في الطريق نحو "الدستور".. هل تستفيد سوريا من "تجارب الماضي القريب"؟

نشرالاثنين، 3 مارس 2025 | 10:25 مساءً
آخر تحديث الأربعاء، 5 مارس 2025 | 10:12 مساءً

استمع للمقال
Play

بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بدأت السلطات الجديدة في سوريا بقيادة أحمد الشرع، في ترتيب المرحلة الانتقالية، للإعداد لمستقبل البلد والمضي قدماً في خطوات بناء النظام السياسي والاقتصادي وتهيئة البيت الداخلي.

واحدة من أهم الخطوات في هذا السياق كان تشكيل لجنة لصياغة مسودة الإعلان الدستوري، وهي لجنة مُكونة من سبعة أعضاء (من بينهم سيدتين). وتتكون اللجنة من كل من عبد الحميد العواك، ياسر الحويش، إسماعيل الخلفان، ريعان كحيلان، محمد رضى جلكي، أحمد قربي، بهية ماركني.

وفيما لم تُحدد مُدة عمل اللجنة لإنجاز المهام المنوطة بها في سياق طرح إعلان دستوري يُنظم المرحلة المقبلة في البلاد، فإن تلك الخطو ينظر إليها مراقبون باعتبارها حاسمة وكاشفة لسياق اليوم التالي في سوريا، وطبيعة تعاطي المجتمع مع التحولات التي تشهدها البلاد، في اختبار حقيقي لمدى التوافق الداخلي سيخضع له الشارع السوري بعد انتهاء اللجنة من عملها.

وكان الشرع -الذي أعلن نفسه رئيساً للمرحلة الانتقالية في البلاد- قد قال إن  سوريا تحتاج فترة من أربع إلى خمس سنوات من أجل تنظيم انتخابات جديدة.

ويمضي السوريون في خطوات -محفوفة بالمخاطر والتحديات- في سياق بناء الدولة. وكان البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني قد وضع خطوطاً عريضة لبناء الدولة الجديدة، تضمنت أهمية تحقيق العدالة الانتقالية وترسيخ قيم الحرية وحصر السلاح بيد الدولة.

وكان من بين بنود البيان الدعوة إلى "تشكيل لجنة دستورية لإعداد مسودة دستور دائم للبلاد، يحقق التوازن بين السلطات، ويرسخ قيم العدالة والحرية والمساواة، ويؤسس لدولة القانون والمؤسسات".

اقرأ أيضاً: الدعوة إلى رفع العقوبات الدولية أبرزها .. ماذا جاء في البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري؟


تُواجه إعداد وصياغة دستوري سوري عديداً من الصعوبات والتحديات المجتمعات، من بينها التباينات السياسية والاجتماعية، فيما يتعلق باختلاف الأهداف بين التيارات، علاوة على تفاوت التصورات الشعبية حول مفهوم الحكم والمرجعية القانونية، في خطٍ متوازٍ كذلك مع النسيج السكاني المختلف. وربما تحديات خارجية أيضاً مرتبطة بتداخل مصالح القوى الإقليمية والدولية.

دروس الماضي القريب تؤكد أن السوريين أمام ميلاد صعب للدستور الجديد، ومرحلة قد تشهد تجاذبات واسعة، بالنظر إلى ما حدث فيما يتعلق بتجربة مصر وتونس، وحتى تجربة ليبيا التي لم تُبصر دستوراً بعد منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي.

تجربة تونس

بعد سقوط نظام زين العابدين علي، في تونس، في العام 2011 في مُستهل ما عُرف بـ "ثورات الربيع العربي"، تم تعليق الدستور القديم (دستور العام 1959) ووضع "دستور مؤقت للبلاد" حتى الإنتهاء عملية صياغة دستور جديد ليكون الدستور الثالث في التاريخ المعاصر للبلد (بعد دستوري 1861 و1959).

استغرقت عملية صياغة الدستور الجديد نحو ما يقرب من ثلاثة أعوام، إذ لم ير الدستور النور إلا في يناير/ كانون الثاني من العام 2014 بعد تصديق المجلس الوطني التأسيسي التونسي (الذي انُتخب في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2011) عليه.
والمجلس الوطني التأسيسي، المكون من 217 عضواً، هو مجلس تم انتخابه من قبل التونسيين في انتخابات أجريت في أكتوبر/ تشرين الأول 2011. وقد فازت حركة النهضة بالنصيب الأكبر من المقاعد.

خلال تلك الفترة التي امتدت لقرابة الثلاثة أعوام كانت النقاشات تدور بشكل أساسي حول شكل وطبيعة الحكم، وهي النقاشات التي قادها المجلس الوطني. وقد شهدت تلك الفترة انقساماً بين الأحزاب السياسية، وخاصة بين حركة "النهضة" ذات التوجه الإسلامي والأحزاب المدنية واليسارية، حول قضايا جوهرية مثل دور الدين في الدولة، الحريات الفردية، والمساواة بين الجنسين.

ويشار إلى أن دستور العام 2014 قد تم استبدال دستور جديد به لاحقاً، في العام 2022،  بعد استفتاء شعبي في 25 يوليو/ تموز 2022، بمبادرة من الرئيس قيس سعيّد، في إطار سلسلة من الإجراءات الاستثنائية التي بدأها في 25 يوليو 2021، عندما علّق عمل البرلمان وأقال الحكومة.

تجربة مصر

بينما في مصر، وبعد 25 يناير 2011 وسقوط النظام آنذاك، عطّل المجلس العسكري -الذي تولى إدارة البلد بعد تنحي حسني مبارك- العمل بدستور العام 1971  (الذي كان يرسخ لسلطات واسعة لرئيس الجمهورية) وذلك في 13 فبراير/ شباط 2011، ضمن خطوات لإعادة هيكلة المشهد والنظام السياسي.

بعد ذلك أجري استفتاء على "إعلان دستوري" يُنظم المرحلة الانتقالية، في 19 مارس/ آذار 2011، تضمن تعديل عدد من المواد الدستورية، من خلال لجنة قانونية مختصة لصياغتها. وصدر الإعلان في 30 مارس متضماً  63 مادة تنظم خلالها السلطات العامة، وبما منح المجلس العسكري صلاحيات واسعة، خاصة في التشريع وإدارة الفترة الانتقالية.

وقد أثير لغط واسع بالشارع المصري بشأن الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، وسط خلافات واسعة بين قوى التيارين الإسلامي والمدني.

ولاحقاً - بعد انتخاب البرلمان في 2011-2012- في يونيو/ حزيران 2012، أصدر المجلس العسكري إعلاناً مكملاً بعد حل البرلمان بحكم صادر عن المحكمة الدستورية، وقد اعتبر مقيداً للرئيس القادم، كما أنه أقر تحصين أعضاء المجلس العسكري من العزل لحين إقرار الدستور الجديد، علاوة على مباشرة المجلس مهام التشريع وإقرار الموازنة لحين انتخاب مجلس الشعب الجديد، وصلاحيات أوسع في صياغة الدستور.

بعد إجراء الانتخابات الرئاسية وفوز محمد مرسي في 30 يونيو، ألغى الأخير الإعلان الدستوري المكمل في أغسطس/ آب 2012. وبعد 30 يونيو/ حزيران 2013 والإطاحة بمرسي، تم تشكيل لجنة لصياغة الدستور اشتُهرت بـ "لجنة الخمسين" برئاسة وزير الخارجية الأسبق والأمين العام الأسبق للجامعة العربية، عمرو موسى. وقد طُرح الدستور للاستفتاء في يناير 2014، وتمت الموافقة عليه بنسبة 98.1% من الأصوات.  ويشار إلى أن الدستور تم تعديله بعد ذلك في 2019 في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

تجربة ليبيا

أما بالنسبة للسيناريو الليبي بعد العام 2011، فيعكس حالة معقدة من حالات الاتفاق السياسي المتعثر في ظل صراعٍ ممتد منذ سقوط نظام معمر القذافي، وفي وقت سلكت فيه البلاد مساراً طويلاً ومضطرباً لصياغة الدستور.

في العام 2014، تم انتخاب هيئة تأسيسية لصياغة مشروع الدستور، غير أنها واجهت انقسامات حادة على وقع الصراع المستمر بين الشرق والغرب، والخلافات بشأن قضايا مختلفة؛ من بينها خلافات حول نظام الحكم والهوية الوطنية، والحقوق الثقافية للأقليات.
وبعد صعوبات، أُنجزت مسودة دستور (في العام 2017) ركزت على النظام الرئاسي واللامركزية، وتوزيع الثروات، وضمان الحقوق والحريات، لكن المشروع أثار خلافات واسعة، خاصة بين القوى السياسية والمناطقية، ورفضته بعض الأطراف التي رأت أنه لا يمثلها.

وحتى الآن لم يُتفق على الدستور، في ظل غياب توافق سياسي حقيقي بين الأطراف الليبية، مما يعرقل أي محاولة لترسيخ دستور يضع أساسًا للاستقرار.

اقرأ أيضاً: الشرع: سوريا بحاجة إلى قرارات جريئة تعالج مشكلاتها ولو كانت مؤلمة وصادمة

تعقيدات

وفي تجربة أخرى شهدت كثيراً من جوانب التعقيد، يمكن الإشارة إلى  عملية صياغة دستور جنوب إفريقيا، والتي مرت بمرحلتين رئيسيتين واستغرقت 6 سنوات تقريباً.

بعد مفاوضات صعبة بين الأحزاب السياسية، تم اعتماد دستور مؤقت عام 1993، والذي حدد الإطار القانوني للانتقال الديمقراطي، ومهد الطريق لأول انتخابات ديمقراطية في 1994.

وبعد فوز "المؤتمر الوطني الإفريقي" بزعامة نيلسون مانديلا، بدأت الجمعية التأسيسية المنتخبة العمل على صياغة الدستور الدائم. هذه العملية استغرقت عامين من النقاشات والمداولات، إلى أن تم اعتماد الدستور النهائي في 8 مايو/ آيار 1996، ودخل حيز التنفيذ في 4 فبراير 1997.

استغرقت الرحلة من بداية المفاوضات في 1990 إلى إقرار الدستور النهائي حوالي 6 سنوات، لكن المرحلة الرسمية للصياغة بعد الانتخابات استغرقت عامين.

يعكس ذلك المسار الصعب الذي تواجهه عملية صياغة الدساتير بعد الأحداث الفاصلة في المجتمعات المختلفة، سواء الثورات أو الحروب.. فإلى أي مدى يمكن لسوريا تقديم تجربة جديدة مستفيدة من "دروس وعبر الماضي"؟

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

أخبار ذات صلة

الأكثر قراءة

الأكثر قراءة

سياسة ملفات الارتباط

ملف تعريف الارتباط هو نص صغير يتم إرساله إلى متصفحك من الموقع الإلكتروني الذي تتم زيارته. ويساعد هذا الملف الموقع الإلكتروني في تذكّر معلومات عن زيارتك، ما يسهّل زيارة الموقع مرّة أخرى ويتيح لك الاستفادة منه بشكل أفضل.