حرب تصريحات اندلعت خلال الأيام الماضية، أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد مقترحٍ مثير للجدل اختبر من خلاله المواقف العربية والغربية من القضية الفلسطينية ومدى تعاطي تلك الدول مع تطوراتها وذلك بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
فاجأ ترامب العالم بمقترحه بشأن مستقبل قطاع غزة، والذي يريد السيطرة عليه من جانب الولايات المتحدة مع تحويله إلى ما سماه "ريفيرا الشرق الأوسط" في إشارة إلى منطقة الريفيرا الفرنسية السياحية المزدهرة، وذلك مع إخلاء القطاع من سكانه وإعادة توطينهم في مناطق أخرى، وصفها بأنها أكثر أمناً واستقراراً بالنسبة لهم.
لم يكن ترامب في بداية طرح تهجير الفلسطينيين من القطاع بهذا الوضوح بشأن مقترحه المربك لمستقبل اتفاق وقف إطلاق النار . بينما تشهد التصريحات الأميركية حالة من التناقض بين التأكيد على المقترح بهذا الشكل أو خروج تصريحات أخرى من أجل الإشارة إلى مقاصد أخرى للمقترح.
وبين هذا وذاك كانت مواقف الدول العربية، خاصة مصر والأردن اللتين استهدفهما المقترح بتهجير الفلسطينيين إليهما، واضحة وبلهجة قوية، عبرت عنها البيانات والتصريحات الرسمية منذ بداية طرح فكرة التهجير من جانب ترامب، وحتى بعد إعلان مقترح بهذا الشكل عقب لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في العاصمة الأميركية واشنطن.
بداية الأزمة
تعود بداية قصة تصريحات ترامب بشأن مستقبل غزة وطرح فكرة التهجير إلى يوم السبت 25 يناير/ كانون الثاني عندما قال الرئيس الأميركي في تصريحات للصحافيين إنه يتعين على الأردن ومصر استقبال المزيد من الفلسطينيين من غزة، بعد أن تسببت حرب إسرائيل ضد حركة حماس في أزمة إنسانية.
وذكر أنه اتصل بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في هذا اليوم طالباً منه استقبال المزيد من الفلسطينيين من القطاع، وأنه سيتحدث إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اليوم التالي.
اقرأ أيضاً: ترامب: يجب على الأردن ومصر استقبال المزيد من الفلسطينيين من غزة
في اليوم التالي علق وزير الخارجية الأردني رداً على تلك التصريحات، خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة الأردنية، بأن موقف بلاده من تهجير الفلسطينيين ثابت لا يتغير، وقال "تثبيت الفلسطينيين على أرضهم ثابت أردني لم ولن يتغير".
كما عبرت الرئاسة الفلسطينية عن رفضها الشديد وإدانتها لتلك التصريحات، مشيرة إلى أن ذلك يشكل "تجاوزاً للخطوط الحمراء التي حذرنا منها مراراً".
كما قال القيادي في حركة حماس، سامي أبو زهري، لوكالة رويترز: "أهل غزة تحملوا الموت من أجل ألا يتركوا الوطن ولن يتركوها لأي أسباب أخرى".
كذلك ردت وزارة الخارجية المصرية في بيان صدر في ذلك اليوم قائلة إن مصر تشدد على رفضها لأي مساس بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم.
اقرأ أيضاً: أبرز ردود الأفعال على دعوة ترامب مصر والأردن لاستقبال فلسطينيين من غزة
ويوم الاثنين 27 يناير، قال ترامب إنه تحدث مع الرئيس المصري. وعندما سئل ترامب عن موقف السيسي من طلبه قال: "أود أن يفعل ذلك- أتمنى أن يأخذ بعضهم، فنحن نساعدهم كثيراً، وأنا متأكد من أنه يستطيع مساعدتنا، إنه صديق لي". لكن مصدر مصري رفيع المستوى نفى أن يكون ترامب تحدث إلى السيسي حينها.
ومن جانبه قال الرئيس المصري، يوم الأربعاء 29 يناير/ كانون الثاني، إن ترحيل وتهجير الشعب الفلسطيني "ظلم لا يمكن أن نشارك فيه"، مشيراً إلى أن يتردد "لا يمكن أبداً التساهل أو السماح به لتأثيره على الأمن القومي المصري".
وفي ظل ردود الأفعال العربية الرافضة، والغاضبة بعضها، عادت الولايات المتحدة لمحاولة إلقاء الكرة في الملعب العربي عبر تصريحات مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لموقع Axios الإخباري، يوم الخميس 30 يناير، إن قطاع غزة "لم يتبقَ منه شيء تقريباً" وقد تستغرق عملية إعادة إعمار القطاع من عشرة أعوام إلى 15 عاماً.
وأضاف في ختام زيارة لمنطقة الشرق الأوسط: "يتجه السكان شمالاً للعودة إلى منازلهم ويرون ما حدث ثم يعودون... لا يوجد ماء ولا كهرباء. حجم الدمار الذي وقع هناك هائل".
اقرأ أيضاً: مبعوث ترامب للشرق الأوسط: إعادة إعمار غزة قد تستغرق بين 10 و15 عاماً
اتصال مع السيسي
في وقت لاحق، أعلنت رئاسة الجمهورية المصرية، في بيان يوم السبت الأول من فبراير/ شباط، تلقي السيسي اتصالاً من ترامب بحثا خلال أهمية الاستمرار في تنفيذ المرحلة الأولى والثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، دون ذكر تفاصيل عن الحديث حول التهجير بشكل مباشر.
وقال السيسي لترامب إن المجتمع الدولي يعول على قدرته على التوصل إلى اتفاق سلام دائم وتاريخي ينهي حالة الصراع القائمة بالمنطقة منذ عقود، مؤكدة ضرورة تدشين عملية سلام تفضي إلى حل دائم في المنطقة.
اقرأ أيضاً: السيسي وترامب يبحثان "القضايا والأزمات المعقدة" في الشرق الأوسط
تصريحات جديدة
وعقب لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن يوم الثلاثاء الرابع من فبراير، ألقى ترامب بقنبلة جديدة عبر مقترح جديد يعتمد في جزء منه على تهجير الفلسطينيين وإعادة توطينهم في أماكن أخرى، لكن به بعض التفاصيل هذه المرة عن تخطيطه لسيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وامتلاكه وتحويله إلى ما يشبه منطقة اقتصادية وسياحية لأشخاص جدد من خارجه فيما هو أشبه بالصفقة العقارية، فيما أشبه ببالونة اختبار جديدة لأطراف الموضوع مع إضافة تفاصيل أخرى.
وقال ترامب إن أميركا ستسيطر على قطاع غزة وستمتلكه متوقعاً ملكية طويلة الأجل، وتابع: "سنسوي الموقع بالأرض ونوجد تنمية اقتصادية. وسنعمل على توفير فرص عمل وإسكان لسكان المنطقة".
وأضاف أن "غزة يجب ألا تمر بمرحلة إعادة الإعمار ويسكنها نفس الأشخاص (في إشارة إلى الفلسطينيين في غزة)". "يجب أن نبني بدلاً من ذلك مناطق مختلفة لسكان غزة" مدعياً أن "السبب الوحيد لرغبة سكان غزة في العودة (إلى مناطقهم) هو أنه ليس لديهم بديل".
ورغم الرفض المصري الأردني، قال أيضاً إن "زعيمي مصر والأردن سيقدمان الأرض اللازمة لخطتي الخاصة بالفلسطينيين". وادعى أيضاً أن السعودية ليست مهتمة بإقامة دولة فلسطينية في حالة التطبيع مع إسرائيل.
السعودية تبدأ حملة ردود أفعال قوية
لم تمر ساعات قليلة حتى ردت المملكة العربية السعودية في بيان لوزارة الخارجية قالت خلاله، في وقت مبكرة من صباح يوم الأربعاء، إن موقفها من قيام الدولة الفلسطينية "راسخ وثابت ولا يتزعزع، وليس محل تفاوض أو مزايدات"، مؤكدة أنها لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بدون قيام دولة فلسطينية مستقلة، ومعلنة رفضها "السعي لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه".
من جانبه، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إن "الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن أرضه وحقوقه ومقدساته، وقطاع غزة هو جزء أصيل من أرض دولة فلسطين إلى جانب الضفة الغربية، والقدس الشرقية المحتلة... الحقوق الفلسطينية المشروعة غير قابلة للتفاوض".
كما قال القيادي في حركة حماس الفلسطينية سامي أبو زهري: "تصريحات ترامب حول رغبته بالسيطرة على غزة سخيفة وعبثية، وأي أفكار من هذا النوع كفيلة بإشعال المنطقة". "شعبنا في غزة لن يسمح بتمرير مخططات ترامب والمطلوب هو إنهاء الاحتلال والعدوان على شعبنا لا طرده من أرضه".
وقال الديوان الملكي الأردني أيضاً: "الملك عبد الله الثاني يؤكد ضرورة وقف التوسع الاستيطاني، ويرفض أي محاولات لضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين".
اقرأ أيضاً: أبرز ردود الأفعال العربية والعالمية على مقترح ترامب بشأن غزة
وزارة الخارجية الإماراتية أيضاً علقت قائلة: "تؤكد دولة الإمارات التزامها بدعم السلام والاستقرار في المنطقة، وموقفها التاريخي الراسخ تجاه صون حقوق الشعب الفلسطيني، وشددت على ضرورة إيجاد أفق سياسي جاد يفضي إلى حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة".
بينما أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً يوم الخميس، مع تزايد التأييدات في إسرائيل لمقترح ترامب، حذرت فيه من تداعيات التصريحات الصادرة من عدد من أعضاء الحكومة الإسرائيلية "حول بدء تنفيذ مخطط لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وبما يعد خرقاً صارخاً وسافراً للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني ولأبسط حقوق الشعب الفلسطيني، ويستدعي المحاسبة".
وعبرت الوزارة عن رفض مصر أي طرح أو تصور يستهدف تصفية القضية الفلسطينية من خلال انتزاع الشعب الفلسطيني أو تهجيره من أرضه التاريخية والاستيلاء عليها، سواء بشكل مرحلي أو نهائي، محذرة من تداعيات تلك الأفكار "التي تعد إجحافاً وتعدياً على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولن تكون مصر طرفاً فيها".
اقرأ أيضاً: مصر ترفض تصفية القضية الفلسطينية عبر مخطط التهجير
ردود أفعال غربية
لم يقتصر رفض مقترح ترامب على ردود الأفعال العربية، لكنه امتد أيضاً إلى عدد من الدول الغربية منها بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإسبانيا، إلى جانب روسيا والصين وتركيا.
وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر: "يتعين السماح لهم (الفلسطينيين) بالعودة إلى وطنهم، ويتعين السماح لهم بإعادة البناء، وعلينا أن نكون معهم في عملية إعادة البناء هذه نحو المضي على طريق حل الدولتين".
وفي ذات السياق، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك: "قطاع غزة ملك للفلسطينيين، وطردهم منه غير مقبول ويتعارض مع القانون الدولي".
المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان قال أيضاً إن بلاده تكرر معارضتها لأي تهجير قسري للسكان الفلسطينيين في غزة، "والذي من شأنه أن يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، وهجوماً على التطلعات المشروعة للفلسطينيين، ويعتبر أيضاً عقبة رئيسية أمام حل الدولتين وعاملاً رئيسياً لزعزعة استقرار شريكينا المقربين، مصر والأردن، والمنطقة بأسرها أيضاً".
توضحيات أميركية
في اليوم التالي لطرح ترامب مقترحه حاول مسؤولون في الإدارة الأميركية توضيح بعض تصريحات الرئيس والتراجع عن بعضها، وهو ما أظهر تناقضاً مع تصريحاته.
وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، يوم الأربعاء، إن عرض ترامب ليس المقصود منه أن يكون خطوة عدائية، مشيراً إلى أن تفاصيل العرض يجب أن يتم التوافق عليها.
وأضاف روبيو أن عرض ترامب تمثل في التدخل وإزالة الحطام من القطاع وتنظيف المكان من الدمار، موضحاً أن "الشعب سيضطر إلى العيش في مكان ما أثناء إعادة إعمار غزة". وذكر أن الرئيس الأميركي عبر عن استعداد بلاده للتدخل "وتطهير غزة"، وأن ما عرضه هو استعداد أميركا لتحمل المسؤولية عن إعادة إعمار ذلك المكان، بحسب وكالة رويترز.
اقرأ أيضاً: وزير الخارجية الأميركي: عرض ترامب بشأن غزة لا يقصد "خطوة عدائية"
وقال البيت الأبيض في نفس اليوم، إن الرئيس الأميركي تعهد بإعادة إعمار غزة ونقل المتواجدين هناك "مؤقتاً"، وذكرت المتحدثة باسمه، كارولاين ليفيت، إن ترامب لم يتعهد بإرسال قوات أميركية على الأرض في قطاع غزة في ظل مقترحه، بحسب وكالة رويترز.
لكن ترامب عاد يوم الخميس ليؤكد على مقترحه وتهجير الفلسطينيين من غزة، عبر منشور على منصة التواصل "تروث سوشيال" التابعة له، حيث قال إن إسرائيل ستسلم قطاع غزة إلى أميركا في نهاية الحرب، ولكن تكون هناك حاجة إلى الجنود الأميركيين في القطاع.
وأضاف أن أميركا ستبدأ ببطء وحرص بناء ما سيصبح "أحد أكبر وأروع مشروعات التطوير"، وأنها ستعمل مع فرق تطوير من أنحاء العالم للتشييد في القطاع، وأنه "سيتم إعادة توطين سكان غزة في مجتمعات أكثر أماناً".
🔴ترامب في منشور على تروث سوشيال:
— CNBC Arabia (@CNBCArabia) February 6, 2025
📌إسرائيل ستسلم قطاع غزة إلى أمريكا في نهاية القتال
📌أميركا ستبدأ ببطء وحرص بناء ما سيصبح "أحد أكبر وأروع مشروعات التطوير"
📌يقول أميركا ستعمل مع فرق تطوير من أنحاء العالم للتشييد في غزة
📌لن تكون هناك حاجة لجندي أميركي" في غزة
📌سكان غزة… pic.twitter.com/mwNCXJIeV3
ومع تأكيد ردود الأفعال العربية والأجنبية الرافضة للمقترح خلال الأيام الأخيرة، يحاول ترامب امتصاص بعض هذا الغضب عن طريق تصريح جديد للصحافيين في البيت الأبيض يوم الجمعة السابع من فبراير، والذي قال فيه إنه ليس في عجلة من أمره لتنفيذ مقترحه.
🔴 الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يقول إنه ليس في عجلة من أمره لتنفيذ خطته للسيطرة على غزة وإعادة تطويرها، وذلك لدى حديثه مع الصحافيين في البيت الأبيض، الجمعة 7 فبراير/ شباط pic.twitter.com/wRtNLp00c8
— CNBC Arabia (@CNBCArabia) February 7, 2025
فهل يمهد ترامب الطريق بهذا التصريح لسحب أو نسيان مقترحه أم سيظل مصمماً عليه وهو ما قد يدخل المنطقة في نفق مظلم من جديد مع تعقد القضية الفلسطينية؟
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي
ملف تعريف الارتباط هو نص صغير يتم إرساله إلى متصفحك من الموقع الإلكتروني الذي تتم زيارته. ويساعد هذا الملف الموقع الإلكتروني في تذكّر معلومات عن زيارتك، ما يسهّل زيارة الموقع مرّة أخرى ويتيح لك الاستفادة منه بشكل أفضل.