد أصول الدولة السورية وعدد من الشخصيات المرتبطة بالنظام، بالإضافة إلى حظر تصدير السلع والخدمات الأميركية إلى سوريا، بما في ذلك المنتجات التي تحتوي على مكونات أميركية بنسبة تتجاوز 10%.

وأضافت الحكومة الأميركية في العام التالي عقوبات جديدة على الكيانات الأجنبية التي تحاول الالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا. وفي 2017، فرضت أيضاً عقوبات على 270 موظفاً حكومياً في سوريا بعد الهجوم الكيميائي على خان شيخون.

وفي العام 2020 بدأت الولايات المتحدة في فرض عقوبات جديدة عبر ما يعرف بقانون قيصر، عبر استهداف قطاعات حيوية في سوريا مثل الطاقة والبنوك بشكل غير مسبوق. وهدف القانون إلى محاسبة النظام السوري وحلفائه عبر فرض عقوبات اقتصادية شديدة على المسؤولين عن جرائم الحرب المرتكبة خلال فترة الحرب السورية.

وتضمن القانون تجميد أصول الأفراد والكيانات المرتبطة بالنظام السوري، وفرض قيود على التعاملات المالية، وحظر دعم المشاريع المتعلقة بإعادة الإعمار، وتطول العقوبات أيضاً الشركات والمؤسسات الدولية التي تتعامل مع النظام السوري.


اقرأ أيضاً: عائلات وكيانات سورية ارتبطت أسماؤها بالثروة والنفوذ الاقتصادي في عهد الأسد


تواصل أميركي مع الإدارة الجديدة

زار وفد أميركي تضمن مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، والمبعوث الرئاسي الخاص لشؤون الرهائن روجر كارستينز، وكبير مستشاري شؤون الشرق الأدنى دانييل روبنشتاين، سوريا يوم الجمعة 20 ديسمبر/ كانون الأول، لإجراء مباحثات مع الإدارة السورية الجديدة.

وأبلغ الوفد الأميركي الشرع اعتزام الولايات المتحدة إلغاء المكافأة المرصودة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله والبالغة 10 ملايين دولار، وذلك بعد الواقع الجديد في سوريا. جاء ذلك في مؤشر رفع من حالة التفاؤل السورية بشأن رفع العقوبات الأميركية.

كيف يؤثر رفع العقوبات على الاقتصاد السوري؟

تحتاج سوريا إلى الدعم الدولي والتكاتف مع الإدارة الجديدة من أجل تحقيق الاستقرار والمضي قدماً في المرحلة الانتقالية بشكل يشمل جميع السوريين، والعمل على بناء الدولة وإعادة الإعمار، ووضع الاقتصاد على الطريق الصحيح للتعافي.


اقرأ أيضاً: تجدد الاشتباكات يُعمق الوضع الاقتصادي المتردي في سوريا.. ما الذي تكشفه الأرقام؟


في الوقت الذي تطالب فيه الإدارة الجديدة برفع العقوبات الغربية في أسرع وقت، يطالب الغرب بأفعال على أرض الواقع تتطابق مع الأقوال والوعود بشأن مستقبل شامل ومستقبل ومرحلة انتقالية سلمية تمر بها البلاد من أجل وقف العقوبات.

وبين هذا وذاك يحتاج الاقتصاد المتعثر والذي عانى كثيراً خلال سنوات الحرب إلى الإسراع من فك قيوده ومده بالدعم والمساعدات، ورفع الأيدي الغربية عن البنوك والشركات وقطاع النفط الذي كان يمثل أحد روافد الاقتصاد المهمة والرئيسية خلال مرحلة ما.


اقرأ أيضاً: فرص وتحديات.. ما مستقبل الاقتصاد السوري بعد الأسد ومتطلباته للتعافي؟ (خاص CNBC عربية)


ويعد رفع العقوبات أحد العوامل التي يرى خبراء ضرورتها لاستعادة الاقتصاد السوري لعافيته بما يتيح للبنوك السورية التعامل بشكل طبيعي مع العالم الخارجي، وتسهيل عمليات التصدير والاستيراد، وتهيئة مناخ مناسب للاستثمار بما يساعد في دخول رؤوس الأموال، وزيادة الإنتاج وانتعاش النمو، وتوفير فرص العمل، إلى جانب توفير مصادر دخل قوية للدولة عبر زيادة الاستثمارات والإنتاج النفطي، وتوفير المنافسة بين السلع والخدمات بما يعود في صالح المستهلك.

كما يسهل رفع العقوبات من توفير المساعدات والدعم المالي والفني الذي تحتاج سوريا إليه خلال الفترة الحالية وفي المستقبل القريب، إلى جانب توفير بيئة تساعد على تنفيذ عملية سريعة لإعادة الإعمار في البلاد التي دمرت الحرب جزءاً كبيراً منها، بالإضافة إلى توفير الخدمات الأساسية واللائقة للمواطنين بالمستوى المطلوب.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة