▪️ مسؤولة في "مسد" لـ CNBC عربية: تحذير من "مقاربات تعكس استمرارية سياسات التهميش والاقصاء والتفرد بالسلطة كما النظام السابق"
▪️ المبعوث الهولندي السابق إلى سوريا لـ CNBC عربية: "شكل جديد من السلطوية تكشف عنه مسودة الإعلان الدستوري الجديد"
شهدت سوريا تطورات دراماتيكية مُتسارعة خلال الأشهر الأخيرة، بدءاً من سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وصولاً إلى سلطات جديدة طامحة لإرساء الأمن والاستقرار في البلاد، تجابه جُملة من التحديات والجروح المفتوحة، والتي تتطلب مداواتها "مشرط جراح" يُراعي الأبعاد المُتداخلة لتلك الأزمات والجراح العميقة التي خلفتها عقود من حكم آل الأسد.
ومع مُضي السلطات السورية الجديدة -بقيادة الرئيس أحمد الشرع- قدماً في ترتيب الأوراق لكسب ثقة الداخل والخارج، في سباق مع الزمن من أجل التعاطي معالجة الاختلالات الراهنة وحلحلة الأزمات المختلفة، كانت الأيام القليلة الماضية ثريّة بالتطورات، لا سيما بعد أن شهدت المحطة العملية الأولى لترتيب المرحلة الانتقالية بشكل مُنظم، من خلال سد الفراغ التشريعي عبر إعلان دستوري أفرزته لجنة مختصة مُكلفة لهذا الغرض.
الإعلان الذي يُنظم المرحلة المقبلة، والذي وقع مسودته الرئيسية الرئيس الشرع يوم الخميس 13 مارس/ آذار، يتضمن 53 مادة، ويقدر عمر المرحلة الانتقالية بخمس سنوات تبدأ من تاريخ نفاذ هذا الإعلان الدستوري. وتنتهي بعد إقرار دستور دائم للبلاد وتنظيم انتخابات وفقاً له. وتشمل بنود الإعلان الدستوري أحكاماً عامة والحقوق والحريات، وطبيعة نظام الحكم خلال المرحلة الانتقالية.
أثار الإعلان عن مسودة الإعلان الدستوري ردود أفعال متباينة، لم تخل من الانتقادات، رأى أصحابها أنه بُني من خلال فصيل واحد، ولا يمثل بالضرورة كل السوريين. علاوة على انتقادات لاحقت بعض بنوده، بما في ذلك سلطات الرئيس.
سبق خطوة الإعلان الدستوري، وضمن مساعي السلطات السورية لحلحلة الأزمات الداخلية وتوفيق أوضاعها، اتفاقٌ وُصف بـ "التاريخي" مع قوات سوريا الديمقراطية -المسيطرة في مناطق شمال وشرق سوريا- من أجل اندماج "قسد" في مؤسسات الدولة، وهو الاتفاق الذي بعثت السطات السورية من خلاله برسائل عملية لانفتاحها على الجميع، والتأكيد على ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة، مع وقف إطلاق النار على كل الأراضي السورية، ودمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن الدولة. كما ينص أيضاً على أن "المجتمع الكردي أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة حقوقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية.
ورغم الرسائل الإيجابية الواسعة التي خلفها ذلك الاتفاق، إلا أن الاتفاق في مجمله كان بشان "المبادئ العامة"، بينما التفاصيل التنفيذية والملفات الخلافية القائمة أحيلت للجان مختصة لحسمها. في الوقت الذي تثار فيه تساؤلات حول مدى استدامة الاتفاق، وما إن كان عرضة للتفكك في ظل اتساع الخلافات؟
لم يمر الكثير من الوقت حتى برزت أولى الملفات الخلافية على المشهد، بعد طرح الإعلان الدستوري، والذي أثار انتقادات داخل مناطق شمال وشرق سوريا بشكل خاص، عبّر عنها مجلس سوريا الديمقراطية "مسد" الذي يمثل الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية، في بيان رسمي نشره عبر معرفاته الرسمية عبر الإنترنت.
اعتبر المجلس أن مسودة الدستور تمثل "إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة، حيث تكرّس الحكم المركزي وتمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة، بينما تقيّد العمل السياسي وتجمّد تشكيل الأحزاب، مما يعطل مسار التحول الديمقراطي، كما تتجاهل المسودة غياب آليات واضحة للعدالة الانتقالية، مما يزيد تعميق الأزمة الوطنية".
فهل تكشف ردود الأفعال المتباينة عن "مقاربات" هشة قد تنهار تحت وطأة الخلافات الداخلية، وسط تحذيرات من "تفجر الأوضاع في سوريا" في أي لحظة؟ وما مدى قدرة السلطات الجديدة على احتواء الانقسامات وفرض رؤيتها الدستورية؟ وهل يشير هذا الإعلان إلى إعادة رسم موازين القوى أم أنه مجرد حلقة في سياق الصراع المستمر؟
المزيد من التفاصيل: مسودة الإعلان الدستوري الجديد في سوريا.. ما هي أهم البنود؟
إعادة إنتاج النظام!
"هذه المقاربات لن تجلب الحلول والاستقرار، بل على العكس من ذلك، حيث الاصرار على فرض لون الواحد والأحادية في اتخاذ القرارات وصبغها باللون الواحد يخالف خصائص وطبيعة المجتمع السوري وتطلعات شعبه في الكرامة والحرية التي ثار من أجلها"، بحسب ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية، ليلى موسى، في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية من القاهرة.
وتضيف: "موقفنا منذ البداية كان واضحاً بدءاً من عقد مؤتمر النصر وتشكيل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني وحتى لجنة الإعلان الدستوري مروراً بالإعلان الدستور".
من شأن تلك المقاربة المساهمة في "التشرذم بين مكونات المجتمع السوري.. كما يمكن اعتبارها استمرارية لسياسات التهميش والاقصاء والتفرد بالسلطة، كما النظام السابق"، وفق موسى، التي تشدد على أن "الإصرار على هذا النهج سيؤدي نحو المزيد من الاستبدادية والديكتاتورية.. وذلك عبر تكريس نظام حكم مركزي ومنح صلاحيات مطلقة للسلطات التنفيذية". وتعتقد بأن ما شهده الساحل السوري من أحداث دامية في أحد جوانبه الرئيسية "هي من نتائج سياسات الفرض والانكار والاقصاء".
وتوضح المسؤولة في "مسد" أنه "من الواضح أن الاعلان الدستوري كان معداً قبل الاتفاق بين قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني، والرئيس أحمد الشرع.. وبناء على ذلك كان من المفترض بعد الاتفاق أن يتم تعديل الإعلان بما يتماشى مع بنود الاتفاق".
وتُردف قائلة: "هذه العقلية والمقاربات تلقي بظلالها على اللحمة الوطنية والسلم الأهلي وعملية السلام والاستقرار.. وبناء على ذلك نرى أن أي إعلان دستوري يجب أن يكون نتاج توافق وطني حقيقي، وليس مشروعاً مفروضاً من طرف واحد".
ولمعالجة القصور في تقديرها، تدعو المسؤولة في "مسد" إلى التراجع عن هذه السياسيات عبر إعادة صياغة الإعلان بما يضمن توزيع السلطة بشكل عادل، ويضمن حرية العمل السياسي، والاعتراف بحقوق جميع المكونات السورية، واعتماد نظام حكم لا مركزي ديمقراطي، مع وضع آليات واضحة لتحقيق العدالة الانتقالية.
تضمنت مسودة الإعلان الدستوري لسوريا عدة بنود أساسية، أبرزها اعتماد الفقه الإسلامي كمصدر أساسي للتشريع، مع التأكيد على التزام البلاد بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي وقّعت عليها. كما نص الإعلان على الفصل التام بين السلطات، مشددًا على ضمان حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة.
وفيما يخص القضاء، أكد الإعلان على استقلاليته التامة، مع الإبقاء على اشتراط أن يكون الرئيس السوري مسلم الديانة. كما تطرقت المسودة إلى ضمان حق الملكية وحقوق المرأة، حيث كفل لها الحق في العلم والمشاركة في العمل والحقوق السياسية. أما فيما يتعلق بصلاحيات الرئيس، فقد نص الإعلان على أن مسألة عزله أو فصله أو تقليص سلطاته ستُترك لمجلس الشعب.
وقال الشرع عقب تسلمه مسودة الإعلان الدستوري الخميس: "نأمل أن يكون ذلك فاتحة خير للشعب السوري على طريق البناء والتطور"، بحسب وكالة الأنباء السورية "سانا". وأضاف "نتمنى أن يكون هذا تاريخ جديد لسوريا نستبدل به الجهل بالعلم والعذاب بالرحمة".
وفيما يخص رؤيتها للمرحلة القادمة، تضيف المسؤولة في مجلس سوريا الديمقراطية: "أن يكون هناك حوار وطني حقيقي وجاد يشمل كافة مكونات المجتمع السوري بعيد عن سياسات التهميش والاقصاء. وأن يكون هناك تمثيل عادل لجميع المكونات. تشكيل اللجان وفق آليات ومعايير واضحة وصريحة تعكس طبيعة وخصائص المجتمع السوري. وتشكيل حكومة انتقالية وفق نظام حكم لامركزي ديمقراطي شامل وجامع لكل مكونات المجتمع السوري. ووضع آليات واضحة لتحقيق العدالة الانتقالية".
دستور أحادي
من جانبه، يقول المبعوث الهولندي إلى سوريا سابقا، نيكولاس فان دام، في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية، إن مسودة الإعلان الدستوري الجديد "تم تحديدها بالكامل تقريباً من قبل أفراد عيّنهم قادة (هيئة تحرير الشام).. وهذا يعني أن الدستور الجديد، الذي وقّعه الرئيس أحمد الشرع، هو دستور أحادي الجانب لا يمثل جميع السوريين، بل يخدم فصيلاً معيناً فقط".
ويضيف: "لا يمكن الافتراض بأن الحكام الجدد، المنحدرين من (هيئة تحرير الشام) يمثلون السكان السنّة في سوريا. بل إنهم يشكلون أقلية سنّية صغيرة ضمن الأغلبية السنّية الواسعة في البلاد، فضلًا عن أنهم لا يمثلون الأقليات الدينية أو الإثنية السورية"، مشيراً إلى أن أي دستور يجب أن يكون ناتجاً عن توافق وطني حقيقي، وليس مشروعاً مفروضاً من قبل طرف واحد".
ومن ثم، يوضح أنه "تم تحديد الدستور الجديد من قبل أقلية صغيرة من السكان السوريين، وبالتالي من المؤكد أنه سيؤدي إلى شكل جديد من السلطوية، بدلاً من إقامة ديمقراطية يُفترض أن يكون فيها جميع السوريين متساوين".
ويعتقد فاندان بأن الإعلان الدستوري "يعكس انعدام الحياد الديني"، مشيراً إلى أن هذه الأحكام تثير مخاوف بين مختلف الفئات، لا سيما الأقليات الدينية والإثنية، بشأن احتمالات التهميش ومدى شمولية الإطار القانوني الجديد.
لكن المبعوث الهولندي إلى سوريا سابقا على الجانب الآخر، في الوقت نفسه يقول إنه على الصعيد النظري "يمكن للإدارة السورية الجديدة أن توجه البلاد نحو ديمقراطية شاملة"، لكن عملياً، يبدو أن الرئيس أحمد الشرع "يعتمد بشكل مفرط على أتباعه ذوي التوجهات الإسلامية، مما يجعل احتمال تحول النظام الجديد إلى شكل آخر من السلطوية أمراً وارداً للغاية. ومع ذلك، قد تحدث المعجزات"، على حد قوله.
▪️ دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع.
▪️ الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية وفقاً للقانون.
▪️ يحظر على أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية، ويحصر السلاح بيد الدولة.
▪️ المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، من دون تمييز بينهم في العرق أو الدين أو الجنس أو النسب.
▪️ يشكل رئيس الجمهورية لجنة عليا لاختيار أعضاء مجلس الشعب.. ويعين رئيس الجمهورية الوزراء ويعفيهم من مناصبهم ويقبل استقالتهم.
▪️ تحدد مدة المرحلة الانتقالية بخمس سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ نفاذ هذا الإعلان الدستوري. وتنتهي بعد إقرار دستور دائم للبلاد وتنظيم انتخابات وفقاً له.
حلول للتوافق
وتحرص السلطات السورية الحالية على تأكيد رغبتها في نسخ خيوط التوافق بين جميع مكونات المجتمع السوري، وهي في سبيل ذلك أبرمت اتفاقها مع قسد، مع السعي في الوقت نفسه لحلحلة الأوضاع مع السويداء وأهالي الجنوب.
غير أن ثمة ملفات خلافية معقدة لا تزال تعرقل تحقيق تقدم ملموس على الأرض، فالمسار التوافقي يواجه صعوبات ترتبط بحجم التنازلات المطلوبة من مختلف الأطراف، ومدى استعدادها للانخراط في حلول عملية تتجاوز الإطار النظري. وتبرز هنا معضلة قدرة السلطات على المضي قدمًا في هذا السياق دون تهميش أي طرف أو إقصاء مكونات رئيسية، وهو تحدٍّ يستدعي مرونة سياسية وتنازلات متبادلة لضمان صياغة تفاهمات أكثر استدامة.
وفي هذا الإطار، لا تزال السلطات السورية أمام طريق طويل لترجمة تصريحاتها حول التوافق الوطني إلى خطوات عملية ملموسة، بحيث لا تقتصر على اتفاقات ظرفية، بل تؤسس لبيئة سياسية أكثر استقرارًا. ويتطلب ذلك مقاربة شاملة تستوعب المخاوف المختلفة، وتعزز الثقة بين الأطراف الفاعلة، خاصة في ظل تعقيدات الواقع الميداني وتشابك المصالح الداخلية والخارجية.
وبشأن اتفاق اندماج قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في مؤسسات الدولة، تقولممثلة مجلس سوريا الديمقراطية، ليلى موسى، في تصريحات خاصة لـ CNBC عربية من القاهرة، في معرض حديثها مع CNBC عربية، رداً على سؤال بشأن التحديات الراهنة: "التحديات كثيرة وكبيرة.. لعل أهمها وأكثرها استراتيجية هي تلك المتعلقة بالرغبة الجادة والإيمان بعملية التغير وقبول الآخر والتشاركية واحتواء التنوع".
اقرأ أيضاً: الكشف عن كواليس جديدة في اتفاق قسد والحكومة السورية (خاص CNBC عربية)
وتضيف: "الاتفاق من حيث المبدأ هو الاتفاق على الثوابت المتفق عليها من قبل الجميع.. أما من حيث التفاصيل أو الملفات الخلافية فهذا يتوقف على ما سيتمخض من نتائج وتفاهمات عمل اللجان المختصة للتباحث في كل مجال.. هذه اللجان سيتم تشكيلها من الطرفين وستعمل لوضع الآليات حول تنفيذ هذه الاتفاقيات موضع التنفيذ ويكون عمل اللجنة حتى نهاية هذه السنة وفق مع اتفق عليه الطرفان".
اقرأ أيضاً: مسؤول بـ "مسد" يكشف لـ CNBC عربية الخطوات التالية بعد اتفاق اندماج قسد في مؤسسات الدولة
ورداً على اعتقاد البعض بأن تلك التقاربات التي تسعى إليها القيادة السورية الحالية تشكل تفاهمات هشة أو عرضة للانهيار مع أول اختبار، تقول: إن الأمر "مرتبط بالرغبة الجادة لدى الأطراف بعملية التغيير والالتزام بالبنود.. لكون الحوار كفيل بتجاوز كل الملفات الخلافية والوصول إلى سياقات مشتركة تصب في خدمة المصلحة الوطنية. وأن ما يعطي بعض الأريحية حول هذه الاتفاقية هي أنها تمت برعاية دولية بشكل مباشر ومباركتها من الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية. وهذا ربما سيكون له تأثير بالحد إلى درجة كبيرة بعدم التنصل منها في قادم الأيام من قبل أي طرف كان".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي
ملف تعريف الارتباط هو نص صغير يتم إرساله إلى متصفحك من الموقع الإلكتروني الذي تتم زيارته. ويساعد هذا الملف الموقع الإلكتروني في تذكّر معلومات عن زيارتك، ما يسهّل زيارة الموقع مرّة أخرى ويتيح لك الاستفادة منه بشكل أفضل.
اختبار صعب لمسارات التغيير في سوريا.. هل تصمد المقاربات الحالية؟ (خاص CNBC عربية)