قبل أيام من دخوله إلى البيت الأبيض، أثارت دعوة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بأن يخصص أعضاء حلف الناتو نسبة 5% من ناتجهم المحلي الإجمالي للدفاع ردود فعل متباينة في أوروبا.
وطرح الرئيس المنتخب هذا الرقم، وهو أكثر من ضعف الهدف الحالي، في مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء، قائلاً "أعتقد أن الناتو يجب أن يحصل على 5%. يمكنهم جميعاً تحمل ذلك، لكن يجب أن يصلوا إلى 5%، وليس 2%".
اقرأ ايضاً: الرئيس الأميركي المنتخب يطالب أعضاء "الناتو" بزيادة إنفاقهم الدفاعي
وفي الوقت الحالي، لا ينفق أي عضو في التحالف 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وفق بزنس إنسايدر.
وأظهرت تقديرات الناتو أن بولندا من المقرر أن تقود الحلف في الإنفاق الدفاعي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، حيث تستثمر وارسو أكثر من 4% من ناتجها الاقتصادي على الدفاع. وتبعتها إستونيا والولايات المتحدة، حيث أنفقتا 3.43% و3.38% على التوالي.
وأثارت تصريحات ترامب استياء بعض المسؤولين الأوروبيين.
وكتب عضو الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، رالف ستيجنر، في منشور على فيسبوك، أن تعليقات ترامب كانت "موهومة ومجنونة حقاً". وأضاف "من أين من المفترض أن تأتي الموارد لحل مشاكل العالم الحقيقي؟".
وتابع "لدينا قدر كبير للغاية من الفقر، والدمار البيئي، والحروب الأهلية، والهجرة، وموارد قليلة للغاية لمكافحة هذا بشكل أكثر فعالية".
تباينات بين دول أوروبا
وفي حديثه للصحفيين يوم الأربعاء، شكك وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروسيتو في جدوى اقتراح ترامب، قائلاً: "لا أعتقد أنه سيكون خمسة، وهو أمر مستحيل في هذا الوقت بالنسبة لجميع دول العالم تقريبًا". بحسب وكالة الأنباء الإيطالية أنسا. لكن كروسيتو أضاف أنه يتوقع رفع الهدف فوق 2%.
وكانت إيطاليا في طريقها لإنفاق 1.49% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع في عام 2024، في حين أن ألمانيا، التي تستعد لإجراء انتخابات فيدرالية مبكرة في فبراير، كانت محددة بنسبة 2.12%.
اقرأ أيضاً: الناتو يضخ استثمارات في 4 شركات تكنولوجية أوروبية لتعزيز الدفاع والقدرة على الصمود
ومع ذلك، بالنسبة للدول الأقرب إلى روسيا وغزوها المستمر لأوكرانيا، قد لا تبدو زيادة الإنفاق الدفاعي فكرة سيئة.
وبهذا الإطار، أشارت وارسو بالفعل إلى دعمها لمطلب ترامب، حيث قال وزير الدفاع البولندي لصحيفة فايننشال تايمز إن بولندا "يمكن أن تكون حلقة الوصل عبر الأطلسي بين هذا التحدي الذي حدده الرئيس ترامب وتنفيذه في أوروبا".
شبح روسيا
القلق من توسيع روسيا الحرب مع الدول المجاورة عزز مواقف المرحبين باقتراح ترامب. وفي إستونيا ذات الحدود المشتركة مع روسيا تصاعدت التوترات وبدأ زيادة التركيز على الدفاع.
ورداً على تعليقات ترامب، قالت رئيسة الوزراء الإستونية كريستين ميشال لصحيفة بوليتيكو إن هذه هي "الرسالة التي ظلت إستونيا تدافع عنها منذ سنوات".
وأضافت "هذه إشارة واضحة لبوتين بأنه لا ينبغي له أن يجرؤ على اختبار أعصاب الناتو وأننا مستعدون لذلك".
اقرأ أيضاً: بعد تصريحات ترامب.. الناتو وأوروبا يحذران من المواقف التي تقوض الأمن!
وفي اجتماع شركاء المجموعة الشمالية العام الماضي، حث وزير دفاع إستونيا الحلفاء على زيادة الإنفاق إلى 2.5% لمواجهة تهديد العدوان الروسي.
كما دعمت السويد، التي زادت أيضاً إنفاقها الدفاعي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، الدعوة لزيادة الإنفاق.
من جانبها، قالت وزيرة الخارجية السويدية، ماريا مالمر ستينرغارد، لصحيفة بوليتيكو: "هناك إجماع واسع النطاق في السويد على أننا بحاجة إلى زيادة الاستثمار في دفاعنا".
وتابعت "لقد حثت الحكومات الأميركية منذ فترة طويلة الدول الأوروبية على زيادة إنفاقها الدفاعي وتحمل المزيد من تكاليف الدفاع الخاصة بها. ونحن نشارك هذا الرأي".
من جانبها، أعطت ليتوانيا الأولوية للإنفاق الدفاعي وسط التهديد الروسي المتزايد. ومؤخراً دعا رئيسها جيتاناس نوسيدا الدول الأوروبية إلى "إظهار المزيد من الدعم للأجندة العالمية الأميركية" من خلال زيادة حصتها في الأعباء الدفاعية.
بدوره، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روتي إن أوروبا تعلم أنه يتعين عليها إنفاق المزيد على الدفاع.
تكتيك غير واقعي
رغم هذه المواقف المرحبة، يرى المحللون أن نسبة الـ 5% التي أعلنها ترامب غير واقعية.
وقال نان تيان، الباحث البارز ومدير البرامج في برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة التابع لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، إن "العديد من دول الناتو الأوروبية تمول زيادة الإنفاق العسكري من خلال الديون، وتخفيضات في مجالات الإنفاق الأخرى، ومقترحات لزيادة الضرائب".
وأضاف: "هذه الزيادات الحالية من شأنها أن تدفع الإنفاق العسكري إلى مستوى حوالي نصف ما اقترحه ترامب وهو 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي لا أعتقد أن هذا هدف واقعي".
وأضاف تيان أن "مستوى 5% من الناتج المحلي الإجمالي سيكون أعلى مما أنفقته نفس الدول في ذروة الحرب الباردة".
في المقابل، وصف روثر ديرموند، وهو محاضر كبير في قسم دراسات الحرب في جامعة كينغز كوليدج في لندن، اقتراح ترامب بأنه "تكتيك قسري".
وكتب ديرموند على منصة إكس X: "يبدو كما لو أن الهدف من طلب الـ 5% هو أن يكون غير قابل للتحقيق، والقصد هو أن الدول سوف تفشل".
وأضاف "إنه تكتيك قسري يشير إلى أن الناتو لم يعد تحالفاً ذا معنى".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي