تزامناً ما يعانيه الاقتصاد الروسي من ظروف صعبة وعقوبات غربية مشددة، دخلت موسكو في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية من أجل استكشاف فرص جديدة من أجل إنهاء الحرب الروسية والأوكرانية والتي كبدت روسيا خسائر اقتصادية كبيرة رغم تقدمها على الأرض.
ومع إتمام المعركة عامها الثالث يوم الاثنين 24 فبراير/ شباط، ربما لم تخطط روسيا لاستمرار الحرب هذه الفترة الطويلة دون أن تحقق أهدافها منها، بينما ساهم بذلك بشكل أساسي الدعم الغربي لأوكرانيا، والعقوبات في المقابل على موسكو مما ينعكس سلباً على الاقتصاد وإن كان ذلك ليس بالقوة المتوقعة في ظل توافر بعض البدائل للهروب من العقوبات ودعم الاقتصاد، لكن الغرب يراهنون على طول النفس والتأثير على المدى الطويل.
شهدت يوم الثلاثاء 18 فبراير عقد أول محادثات رسمية بين روسيا والولايات المتحدة حول إنهاء الحرب في أوكرانيا في العاصمة السعودية، وسط انتقادات أوكرانيا وأوروبية في ظل غيابهما عن المحادثات واختلافهما مع منهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المفاوضات وسط مخاوف بأن يحدث هذا التقدم على حساب كييف والأمن الأوروبي.
وأعرب ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عن أملهما في عقد اجتماع خلال وقت قريب لبحث سبل إنهاء النزاع.
اقرأ أيضاً: روسيا وأميركا تتفقان على تأسيس عملية لتسوية الصراع في أوكرانيا
في إشارة للمخاوف من التحديات التي يواجهها الاقتصاد الروسي في ظل الحرب والعقوبات، ارتفعت عملة الروبل الروسية خلال تعاملات الأيام الماضية إلى أعلى مستوياتها مقابل الدولار الأميركي واليورو منذ شهر أغسطس/ آب 2024، في ظل الخطوات المتسارعة للتقارب بين واشنطن وموسكو والتي أحيت الآمال الروسية في رفع العقوبات الأميركية.
كيف تؤثر الحرب على الاقتصاد في ذكراها الثالثة؟
تستنزف الحرب الطاحنة أكثر من 40% من الإنفاق الروسي في الوقت الحالي، بحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية، وارتفعت الأسعار بشكل كبير خاصة السلع الأساسية وزيادة أسعار الكهرباء بنحو 250%، واقترب معدل التضخم من مستوى 10% والذي لم يصل إليه منذ بدايات العام 2023. كما وصلت معدلات الفائدة لمستوى مرتفع عند 21%.
وأشارت الصحيفة إلى عدد من التأثيرات الاقتصادية للحرب والعقوبات على روسيا منها تجميد أكثر من 600 مليار دولار من احتياطيات موسكو من العملات الأجنبية في البنوك الغربية (وسط حديث عن احتمال تنازلها عن نصفها لإعادة إعمار أوكرانيا في حالة التوصل لاتفاق سلام)، إلى جانب انسحاب أكثر من 1000 شركة غربية ومنها شركات تصنيع السيارات، ودخول الواردات من السلع الغربية بشكل مكلف عبر دول مجاورة لموسكو مثل كازاخستان وجورجيا.
وبينما تنعقد الآمال على تخفيف العقوبات الغربية خاصة الأميركية منها، فإن فشل الكرملين في إنهاء اعتماد البلاد على الأسعار المتقلبة للنفط والغاز لتوفير الخدمات العامة قد يجعل للتوصل إلى اتفاق سلام بشكل ربما لا يرضي أوروبا تأثيراً طفيفاً على الاقتصاد بخلاف تلك الآمال.
فمن غير المرجح أن يقوم أكبر المستخدمين في أوروبا، حتى لو قبلوا اتفاق السلام المقترح من ترامب، بإعادة استيراد الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب المتوقفة بنفس القوة، أو شراء النفط الروسي، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ويترك ذلك روسيا للاعتماد على دول مثل الصين والهند لشراء النفط والغاز على المدى الأطول، بحسب الصحيفة التي لا ترجح أن يكون ذلك كافياً لخروج الاقتصاد الروسي من تداعيات تلك التغيرات.
اقرأ أيضاً: هل يؤثر وقف إطلاق النار المحتمل في أوكرانيا على تدفقات النفط الروسي؟
هل اقتربت مرونة الاقتصاد الروسي من النهاية؟
أظهر الاقتصاد الروسي مرونة خلال السنوات الثلاثة الماضية مع تعرض له، لكن تقرير لوكالة رويترز، أشار إلى أنه يواجه تحديات كبرى في 2025، خاصة مع عوامل سلبية متعددة تلعب دوراً في نفس الوقت، وفقاً لخبراء اقتصاد.
ونقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن وزير الاقتصاد الروسي، ماكسيم ريشيتنيكوف، قوله، يوم الاثنين الماضي، إن اقتصاد بلاده أظهر أولى علامات التباطؤ مع انخفاض المبيعات والطلبيات في قطاعات مختلفة مع ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم.
كما كشفت وثائق تم إعدادها من أجل مناقشة حكومية داخلية هذا الشهر، عن أن تراجع أسعار النفط، والقيود على الميزانية، وزيادة الديون المتعثرة للشركات من بين المخاطر الاقتصادية الرئيسية التي تواجهها موسكو، خاصة في ظل احتمالات بقفزة لإنتاج النفط الأميركي وأيضاً أوبك وهو ما قد ينعكس على الأسعار بالانخفاض.
تمثل تلك المشكلات الاقتصادية عاملاُ مهماً قد يدفع روسيا إلى العمل على التقدم في المفاوضات لإنهاء الحرب مع أوكرانيا، وقال نائب محافظ البنك المركزي السابق أوليغ فيوجين، في تصريحات خلال الشهر الماضي: "روسيا مهتمة بالتوصل إلى حل دبلوماسي للصراع في أوكرانيا على أساس الاعتبارات الاقتصادية".
اقرأ أيضاً: روسيا تضفي طابعاً اقتصادياً على المحادثات مع أميركا في السعودية
أبرز التحديات الرئيسية للاقتصاد الروسي في 2025
1- التضخم
وصل معدل التضخم السنوي في روسيا إلى 9.5% خلال العام 2024، مدفوعاً بالإنفاق العسكري والأمني المرتفع، والذي من المقرر أن يمثل 41% من إجمالي إنفاق ميزانية الدولة في العام 2025، وإعانات الدولة على القروض، ونمو الأجور المتصاعد وسط نقص العمالة، بحسب وكالة رويتر.
في آخر 15 سنة، لم يرتفع التضخم في روسيا إلا خلال العام 2022، بعد اندلاع الحرب بين موسكو وكييف، وخلال الأزمة الاقتصادية في 2014-2015 التي أعقبت ضم شبه جزيرة القرم.
ويتصدر التضخم قائمة المشكلات الاقتصادية في استطلاعات الرأي العام، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الزبدة والبيض والخضروات بنسبة من رقمين خلال العام الماضي.
ويؤثر ارتفاع التضخم على دخول الفئات الأكثر ضعفاً، مع تراجع المعاشات التقاعدية الحقيقية بنسبة 0.7% خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
يواجه البنك المركزي الروسي التضخم برفع معدلات الفائدة. وقال بوتين إن معدلات الفائدة لا يجب أن تكون الوسيلة الوحيدة لمكافحة التضخم، داعياً الحكومة إلى ضمان إمدادات مستقرة من السلع والخدمات للحد من نمو الأسعار.
2- معدلات الفائدة
رفع البنك المركزي الروسي معدلات الفائدة إلى 21% في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، وهو أعلى مستوى منذ السنوات الأولى لحكم بوتين، عندما كانت روسيا تتعامل مع الفوضى التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي.
