يواجه الفدرالي الأميركي تحديات متزايدة في إيصال رؤية واضحة بشأن مسار الاقتصاد؛ ذلك في ظل حالة عدم اليقين التي تثيرها خطط الرئيس دونالد ترامب لفرض رسوم جمركية جديدة.
ومع استعداد الفدرالي للإعلان عن قراره المرتقب بشأن أسعار الفائدة يوم الأربعاء، في ثاني اجتماعاته للعام الجاري، أظهرت بيانات الأسبوع الماضي تباطؤ التضخم بأكثر من المتوقع خلال فبراير/ شباط إلى 2.8%، ما يعزز التوقعات باستئناف خفض الفائدة لاحقاً هذا العام، وسط مؤشرات على تباطؤ النمو.
ومع ذلك، يواجه صناع السياسة معضلة أخرى تتمثل في تأثير التعريفات الجمركية الموعودة، والتي قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم أو التسبب في ركود اقتصادي، أو كليهما معاً، وفق ما يشير إليه تقرير لـ "فايننشال تايمز" نقل عن كبير الاقتصاديين في شركة الاستشارات الضريبية "RSM US" جو بروسويلاس، قوله إن "وعد ترامب بفرض تعرفات مستقبلية يعطل اعتماد الفدرالي على البيانات، ويجبره على اللجوء بشكل أكبر إلى النماذج التوقعية في قراراته".
اقرأ أيضاً: الفدرالي الأميركي يعقد ثاني اجتماع لعام 2025.. فما التوقعات؟
ورغم أن الأسواق تتوقع إلى حد كبير أن يبقي الفدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير هذا الأسبوع، إلا أن المستثمرين سيراقبون عن كثب توقعات مسؤولي الفدرالي الاقتصادية، والتي تعكس رؤيتهم لمستويات الفائدة في الأعوام المقبلة، بالإضافة إلى تصريحات رئيس المجلس جيروم باول عقب الاجتماع.
على مدى السنوات الأخيرة، أكد الفدرالي مراراً أنه يعتمد نهجاً "مرتبطاً بالبيانات"، يركز على أحدث مؤشرات التضخم والنمو بدلاً من التوقعات المستقبلية، خاصة بعدما فقد مصداقيته جراء فشله في التنبؤ بموجة التضخم الحادة بين عامي 2021 و2022.
نهج الاعتماد على البيانات
يؤكد صناع السياسة أن الاعتماد على البيانات يتيح لهم مرونة في اتخاذ القرار، إلا أن بعض الاقتصاديين -بحسب التقرير- يخشون أن يؤدي هذا النهج إلى تأخر البنك في اتخاذ الخطوات المناسبة، لا سيما في ظل ارتفاع حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي، وتأثير الرسوم الجمركية المرتقبة التي قد تستغرق وقتاً قبل أن تظهر آثارها في البيانات.
اقرأ أيضاً: مخاوف من تداعيات السياسات التجارية.. هل يتجه الاقتصاد الأميركي نحو الركود؟
وأشار كبير الاقتصاديين في "BNY Investments"، فينسنت راينهارت، إلى أن تراجع التضخم في فبراير/ شباط سيزيد من صعوبة مهمة باول في إرسال إشارات واضحة للأسواق، قائلاً إن ذلك سيجعل من الصعب عليه "الاعتماد حصراً على البيانات" لتبرير الإبقاء على الفائدة مستقرة، وربما رفع توقعات الفائدة في المستقبل.
وأضاف أن تقرير التضخم الأخير يمثل "قراءة من مرآة الرؤية الخلفية"، حيث لم يعكس بعد تأثير الرسوم الجمركية المقترحة من ترامب، إذ لم يدخل التعريف الجمركي البالغ 10 بالمئة على الواردات الصينية حيز التنفيذ سوى في منتصف الشهر، بينما تأجل فرض الرسوم على المكسيك وكندا إلى الثاني من أبريل/ نيسان.
ويرى بروسويلاس أن الفدرالي يواجه "معضلة سياسية صعبة"، ذلك أن فرض رسوم جمركية على بعض أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة قد يؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية وإضعاف سوق العمل في الوقت نفسه، وهو ما سيدفع نحو قرارات متناقضة بشأن الفائدة.
اقرأ أيضاً: لماذا يقلق المستثمرون من سياسة ترامب تجاه الدولار وما هو اتفاق "مار إيه لاغو" المقترح؟
من جانبه، قال كبير اقتصاديي أميركا الشمالية في "كابيتال إيكونوميكس"، توماس رايان، إن السياسات الاقتصادية المتغيرة لترامب قد تؤثر على كيفية تقييم صناع القرار للمؤشرات الاقتصادية المختلفة، متوقعاً أن يقل التركيز على مستويات الأسعار – باعتبارها مؤشراً رجعياً للتضخم – لصالح إعطاء وزن أكبر لتوقعات المستهلكين للتضخم، والتي بدأت في الارتفاع منذ بداية العام.
بيانات ضعيفة
ويأتي اجتماع الفدرالي وسط بيانات ضعيفة بشأن سوق العمل، إذ أظهر تقرير التوظيف لشهر فبراير إضافة 151 ألف وظيفة جديدة فقط، وهو رقم أقل من التوقعات، مما يعزز المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي. ومع ذلك، حاول باول في خطاب له يوم الجمعة الماضي التقليل من شأن هذه المخاوف، مؤكداً أن الاقتصاد لا يزال "في وضع جيد" رغم "المستويات المرتفعة من عدم اليقين".
لكن هذا الغموض، الناتج عن تغييرات متكررة في السياسات الاقتصادية والتجارية، يضع الفيدرالي في موقف دفاعي ويقوض قدرته على التخطيط أو اتخاذ موقف حاسم، وفقاً لجيمس نايتلي، كبير الاقتصاديين الدوليين في "ING".
وقد أدت التغييرات المتسارعة في سياسات الإدارة الأميركية إلى موجة بيع في أسواق الأسهم، وأثارت قلق الشركات بشأن المستقبل الاقتصادي.
وحذّرت كبرى شركات الطيران الأميركية، مثل أميركان إيرلاينز، ودلتا، وساوث ويست، من تراجع الطلب، وسط حالة عدم اليقين التي تسيطر على المستهلكين بشأن آفاق الاقتصاد الأميركي. في الوقت نفسه، انخفض مؤشر S&P 500 القياسي في وول ستريت إلى منطقة التصحيح الأسبوع الماضي، قبل أن يسجل تعافياً طفيفاً لاحقاً.
حالة عدم اليقين
وقال المسؤول السابق في مجلس الاحتياطي الفدرالي والخبير في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي ديفيد ويلكوكس: "ما نعرفه يقيناً هو أن الجميع — الشركات والأسر وصناع السياسة النقدية — يكرهون حالة عدم اليقين".
ومع ذلك، أشار ويلكوكس إلى أن مسؤولي الفدرالي سيتجنبون أي إشارة مباشرة إلى سياسات ترامب الاقتصادية، مكتفين بإشارات غير مباشرة إلى التحديات التي تفرضها حالة عدم اليقين.
وأضاف: "أتوقع أن يكون أحد الأهداف الرئيسية لجيروم باول هو الحفاظ على موقف محايد، وتجنب إعطاء أي انطباع بأنه يعلّق على سياسات الإدارة الحالية".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي