المجاعة تطرق الأبواب.. ملايين الأطفال يواجهون أزمات صحية مزمنة بسبب نقص الغذاء

نشرالجمعة، 31 يناير 2025 | 6:15 مساءً
آخر تحديث الجمعة، 31 يناير 2025 | 6:15 مساءً
أطفال غزة/ AFP

استمع للمقال
Play

من غزة إلى أوكرانيا وإثيوبيا، تتفاقم حدة نص الغذاء وسط حروب طاحنة وتوترات أمنية، تضع ملايين الأطفال أمام خطر المجاعة التي تهدد جيلاً كاملاً غير متعاف صحياً.

من المرجح أن تتراجع حدة الأزمة الغذائية التي يواجهها سكان غزة، ولا سيما الأطفال، مع زيادة تدفق المساعدات إلى القطاع منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في 19 يناير / كانون الثاني.

ولكن حتى بعد وصول إمدادات الإغاثة إلى أطفال غزة، قد يؤثر الجوع الذي عانوا منه على صحتهم لسنوات طويلة.

ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة الصادرة في 22 يناير/ كانون الثاني، يحتاج أكثر من 60 ألف طفل في غزة إلى العلاج من سوء التغذية الحاد في 2025. وقد توفي بعض الأطفال بالفعل وتتفاوت التقديرات بشأن عددهم. 

اقرأ أيضاً: غزة تواجه خطر المجاعة مع قطع خطوط المساعدات الغذائية إلى شمال القطاع

مع ذلك، يواجه الناجون القادرون على الحصول على مستويات كافية من التغذية تهديداً يتمثل في مشاكل صحية مزمنة مرتبطة بسوء التغذية لدى الأطفال.

ويمثل ذلك الاحتمال مصدر قلق عالمي يتعين مواجهته بصورة عاجلة. وذكرت رويترز في سلسلة مقالات أن المجاعة وأزمات الغذاء الحادة كان لها تداعيات هائلة على السكان في شتى أنحاء العالم النامي على مدى العام الماضي، من هايتي إلى أفغانستان إلى السودان والعديد من الدول الأفريقية الأخرى، إلى جانب عن غزة.

يعيش نحو 131 مليون طفل، ما يقرب من 40 مليون منهم دون سن الخامسة، في مناطق تعاني من أزمات غذائية حادة في مختلف أنحاء العالم، وفقاً لتقديرات أوردتها رويترز حصرياً نقلاً عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان إن نحو 4.7 مليون امرأة حامل يعشن في تلك المناطق. وتستند تقديرات الأمم المتحدة إلى أحدث البيانات من البلدان التي كان من الممكن إجراء التقييمات فيها.

مخاطر صحية

قد تسبب الأزمات الصحية المزمنة الناجمة عن سوء التغذية لدى الأطفال في تداعيات كبيرة، وفقاً لعلماء وخبراء تغذية ومسؤولين في منظمات إنسانية. وقد لا يصل الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد إلى إمكاناتهم المعرفية أو البدنية الكاملة، وفقاً لدراسات متعددة تتبعت الناجين من نقص الغذاء في الماضي.

وأظهرت دراسات أخرى أن سوء التغذية في مرحلة الطفولة، وحتى لدى الأجنة، يمكن أن يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري من النوع الثاني وغيرها من الأمراض غير المعدية في وقت لاحق.

شاهد ايضاً: وزيرة الدولة للشؤون الخارجية الفلسطينية لـ CNBC عربية: 90% من سكان غزة يعانون من المجاعة ونطالب بإغاثة فورية للناس

في هذا الإطار، قال ماركو كيراك، أستاذ التغذية بكلية لندن للصحة العامة وطب المناطق الحارة "يركز الناس، وهم محقون في ذلك، على الجوانب القصيرة الأجل لسوء التغذية... ولكن ما يغفلونه... هو أن الضرر الواقع لن يتوقف فجأة عندما تنتهي الحالة الطارئة".