وتوجه انتقادات لمعدلات الفائدة المرتفعة بأنها تضر بالقطاعات المدنية من الاقتصاد. ويقول كبار قادة الأعمال إن الاستثمار توقف مع وصول تكلفة رأس المال الحالية إلى حوالي 30%، وهامش الربحية إلى ما لا يزيد عن 20% بمعظم القطاعات.
وتزيد معدلات الفائدة المرتفعة من مخاطر إفلاس الشركات، وخاصة في القطاعات الضعيفة مثل العقارات، التي تضررت من التدابير الرامية إلى إبطاء الإقراض، بما في ذلك وقف دعم قروض الإسكان الحكومية.
اقرأ أيضاً: روسيا تثبت سعر الفائدة وسط التفاؤل باتصال بين ترامب وبوتين
3- تباطؤ النمو
تتوقع الحكومة الروسية تباطؤ معدلات نمو اقتصاد البلاد إلى 2.5% في العام 2025 مقابل حوالي 4% في العام 2024 نتيجة للتدابير الرامية إلى تهدئة الاقتصاد المحموم، في حين يتوقع صندوق النقد الدولي نمواً لاقتصاد روسيا بنسبة 1.4% هذا العام.
أشارت مؤسسة TsMAKP الاقتصادية المؤيدة للحكومة إلى أن العديد من القطاعات الصناعية خارج قطاع الدفاع تعاني من الركود منذ العام 2023، مما أثار احتمالات الركود التضخمي، وهو مزيج من التضخم المرتفع والركود الاقتصادي.
ويتفاقم الوضع بسبب النقص الحاد في العمالة، والذي نشأ نتيجة لانضمام مئات الآلاف من الرجال الروس إلى الجيش أو خروجهم من البلاد، وهو ما جعل هذا النقص عائقاً رئيسياً أمام النمو الاقتصادي.
ويأتي ذلك وسط تحذيرات من خطر استمرار ضخ الأموال في القطاعات المرتبطة بالدفاع بالمعدلات الحالية والذي يخلق اختلالات في الاقتصاد بما قد يؤدي إلى عمليات ركود أو إفلاس.
4- عجز الميزانية
سجلت روسيا عجزاً في الميزانية 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام 2024، في حين استُنفد صندوق الثروة الوطنية في البلاد، المصدر الرئيسي لتمويل العجز، بمقدار الثلثين خلال فترة الحرب.
رفعت الحكومة الضرائب لخفض العجز إلى 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام 2025، لكن عائداتها قد تنخفض أيضاً بسبب أحدث عقوبات الطاقة الأميركية، المستهدفة لقطاع النفط والغاز في روسيا.
ويرى بعض الخبراء أن الحكومة لن يكون لديها خيار سوى زيادة الضرائب بشكل أكبر في حالة استمرار الإنفاق العسكري عند نفس المستوى.
5- تقلب الروبل
انخفض الروبل إلى أقل مستوياته منذ مارس/ آذار 2022 خلال نوفمبر الماضي، بعد أشهر من التقلبات المرتبطة بتأثير العقوبات الغربية، التي أعاقت المعاملات الدولية لروسيا وعطلت تدفقات العملات الأجنبية. لكنه شهد ارتفاعاً ملحوظاً خلال الأيام الأخيرة مع انطلاق المفاوضات الأميركية الروسية.
ورغم أن ضعف الروبل خلال الشهور والسنوات الأخيرة يساعد الحكومة في تقليص العجز في الموازنة، فإنه من المتوقع أن يؤدي إلى زيادة التضخم في الأمد المتوسط، مما يزيد من تكلفة السلع المستوردة.
تحولت سوق الصرف الأجنبي في روسيا بسبب العقوبات، حيث أصبح اليوان الصيني العملة الأجنبية الأكثر تداولاً، في حين انتقلت التجارة بالدولار واليورو إلى سوق غير شفافة خارج البورصة.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي