تثير قضية عمدة مدينة نيويورك إريك آدامز، الجدل في الولايات المتحدة خلال الفترة الأخيرة خاصة مع مطالبات من وزارة العدل الأميركية للمحكمة التي تحاكمه في تهم فساد برفض تلك التهم، في ظل تقارب مع الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب.
ضابط الشرطة السابق قبل توليه منصبه الحالي لإدارة المدينة كان أحد النجوم الصاعدة في الحزب الديمقراطي وكان يتمتع بشعبية بين الناخبين السود لكنه سمعته أصبحت على المحك بعد أشهر من توليه منصبه.
من هو إريك آدامز؟
ولد إريك آدامز، البالغ من العمر 64 عاماً، في حي براونزفيل بمنطقة بروكلين في مدينة نيويورك، وتخرج من معهد نيويورك للتكنولوجيا، وكلية جون جاي للعدالة الجنائية، وحصل على درجة الماجستير في الإدارة العامة من كلية ماريست، بحسب الموقع الرسمي لمدينة نيويورك.
انضم آدامز إلى إدارة شرطة مدينة نيويورك في العام 1984، وهو ما يقول إنه جاء بهدف إصلاح القوة من الداخل بعد أن تعرض للضرب على يد رجال الشرطة في سن الخامسة عشرة، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
ونجح في الترشح لمجلس شيوخ ولاية نيويورك في عام 2006. وبعد سبع سنوات، تم انتخابه رئيساً لمنطقة بروكلين ليصبح أول رئيس أسود للمنطقة.
كان إريك آدامز نجماً صاعداً في الحزب الديمقراطي، وكان يتمتع بشعبية بين الناخبين السود واللاتينيين من الطبقة المتوسطة، حيث تولى مسؤولية أكبر مدينة في الولايات المتحدة خلال العام 2022، وهو ثاني شخص أسود يتم انتخابه عمدة لنيويورك التي يبلغ عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة.
اقرأ أيضاً: نيويورك في الصدارة.. ما هي أغلى مدن العالم من حيث تكاليف المعيشة؟
بداية المشكلة
بحسب تقرير سابق للغارديان، ورد أن آدامز زار المطعم الإيطالي "أوستريا لا بايا" ـ الذي يملكه شقيقان لهما سوابق في ارتكاب جرائم جنائية ـ 14 مرة في شهر واحد، وأنه جعله مكاناً غير رسمي للقاءاته.
وأشار التقرير إلى أن آدامز وظف شقيقه الأصغر برنارد كرئيس لحرسه الشخصي، مما أثار اتهامات بالمحسوبية. ولم يكن من الواضح في الأيام الأولى لإدارته ما إذا كان يمتلك منزلاً في المدينة.
وسرعان ما بدأت التقارير تتداول بأن السلطات الفدرالية كانت تدقق في كيفية منح العقود للمدينة، بما في ذلك الكيفية التي تمت بها الموافقة السريعة على توسعة القنصلية التركية على الرغم من مخاوف إدارة الإطفاء. ثم كانت هناك تساؤلات حول ما إذا كان شقيقه التوأم، وهو من أصحاب الحياة الليلية، قد استفاد من علاقاته الداخلية.
وتعود جذور الأزمة الكبيرة التي يواجهها آدامز حالياً إلى شهر سبتمبر/ أيلول الماضي عندما داهمت السلطات الفدرالية منزله، وتم توجيه تهم إليه بالرشوة والاحتيال وطلب التبرعات غير القانونية للحملات الانتخابية الأجنبية، والتآمر كجزء من مخطط يشمل الحكومة التركية، بحسب صحيفة فايننشال تايمز.
دفع آدمز ببراءته. لكن التهم أحدثت ثغرة في معدلات تأييده وألحقت الضرر بفرص إعادة انتخابه. وفشل كبار الديمقراطيين بشكل واضح في الالتفاف حوله ودعمه مع تدهور مكانته في الحزب بشكل حاد بعد أن انتقد علناً سياسات الهجرة التي انتهجها الرئيس السابق جو بايدن، واشتكى في العام 2023 من أن تدفق 100 ألف طالب لجوء دفع سكان نيويورك "إلى ما بعد نقطة الانهيار".
اهتزت سمعته منذ ذلك الحين، لكنها أصبحت حالياً في حالة يرثى لها، مع اتهامات المنتقدين له بمحاولة إنقاذ نفسه "من خلال بيع نفسه للرئيس دونالد ترامب".
ويقول منتقدو آدامز إنه دخل في ميثاق "فاوستي" مع إدارة ترامب من خلال الموافقة على اتخاذ إجراءات صارمة ضد الهجرة غير الشرعية في مقابل إسقاط تهم الفساد الفدرالية ضده.
أنكر آدامز حدوث هذا الأمر. لكن حلفاءه الديمقراطيين السابقين يتهمونه بوضع مصالحه الخاصة قبل مصالح سكان نيويورك ويخشون أن يكون الآن مديناً للرئيس الجمهوري. ويطالبه الكثيرون بالاستقالة.
اقرأ أيضاً: 75 مليار دولار غرامات منتظرة على شركات الوقود الأحفوري في نيويورك
التحالف مع ترامب
في العام الماضي، اكتسب آدامز حليفاً غير متوقع وهو دونالد ترامب، الذي ذكر أثناء حملته الانتخابية إن آدامز يعاقب على موقفه الصارم بشأن أزمة المهاجرين.
وقال ترامب في حفل عشاء خيري في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي: "أعرف كيف يكون الشعور بالاضطهاد من وزارة العدل بسبب التحدث ضد الحدود المفتوحة"، مما أثار تكهنات بأنه في حال فوزه، فقد يعفو عن آدامز إذا أدين.
وأثار آدامز هذه الشائعات بالسفر إلى فلوريدا في يناير/ كانون الثاني لمقابلة ترامب بالقرب من مجمع "مار إيه لاغو" الخاص به، وهي خطوة غير عادية بالنسبة لسياسي ديمقراطي. كما حضر حفل تنصيب الرئيس.
قضية آدامز.. استخدام وزارة العدل في أغراض سياسية؟
في تحول كبير الأسبوع الماضي، أمر نائب المدعي العام بالإنابة إميل بوف، محامي الدفاع الجنائي الشخصي السابق لترامب والذي أصبح الآن الرجل الثاني في وزارة العدل، بإسقاط التهم الموجهة إلى آدامز، بحسب فايننشال تايمز.
وكتب بوف أن المدعين العامين "قيدوا بشكل غير ملائم قدرة رئيس البلدية آدامز على تخصيص كامل الاهتمام والموارد للهجرة غير الشرعية والجرائم العنيفة"، وأضاف أن القضية ستتم إعادة النظر فيها بعد الانتخابات البلدية في نوفمبر/ تشرين الثاني.
أثارت مذكرة بوف غضب المراقبين القانونيين، الذين قالوا إن ترامب يستخدم وزارة العدل لتعزيز أجندته السياسية. وقال مايكل وينشتاين، محامي المحاكمات السابق في وزارة العدل والذي يعمل حالياً في شركة المحاماة، Cole Schotz، إن الوزارة كانت توجّه رسالة مفادها أنها تريد "تمركز كل قرار في كل تحقيق وكل قضية ادعاء في جميع أنحاء البلاد".
وأضاف: "يشعر كل مكتب من مكاتب المدعين العامين في الولايات المتحدة وكأن استقلاله يتعرض للتحدي وتقييد تقديره"، واصفاً ذلك بأنه "سابقة سيئة للبلاد".
اقرأ أيضاً: نيويورك تحظر تطبيق DeepSeek على الأجهزة الحكومية
استقالات اعتراضية
بدلاً من الامتثال لأمر الرجل الثاني في وزارة العدل، استقالت المدعية العامة الأميركية للمنطقة الجنوبية من نيويورك، دانييل ساسون، وقالت إن رفض التهم سيكون "سابقة مذهلة وخطيرة". وتبعها ستة مدعين عامين آخرين.
يتمتع مكتب المدعي العام للمنطقة الجنوبية، والذي يعد من بين أقوى المكاتب في البلاد، بسمعة طيبة في الاستقلال ومقاومة التدخل من واشنطن، ولم يفاجأ الكثيرون برد فعل ساسون.
وقال هانك شينكوبف، وهو استراتيجي سياسي: "إنه (المكتب) جوهرة نظام المدعي العام الفدرالي. إنه مزيج بين طائفة وأخوية ودين - لذا فإن أي محاولة للمساس بنزاهته ستجعل الأشخاص الذين يخدمون هناك غاضبين جداً".
وقالت ساسون في رسالة أرسلتها الأسبوع الماضي إلى المدعي العام بام بوندي، المعين من ترامب، إن محاميي آدامز اقترحوا "مقايضة": بأن يتم رفض التهم الموجهة إلى العمدة "في مقابل مساعدته في إنفاذ قوانين الهجرة الفدرالية".
وذكرت أن مذكرة بوف تركت أيضاً الباب مفتوحاً لإحياء التهم الموجهة إلى آدامز و"تهديده ضمناً بملاحقته قضائياً في المستقبل" إذا كان البيت الأبيض غير راضٍ عن إنفاذه لقوانين الهجرة.
اقرأ أيضاً: وزارة العدل الأميركية تطرد المسؤولين المشاركين في ملاحقة ترامب قضائياً
سيف على رقبة آدامز
كان هذا الجانب من الصفقة المزعومة هو الذي أثار غضب العديد من المراقبين القانونيين. قال الخبير في أخلاقيات الحكومة في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا، ريتشارد بريفولت: "في الواقع، إنهم يحملون سيفاً على رأس العمدة". "الطريقة التي قرأ بها الناس هذا الأمر كانت: طالما أنه متعاون فلن يرفعوا القضية ضده، ولكن إذا لم يكن كذلك، فيمكنهم رفعها مجدداً".
في يوم الأربعاء، مثل بوف أمام قاضٍ أميركي في جنوب مانهاتن الذي سينظر في الاقتراح بإسقاط التهم. ووصف نائب المدعي العام بالنيابة طلبه بأنه "ممارسة اعتيادية للسلطة التقديرية للادعاء"، مؤكداً أن لائحة الاتهام ضد العمدة أثرت سلباً على "أهداف ترامب المتعلقة بالأمن القومي والهجرة".
كما مثل آدامز أمام المحكمة، وأنكر تحت القسم أنه أبرم صفقة مع المدعين العامين. وقال أيضاً إنه يفهم أن التهم الموجهة إليه يمكن إحياؤها. وقال "لم أرتكب جريمة، ولا أرى أنهم سيعيدونها".
وقال محاميه أليكس سبيرو إن المقايضة "لم تحدث أبداً".
بينما قال قاضي المحكمة الجزئية الأميركية، ديل هو، إنه سيأخذ بعض الوقت للنظر في طلب من ممثلي الادعاء، وأضاف أنه يريد اتخاذ قرار معقول بشأن "موقف غير عادي إلى حد ما"، بحسب وكالة رويترز.
اقرأ أيضاً: مستشار سابق لترامب يقر بالذنب في قضية احتيال.. والمحكمة تصدر قرارها
انهيار الدعم ودعوات للاستقالة
على الرغم من نفي آدمز، فإن الصخب الذي يطالبه بالاستقالة يتزايد، حيث استقال أربعة من نوابه هذا الأسبوع في إشارة إلى انهيار الدعم من داخل إدارته.
وقالت المتحدثة باسم مجلس المدينة، والتي لا تربطها صلة قرابة بالعمدة، أدريان آدامز،: "هذه الاستقالات هي تتويج لأفعال وقرارات العمدة التي أدت إلى شهور من عدم الاستقرار والآن تعرض سيادة المدينة للخطر، وتهدد بالفوضى، وتهدد عائلاتنا". ودعته إلى "إعطاء الأولوية لمدينة نيويورك وسكان نيويورك ... والاستقالة".
وطالب آخرون حاكمة ولاية نيويورك الديمقراطية، كاثي هوشول، بإقالة آدامز، لكنها أعلنت يوم الخميس، أنها لن تقيله ولكنها ستزيد بدلاً من ذلك من الرقابة على مكتب العمدة.
وقالت هوشول: "إن نيويورك تواجه تهديداً خطيراً من واشنطن. إن إدارة ترامب تحاول بالفعل استخدام الخطر القانوني الذي يواجهه عمدتنا كوسيلة للضغط على مدينتنا ومعاقبتها".
أدت تلك المزاعم بشأن تحركات بوف إلى تقويض ثقة العديد من سكان نيويورك في عمدتهم. ويخشى البعض أنه بموافقته على مساعدة حملة ترامب على الهجرة، سينتهي به الأمر إلى التنازل عن القوانين المحلية، ووضع نيويورك كـ "مدينة ملاذ"، والتي تحظر على المسؤولين المحليين مساعدة وكلاء الهجرة الفدراليين في فرض قانون الهجرة.
وقال ريتشارد بريفولت: "تُظهر هذه الصفقة أن آدامز على استعداد لبيع سلطته المستقلة والقوانين التي تبنتها المدينة نفسها للاحتفاظ بمنصبه".
كان آدامز يسعى للفوز بفترة ولاية ثانية في الانتخابات المقرر إجرائها في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، لكنه ذلك ربما أصبح هدفاً بعيد المنال في ظل التطورات الأخيرة المرتبطة به.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي
ملف تعريف الارتباط هو نص صغير يتم إرساله إلى متصفحك من الموقع الإلكتروني الذي تتم زيارته. ويساعد هذا الملف الموقع الإلكتروني في تذكّر معلومات عن زيارتك، ما يسهّل زيارة الموقع مرّة أخرى ويتيح لك الاستفادة منه بشكل أفضل.