إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهو الإجراء الذي صدر بوقف تنفيذه قرار من محكمة أميركية يوم الجمعة السابع من فبراير/ شباط، قد يجعل الصين أكثر نفوذاً مع ضخها بالفعل مليارات الدولارات في بلدان حول العالم.
ومن المرجح أن يفيد الإغلاق المفاجئ للوكالة الأميركية للتنمية الدولية والمسؤولة عن المساعدات الخارجية التنموية للولايات المتحدة ــ في حالة اكتمال العملية التي بدأها البيت الأبيض هذا الأسبوع - الصين على الساحة العالمية.
وقال المحلل البارز في فريق الصين وشمال شرق آسيا في مجموعة Eurasia الاستشارية للمخاطر، جيريمي تشان، لموقع Business Insider: "النهاية الفوضوية للوكالة الأميركية للتنمية الدولية سوف تعود بلا شك بالفائدة على الصين، حتى وإن كان من غير المرجح أن تغير استراتيجية بكين للتنمية الدولية في الأمد القريب".
وقال الأستاذ المتخصص في الاقتصاد السياسي لشمال شرق آسيا في جامعة سوكا اليابانية، تاي وي ليم: "إذا أغلقت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فقد تكون هناك فرص لمقدمي مساعدات آخرين مثل الصين لممارسة نفوذ القوة الناعمة من خلال توزيع المساعدات".
اقرأ أيضاً: القضاء الأميركي يوقف خطة ترامب لتسريح موظفي الوكالة الأميركية للتنمية
أنفقت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية 32.5 مليار دولار في السنة المالية 2024. بينما لم تعلن الأرقام الدقيقة لإنفاق المساعدات الخارجية الصينية بالكامل، لكن تقديرات الأكاديميين اليابانيين تشير إلى أن إنفاق بكين في العام 2022 قد يصل إلى 7.9 مليار دولار.
في حين أن الصين بعيدة كل البعد عن نفوذ الولايات المتحدة فيما يتعلق بالمساعدات، فإن العملاق الآسيوي يحاول توسيع نفوذه - سياسياً واقتصادياً - خارج الحدود، من خلال مبادرة الحزام والطريق.
وتأتي المخاوف بشأن وضع النفوذ الأميركي بدون الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وسط تصاعد التنافس الجيوسياسي بين أكبر اقتصادين في العالم.
في يوم الثلاثاء، فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعرفة جمركية إضافية بنسبة 10% على جميع السلع الصينية. ورداً على ذلك، أعلنت الصين عن تعرفات جمركية انتقامية على سلع أميركية مستهدفة، بما في ذلك النفط الخام والآلات.
هل تترك أميركا فراغاً كبيراً للصين؟
وصف دونالد ترامب ورئيس إدارة كفاءة الحكومة الأميركية، إيلون ماسك، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بأنها مسرفة وغير متوافقة مع القيم الأميركية. كان من المقرر وضع جميع موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تقريباً في إجازة إدارية اعتباراً من منتصف ليل الجمعة قبل القرار القضائي بوقف الإجراء.
تأسست الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في ذروة الحرب الباردة، ولم تعمل أبداً كوكالة خيرية بحتة. تعمل الوكالة مع "دول مهمة استراتيجياً" و"تساعد المصالح التجارية الأميركية" من خلال مساعدة الدول على التطور اقتصادياً، وفقاً لتقرير صادر عن دائرة أبحاث الكونغرس غير الحزبية الشهر الماضي.
زعم بعض السياسيين الأميركيين أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية - أو برنامج مساعدات مماثل - ضروري لمضاهاة جهود المساعدات الخارجية والاستثمار الصينية.
ذهب حوالي نصف إنفاق الوكالة الأميركية للعام 2024 لأغراض إنسانية أو أغراض صحية وسكانية، مثل تمويل برامج فيروس نقص المناعة البشرية.
اقرأ أيضاً: ترامب وماسك يشنان هجوماً على الوكالة الأميركية للتنمية الدولية
وحظيت الوكالة منذ فترة طويلة بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة. في العام 2022، طلب السيناتور ماركو روبيو - وزير الخارجية الحالي - من الرئيس جو بايدن استخدام طلباته للميزانية التالية للوكالة الأميركية للتنمية الدولية والوكالات الحكومية الأخرى لمواجهة "النفوذ العالمي المتوسع للصين".
في الوقت الحالي يسلط الساسة من كلا الحزبين الضوء على دور الوكالة وسط مستقبلها غير المحسوم، في حين تمثل جميع المساعدات الخارجية الأميركية حوالي 1% من الميزانية الفدرالية.
وقال السيناتور الجمهوري روجر ويكر من ولاية ميسيسيبي للصحافيين يوم الثلاثاء: "شعرت لفترة طويلة أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية هي طريقتنا لمكافحة مبادرة الحزام والطريق، وهي أداة الصين لكسب النفوذ حقاً في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أفريقيا وأميركا الجنوبية في نصف الكرة الأرضية الغربي".
نفوذ الصين عبر "الحزام والطريق"
قادت الصين مشروعها الرائد للبنية التحتية في مبادرة الحزام والطريق، لأكثر من عقد من الزمان، والذي أنفقت من خلاله بكين أكثر من تريليون دولار على خطوط أنابيب الغاز والقطارات وغيرها من مشروعات التجارة والبنية التحتية على مستوى العالم. وكان جزء كبير من التمويل في شكل قروض للدول المشاركة.
وقالت الصين إن برامج مبادرة الحزام والطريق لا تتضمن أي شروط سياسية. لكن منتقدين يقولون إن الصين تحاول إيقاع الدول النامية في فخ الديون - وبالتالي تعزيز النفوذ السياسي لبكين على الدول صاحبة المديونية لها.
يقدر مركز التمويل والتنمية الأخضر، ومقره جامعة فودان الصينية، أن ما بين 145 و149 دولة - حوالي ثلاثة أرباع إجمالي دول العالم - تشارك بشكل مباشر في مشروعات مبادرة "الحزام والطريق" أو أبدت اهتمامها بالتعاون.
أظهر تحليل لبيانات العام 2023، وهو أحدث عام متاح، من مركز التمويل والتنمية الأخضر، كيف تم صرف المساعدات عبر المبادرة جغرافياً. استثمرت الصين في إندونيسيا بمبلغ 7.3 مليار دولار، تليها المجر بمبلغ 4.5 مليار دولار، وبيرو بمبلغ 2.9 مليار دولار.
اقرأ أيضاً: بنما تنسحب من مبادرة الحزام والطريق الصينية
وفي أفريقيا ـ حيث تلقت كل الدول تقريباً استثمارات صينية ـ تم تشييد طرق وسكك حديدية وموانئ جديدة على مدى السنوات العشر الماضية، في حين تم استثمار المليارات في مشروعات البنية الأساسية للطاقة لمد المزيد من السكان بالكهرباء.
في العام 2009، تفوقت الصين على الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري لأفريقيا. تستورد أفريقيا عادة الإلكترونيات والآلات والسلع المصنعة من الصين وتصدر الوقود والمعادن.
في آسيا، استثمرت الصين في موانئ جديدة في سريلانكا، وسكك حديدية عالية السرعة في إندونيسيا والمملكة العربية السعودية، ومشروعات البنية التحتية في أوزبكستان.
وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ، في شهر سبتمبر/ أيلول، إن الصين متلتزمة بأكثر من 50 مليار دولار لأفريقيا في شكل مساعدات مالية. ويتمثل الهدف من ذلك تعزيز علاقات بكين مع الدول النامية وسط التوترات مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.
اقرأ أيضاً: إدارة ترامب تخطط للإبقاء على 294 موظفاً فقط في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية
زيادة النفوذ بدون مجهود زائد
في الأجل القريب قد لا تكون جهود المساعدات الصينية قادرة على مواكبة الفجوة الهائلة التي ستخلفتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في حالة إتمام إغلاقها. كما نقلت بكين تركيزها على مبادرة الحزام والطريق من المشروعات الضخمة المتعلقة بالبنية التحتية إلى ما تسميه مشروعات "صغيرة وجميلة"، كما قال المحللون لـ Business Insider.
لكن تشان من مجموعة أوراسيا قال إن بكين قد تحول تركيزها بشكل متزايد نحو الشرق، وخاصة إلى أفريقيا وجنوب شرق آسيا.
وتكتسب الصين بالفعل بعض النفوذ من الإغلاق المفاجئ المحتمل للوكالة الأميركية للتنمية الدولية. وقال جيريمي تشان: "تبدو الصين وكأنها الرجل الصالح على الساحة الدولية ببساطة من خلال عدم القيام بأي شيء".
وأضاف: "في حين أن دعوات بكين إلى تعاون متعدد الأطراف أقوى، والمزيد من التجارة الحرة، وتحسين الحوكمة العالمية في الأمم المتحدة ودافوس لن تفعل الكثير لتعزيز الحلول متعددة الأطراف للقضايا العالمية الملحة - مثل الصراعات في غزة وأوكرانيا، ومرونة سلسلة التوريد، أو حوكمة الذكاء الاصطناعي - فإن الصين ستكسب نقاطاً على حساب الولايات المتحدة من خلال الحفاظ على مظهرها كطرف مسؤول عالمياً على الأقل".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي
ملف تعريف الارتباط هو نص صغير يتم إرساله إلى متصفحك من الموقع الإلكتروني الذي تتم زيارته. ويساعد هذا الملف الموقع الإلكتروني في تذكّر معلومات عن زيارتك، ما يسهّل زيارة الموقع مرّة أخرى ويتيح لك الاستفادة منه بشكل أفضل.
هل تصبح الصين أكثر نفوذاً في حالة إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية؟