أثار إعلان إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب فرض "رسوم جمركية متبادلة عالمية" مخاوف واسعة بالاتحاد الأوروبي، بشأن مستقبل العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، وبما يضع تلك الشراكة على المحك، في الوقت الذي يهدد فيه زعماء الاتحاد بردود انتقامية فورية حال طبق ترامب تلك التعرفات، وهي الخطوات التي من شأنها أن تؤدي إلى تداعيات اقتصادية وسياسية كبيرة، خاصة في ظل حجم التبادل التجاري الضخم بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
تُعد العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من بين الأكثر تشابكاً وأهمية على مستوى العالم. وبحسب بيانات مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، ففي العام 2024، بلغ إجمالي تجارة السلع بين الطرفين 975.9 مليار دولار، مما يعكس عمق الترابط الاقتصادي بينهما. ومع ذلك، فإن فرض رسوم جمركية إضافية من قبل الولايات المتحدة قد يعرض هذه العلاقة للخطر، خاصة في ظل وجود عجز تجاري أمريكي متزايد مع الاتحاد الأوروبي.
تفاصيل التبادل التجاري
وفقاً لتلك البيانات، بلغت صادرات السلع الأميركية إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2024 حوالي 370.2 مليار دولار، بزيادة طفيفة بلغت 0.7% فقط (ما يعادل 2.6 مليار دولار) مقارنة بعام 2023.
من ناحية أخرى، ارتفعت واردات الولايات المتحدة من الاتحاد الأوروبي بشكل ملحوظ، حيث بلغت 605.8 مليار دولار، بزيادة قدرها 5.1% (29.4 مليار دولار) عن العام السابق. ومن بين هذه الواردات، تُعتبر مادة السيماجلوتيد، التي تُستخدم في أدوية إنقاص الوزن الشهيرة، واحدة من أهم السلع المستوردة، حيث بلغت قيمتها 127 مليار دولار.
اقرأ أيضاً: ما أسباب الولايات المتحدة لفرض الرسوم الجمركية تاريخياً ولماذا تختلف حالة ترامب؟
يشير ذلك إلى عجز بالنسبة للولايات المتحدة يقدر بحوالي 235.6 مليار دولار، بزيادة قدرها 12.9% (26.9 مليار دولار) مقارنة بعام 2023.
هذا العجز المتزايد يضع ضغوطًا كبيرة على صناع القرار في الولايات المتحدة، مما قد يدفعهم إلى اتخاذ إجراءات حمائية مثل فرض الرسوم الجمركية الإضافية.
كيف ستؤثر الرسوم الجمركية على أوروبا؟
وبحسب تقرير للبرلمان الأوروبي، فإنه إذا فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية على منتجات الشركات الأوروبية، فإن هذه المنتجات ستصبح أكثر تكلفة وستقل مبيعاتها نتيجة لذلك. وإذا رد الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية على المنتجات الأميركية، فإن هذه المنتجات ستصبح أكثر تكلفة بالنسبة للمستهلكين في الاتحاد الأوروبي.
كما أن فرض الولايات المتحدة للرسوم الجمركية على أجزاء أخرى من العالم قد يخلق أيضًا مشاكل للاتحاد الأوروبي. فقد تقرر البلدان المتضررة إعادة توجيه منتجاتها التي قد تصبح باهظة الثمن للغاية للبيع في الولايات المتحدة إلى أوروبا، مما يجعل من الصعب على شركات الاتحاد الأوروبي المنافسة.
ونظراً لأن الاقتصاد العالمي متشابك بشكل واسع، فقد يؤدي ذلك أيضًا إلى تعطيل سلسلة التوريد للعديد من شركات الاتحاد الأوروبي، مما يجعل من الصعب الحصول على منتجات محددة بسعر معقول.
اقرأ أيضاً: أبرز المعلومات عن خطة ترامب لفرض الرسوم الجمركية المتبادلة
ويلفت البرلمان الأوروبي إلى أن انعدام الأمن المحيط بالرسوم الجمركية وتأثيراتها من شأنه أن يخلق قدرًا كبيرًا من عدم اليقين للشركات، والتي قد تقرر بعد ذلك تأجيل الاستثمارات. وهذا من شأنه أن يثبت أنه مثبط إضافي للنمو الاقتصادي.
على الجانب الآخر، قد تؤدي هذه الرسوم الجمركية أيضًا إلى دفع البلدان إلى السعي إلى إقامة علاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي لموازنة النهج الجديد للولايات المتحدة في رفع الرسوم الجمركية.
ولدى الاتحاد الأوروبي بالفعل اتفاقيات تجارية مع دول ومناطق من جميع أنحاء العالم، مما يؤدي إلى المزيد من الاختيارات للمستهلكين، وانخفاض الأسعار، والمزيد من التجارة والوظائف.
كيف يمكن للاتحاد الأوروبي أن يستجيب؟
وفق تقرير البرلمان الأوروبي، فإن المسار الأول المحتمل الذي قد يتخذه الاتحاد الأوروبي هو التفاوض، ذلك أن التوصل إلى اتفاق سيكون أقل إرباكا من فرض التعريفات الجمركية والتعريفات المضادة.
وكانت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية لشؤون المناخ والطاقة، آنا كايسا إيتكونين، قد قالت في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، الخميس 23 يناير/ كانون الثاني، رداً على سؤال بشأن خطط الاتحاد الأوروبي للتعامل مع الضغوط التي يمارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لزيادة واردات أوروبا من الغاز الطبيعي المسال الأميركي أو مواجهة التعريفات الجمركية المحتملة، إنه "من السابق لأوانه التكهن أو إجراء أي تقييمات من هذا القبيل".. وذكرت أن "أولويتنا الأولى ستكون المشاركة المبكرة ومناقشة المصالح المشتركة والاستعداد للتفاوض"، (المزيد من التفاصيل)
وفي رد فعلها على الأنباء التي تفيد بأن ترامب أعلن عن فرض تعريفات جمركية جديدة على واردات الصلب والألومنيوم، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن التعريفات الجمركية غير المبررة على الاتحاد الأوروبي لن تمر دون رد.
وقالت في بيان صدر في الحادي عشر من فبراير/شباط : "إن الاتحاد الأوروبي سيعمل على حماية مصالحه الاقتصادية. وسنحمي عمالنا وشركاتنا ومستهلكينا".
كما حذرت المفوضية، التي تتفاوض على العلاقات التجارية نيابة عن الاتحاد الأوروبي، من أن فرض الرسوم الجمركية سيكون غير قانوني وسيؤدي إلى نتائج عكسية اقتصاديًا، خاصة بالنظر إلى سلاسل الإنتاج المتكاملة بشكل عميق. وحذرت من أن الولايات المتحدة من خلال فرض الرسوم الجمركية ستفرض ضرائب على مواطنيها، وترفع تكاليف الأعمال، وتغذي التضخم.
وفي حالة فشل الاتحاد الأوروبي في التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لتجنب الرسوم الجمركية، فهناك تدابير مختلفة يمكن للاتحاد الأوروبي استخدامها لحماية نفسه، وفق التقرير.
يمكن للاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية مضادة على السلع القادمة من الولايات المتحدة. كما يمكنه تقديم شكوى إلى منظمة التجارة العالمية إذا شعر أن الولايات المتحدة تنتهك قواعده والسعي للحصول على تعويضات.
وفي السنوات الأخيرة، تبنى الاتحاد الأوروبي تشريعًا لإنشاء أداة لمكافحة الإكراه . والهدف من أداة مكافحة الإكراه هو العمل كرادع، مما يسمح للاتحاد الأوروبي بحل النزاعات التجارية من خلال التفاوض. ومع ذلك، كملاذ أخير، يمكن استخدامها لإطلاق تدابير مضادة ضد دولة غير عضو في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك مجموعة واسعة من القيود المتعلقة بالتجارة والاستثمار والتمويل.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي
ملف تعريف الارتباط هو نص صغير يتم إرساله إلى متصفحك من الموقع الإلكتروني الذي تتم زيارته. ويساعد هذا الملف الموقع الإلكتروني في تذكّر معلومات عن زيارتك، ما يسهّل زيارة الموقع مرّة أخرى ويتيح لك الاستفادة منه بشكل أفضل.