بعض آثار الجوع الشديد يمكن التخفيف من حدتها إذا تمكن الطفل لاحقاً من الحصول على تغذية جيدة، وفق أحدث الدراسات. ولكن هناك شكوك حول صحة هذا الأمر. ففي العديد من البلدان التي تحدث فيها أزمات غذائية، يستمر الفقر والحرب والصراعات الأهلية لفترة طويلة بعد انقضاء الأزمة، مما يحد من قدرة الأطفال على الحصول على الغذاء والرعاية الصحية الكافية.

ضعف البيانات

من جهتها، أشارت هانا ستيفنسون، مسؤولة التغذية في هيئة إنقاذ الطفولة إلى أن ذلك يصعب الحصول على بيانات دقيقة حول عدد المتضررين في الأمدين القصير والبعيد، ولكن "كلما زادت حدة سوء التغذية التي يعاني منها الطفل، كلما كان من الصعب التعافي". وأضافت أن طول فترة سوء التغذية أيضاً من العوامل الحاسمة.

وأكدت ستيفنسون وخبراء آخرون أنه في حين أن كل طفل يعاني من سوء التغذية يمثل مأساة، فإن المجاعات وغيرها من أزمات الغذاء يمكن أن تلحق ضرراً دائماً بالمجتمع عموماً بسبب احتمال وجود جيل كامل يعاني من عجز جسدي ومعرفي.

وقال البروفيسور مبارك أبيرا، وهو باحث في مجال تغذية الأطفال والأمهات والصحة العقلية بجامعة جيما في أثيوبيا الذي ولد في أثناء مجاعة عصفت بأثيوبيا في أوائل الثمانينيات "الأمر يؤثر على الشخص والأسرة والبلد".

 أنواع الضرر

في ظل أزمة غذاء، يكون الأطفال أكثر عرضة للإصابة بسوء التغذية والموت جوعا أو بسبب الأمراض المعدية التي تكون أكثر فتكا بالذين

أضعفهم الجوع. ويقول علماء إن الأطفال أيضا أكثر عرضة من البالغين لمشاكل صحية طويلة الأمد نتيجة فترة من سوء التغذية الشديد، لأن أجسادهم وأدمغتهم تكون في طور النمو.

وهناك أربعة أنواع مختلفة من سوء التغذية، كما حددتها منظمة الصحة العالمية. وقد تظهر جميع هذه الأنواع أثناء مجاعة أو أي أزمة

غذائية حادة أخرى، وتترك آثارا دائمة، كما قد تتواجد مجتمعة في طفل واحد:

- الهزال. يحدث هذا حين يكون وزن الطفل منخفضا بالنسبة لطوله وغالباً ما يشير إلى المرور بمرحلة من الجوع الشديد مؤخرا وفقدان الوزن. وهي حالة طبية طارئة، ويستطيع 90% من الأطفال التعافي سريعاً إذا حصلوا على العلاج الذي يتضمن الأطعمة العلاجية والمضادات الحيوية والتخلص من الديدان. وفي عام 2023، قالت  منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إن 73% من الأطفال الذين كانوا في حاجة ماسة للرعاية الطبية تلقوا العلاج.

-تقزم. يحدث حين يكون طول الطفل أقصر من المعدل المناسب لعمره، وعادة ما يُنظر إليه على أنه مؤشر عام على سوء التغذية المزمن، مما يعرض الطفل لاحتمال عدم بلوغ كامل إمكاناته البدنية أو المعرفية. وينقسم خبراء التغذية حول مدى قدرة الأطفال على التعافي من التقزم إذا تلقوا لاحقاً التغذية الكافية. ويعتقد كثيرون أن التأثيرات لا يمكن إصلاحها، وخاصة لمن يتعرضون لنقص في التغذية لفترة طويلة أثناء نموهم.

-نقص الوزن. حين يكون وزن الطفل أقل من الوزن الطبيعي بالنسبة لعمره. وقد يصاب الطفل ناقص الوزن بالتقزم أو الهزال أو كليهما.

-نقص المغذيات الدقيقة. وتصف منظمة الصحة العالمية هذا أحياناً بأنه "الجوع الخفي"، ويحدث هذا النوع من سوء التغذية حين يفتقر النظام الغذائي للطفل إلى فيتامينات ومعادن وعناصر غذائية أساسية أخرى ضرورية للنمو الصحي. وقد يحدث ذلك منفردا أو كجزء من التقزم والهزال. وتشمل أوجه نقص المغذيات الدقيقة الرئيسية اليود وفيتامين (أ) والحديد. ونقص اليود هو السبب الرئيسي في الإعاقة الذهنية في مرحلة الطفولة على مستوى العالم. وقد يتسبب نقص فيتامين (أ) في فقدان البصر. وتقول منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة إن نقص الحديد يؤثر أيضا على نمو المخ. وقد يتعذر إصلاح الضرر إذا لم يتمكن الطفل من الحصول سريعاً على العناصر الغذائية اللازمة.

مخاطر الأمراض

بوسع متغيرات كثيرة التأثير على كيفية تعامل جسم الطفل مع النقص الشديد في الغذاء. فالطفل الذي يعاني بالفعل من سوء تغذية مزمن، أو لديه إعاقة، يكون في كثير من الأحيان أكثر عرضة للتأثيرات قصيرة وطويلة الأمد لأزمة الغذاء، كما يقول أمير كيرولس، وهو طبيب يعمل في هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية وأجرى دراسة في مالاوي بقيادة جامعة ليفربول/مالاوي-ليفربول ويلكم تراست.

وفي دراستهم، تابع كيرولس وزملاؤه الباحثون مجموعة من 1024 طفلاً في بلانتاير بمالاوي، بعد مرور عام وسبعة أعوام و15 عاما على علاجهم في المستشفى من سوء التغذية الحاد بين يوليو/ تموز 2006 ومارس/ آذار 2007.

وبعد مرور عام واحد، استطاع الفريق تأكيد بقاء 462 طفلاً فقط على قيد الحياة، أي 45 بالمئة منهم. وترك عدد قليل منهم المنطقة أو

تعذر تتبعهم، لكن 427 منهم ماتوا أثناء العلاج أو بعده بفترة وجيزة. وكان معدل الوفيات أكبر بين الأطفال الأصغر سنا وبين الذين كانوا يعانون من درجة أعلى من سوء التغذية حين جاءوا لتلقي العلاج، وكذلك بين المصابين بفيروس إتش.أي.في المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) أو الإعاقة.

وبحلول عام 2021، أي بعد 15 عاماً من بدء تلقي العلاج في المستشفى، لم يتبق على قيد الحياة إلا 168 شخصا من المجموعة الأصلية الذين أمكن تتبعهم. وفي الواقع، كانوا يمثلون الأكثر صحة أصلا بين الذين عولجوا، لكن مع بلوغهم مرحلة المراهقة، ظلوا يحملون علامات على سوء التغذية.

وكانوا أقصر قامة مقارنة بإخوتهم أو المراهقين عموما، وظهرت عليهم بعض علامات ضعف قوة القبضة، وهو مؤشر على انخفاض قوة العضلات عموماً. وقال كيرولس إن الفجوات قلت بعد سبع سنوات من العلاج مما يدل على أنه من الممكن حدوث بعض التعافي واللحاق بأقرانهم.

قبل الولادة

أظهرت مجموعة كبيرة من الأبحاث أن الأطفال الذين كانوا أجنة أثناء أزمة جوع معرضون أيضاً لخطر الإصابة بأضرار طويلة الأمد.

وركز علماء في دراسة نشرتها مجلة ساينس في أغسطس/ آب الماضي على المجاعة التي أحدثتها الحكومة السوفيتية بقيادة جوزيف ستالين

في أوكرانيا بين عامي 1932 و1933. وأسفرت هذه الكارثة، التي هي من صنع  الإنسان، عن مقتل حوالي أربعة ملايين شخص. ووجد الباحثون أيضاً أنه كان لها تأثير على صحة الناجين وخاصة الذين كانوا وقتها أجنة.

وقارن الباحثون بين سجلات عشرة ملايين أوكراني ولدوا قبل وأثناء وبعد المجاعة وتم تشخيص إصابتهم بمرض السكري في السجلات الوطنية بعد ذلك بسبعة عقود. ووجدوا أن التعرض للجوع في وقت مبكر من الحمل يزيد من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني بواقع المثلين.

وجاءت دراسات عن المجاعة الصينية الكبرى في الفترة بين 1958 و1962 والمجاعة الهولندية في نهاية الحرب العالمية الثانية بنتائج مماثلة.

وأظهر الباحثون أن سوء التغذية في الرحم يؤدي إلى ارتفاع معدلات السمنة والفصام في وقت لاحق.

ووجد الباحثون في مراجعة ممنهجة لعشرات الدراسات ارتباطاً قوياً بين التعرض لسوء تغذية حاد في مرحلة الطفولة وارتفاع خطر الإصابة ببعض الأمراض غير المعدية، مثل السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية، في وقت لاحق.

رأي علم الوراثة

قال بيرتي لومي الباحث الرئيسي في الدراسة وأستاذ علم الأوبئة في المركز الطبي لجامعة كولومبيا في نيويورك وباحثون آخرون إن من غير الواضح كيف يمكن أن يؤدي سوء التغذية الحاد في مرحلة الطفولة وفي الرحم إلى آثار صحية مدى الحياة.

ويعتقد الباحثون أن التأثير على الأجنة قد يكون خللاً في نمو المخ والأعضاء الحيوية الأخرى أو التعرض لمستويات عالية من هرمونات التوتر التي ينتجها جسم الأم التي تعاني من سوء التغذية.

ويظن بعض العلماء أن علم التخلق (الوراثة فوق الجينية)، الذي يدرس تأثير الظروف البيئية على نشاط الجينات، يلعب دوراً في بعض الحالات.

ويرى الباحثون أن بعض الأطفال قد يكون لديهم صفات وراثية تساعدهم في البقاء على قيد الحياة في الأوقات الصعبة، لكنهم يواجهون صعوبات في التكيف خلال أوقات الرخاء مما يعرضهم لخطر الإصابة بأمراض التمثيل الغذائي مثل السمنة والسكري.

وهناك اعتقاد آخر بأن قدرة الطفل على معالجة الطعام تُحدد مبكراً، وأن التمثيل الغذائي لدى طفل عانى من سوء التغذية يجد صعوبات في التعامل مع الإفراط في الأكل في وقت لاحق من الحياة.

ويزيد خطر الإصابة بأمراض غير معدية في مرحلة البلوغ لدى الأطفال الذين يعانون من انخفاض الوزن عند الولادة، وهو نتيجة ثانوية أخرى لسوء التغذية أثناء الحمل.

ويقول العلماء إن هناك حاجة إلى زيادة الأبحاث لتحديد الأسباب الدقيقة للتأثيرات العديدة لسوء التغذية في الأمد الطويل.

وقال كيراك، أستاذ التغذية بكلية لندن للصحة العامة وطب المناطق الحارة، إن سد "فجوة الأدلة الكبيرة" هذه يمكن أن يساعد في تحسين كل من العلاج الأولي والدعم في الأمد الطويل للأطفال الذين تعرضوا لسوء التغذية.

وذكر فيليبالد زيك الخبير في صحة الأم والطفل لدى صندوق الأمم المتحدة للسكان أن أزمة الغذاء الحادة غالبا ما تجعل النساء "محرومات من الاختيار" بسبب تأثيرها على الخصوبة وبقاء الرضع على قيد الحياة أو لأن بعضهن لا يتحملن إنجاب طفل يخشين عدم القدرة على إطعامه.

وليس لدى الصندوق بيانات حتى الآن عن تأثير أزمات الغذاء الحالية على معدلات المواليد.

لكن المجاعات السابقة تشير إلى التأثير المحتمل إذ انخفض معدل المواليد بنسبة 80% في مناطق من الصين خلال المجاعة التي شهدتها في الفترة بين عامي 1958 و1962. وقدر الباحثون أن عدد سكان أوكرانيا كان سيكون أكثر بنحو 10% إذا لم تحدث المجاعة في الثلاثينيات.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً






أخبار ذات صلة

الأكثر قراءة

الأكثر تداولاً






    الأكثر قراءة

    سياسة ملفات الارتباط

    ملف تعريف الارتباط هو نص صغير يتم إرساله إلى متصفحك من الموقع الإلكتروني الذي تتم زيارته. ويساعد هذا الملف الموقع الإلكتروني في تذكّر معلومات عن زيارتك، ما يسهّل زيارة الموقع مرّة أخرى ويتيح لك الاستفادة منه بشكل أفضل.