قال اقتصاديون إن الحصيلة التي ستدرّها الرسوم الجمركية التي تفرضها أو تعتزم فرضها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستكون على الأرجح أقل بكثير مما يتوقعه البيت الأبيض.
وأضافوا هؤلاء الاقتصاديين لشبكة CNBC، أن المبلغ النهائي قد يكون له تداعيات كبيرة على الاقتصاد الأميركي، وديون البلاد، والمفاوضات التشريعية بشأن حزمة تخفيضات ضريبية.
يأتي ذلك بعد أن قال ترامب إن الرسوم الجمركية ستثري الولايات المتحدة. كما قدّر المستشار التجاري للبيت الأبيض، بيتر نافارو، يوم الأحد أن الرسوم الجمركية ستُدرّ حوالي 600 مليار دولار سنوياً، وستة تريليونات دولار على مدى عقد من الزمن.
وأضاف نافارو أن الرسوم الجمركية على السيارات ستضيف 100 مليار دولار أخرى سنوياً.
ويتزامن إطلاق نافارو لهذه التوقعات مع تخطيط الإدارة الأميركية للإعلان عن المزيد من الرسوم الجمركية على شركائها التجاريين يوم الأربعاء.
اقرأ أيضاً: البيت الأبيض: الرسوم الجمركية على السيارات ستدخل حيز التنفيذ في هذا الموعد
يتوقع اقتصاديون أن سياسة الرسوم الجمركية التي تنتهجها إدارة ترامب ستُدرّ إيرادات أقل بكثير مما يزعمه نافارو. ويتوقع البعض أن إجمالي الإيرادات سيكون أقل من النصف.
وقال كبير الاقتصاديين في وكالة موديز، مارك زاندي، إن ليس حتى ضمن نطاق الاحتمال". وأضاف: "إذا تمكنت من الوصول إلى 100 إلى 200 مليار دولار، فسيكون ذلك بمثابة حظ كبير".
عدم الوضوح وتجاهل خطوات أساسية
هناك تساؤلات كبيرة حول نطاق الرسوم الجمركية، بما في ذلك تفاصيل مثل المبلغ والمدة والمنتجات والدول المتأثرة - وكلها تؤثر بشكل كبير على إجمالي الإيرادات.
أفادت صحيفة واشنطن بوست يوم الثلاثاء بأن البيت الأبيض يدرس فرض رسوم جمركية بنسبة 20% على معظم الواردات. وقد طرح الرئيس ترامب هذه الفكرة خلال حملته الانتخابية. وربما تختار إدارة ترامب في النهاية سياسة مختلفة، مثل فرض رسوم جمركية على كل دولة على حدة بناءً على الحواجز التجارية وغير التجارية.
اقرأ أيضاً: واشنطن بوست: مستشارون بالبيت الأبيض أعدوا اقتراحاً لرسوم جمركية بنحو 20% على معظم الواردات
لكن خبراء اقتصاديين قالوا إن فرض رسوم جمركية بنسبة 20% يبدو متوافقاً مع توقعات نافارو للإيرادات.
استوردت الولايات المتحدة سلعاً بقيمة 3.3 تريليون دولار تقريباً في العام 2024. ومن شأن تطبيق تعرفة جمركية بنسبة 20% على جميع هذه الواردات أن يُحقق إيرادات سنوية تُقدر بنحو 660 مليار دولار.
وقال مدير الاقتصاد في مختبر ميزانية جامعة ييل، وكبير الاقتصاديين السابق في مجلس المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض خلال إدارة بايدن، إرني تيديشي: "هذا هو على الأرجح الحساب الذهني الذي يُجريه بيتر نافارو - وهو حساب ذهني يتجاهل بعض الخطوات الأساسية".
وأوضح الاقتصاديون أن ذلك يعود إلى أن التقدير الدقيق للإيرادات يجب أن يأخذ في الاعتبار الآثار الاقتصادية العديدة للتعرفات الجمركية في الولايات المتحدة وحول العالم. وأضافوا أن هذه التأثيرات تؤدي في مجموعها إلى تقليل الإيرادات.
ووفقاً لتيديشي، نقلاً عن تحليل أجراه مختبر ميزانية جامعة ييل ونُشر يوم الاثنين، فإن التعرفة الجمركية الشاملة بنسبة 20% ستُدرّ حوالي 250 مليار دولار سنوياً (أو 2.5 تريليون دولار على مدى عقد) عند أخذ هذه الآثار في الاعتبار.
وقال الاقتصاديون إن هناك طرقاً لجمع مبالغ أكبر - لكنها ستتضمن معدلات تعرفة جمركية أعلى. على سبيل المثال، ستُدرّ رسوم جمركية شاملة بنسبة 50% حوالي 780 مليار دولار سنوياً، وفقاً لخبراء اقتصاديين في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.
وحتى هذا التقييم مُتفائل، فهو لا يُراعي انخفاض النمو الاقتصادي الأميركي نتيجةً للرد الانتقامي، أو الآثار السلبية للرسوم الجمركية نفسها على النمو، كما قال هؤلاء الخبراء.
اقرأ أيضاً: فيتش: الرسوم الجمركية الأميركية تؤثر سلباً على شركات صناعة السيارات
لماذا ستكون الإيرادات أقل من المتوقع؟
عادةً ما تُؤدي الرسوم الجمركية إلى رفع الأسعار على المستهلكين. ستُكلف رسوم جمركية شاملة بنسبة 20% المستهلك العادي ما بين 3400 و4200 دولار سنوياً، وفقاً لمختبر ميزانية جامعة ييل.
وأكد خبراء اقتصاديون أن المستهلكين سيشترون بشكل طبيعي سلعاً مستوردة أقل إذا كانت تكلفتها أعلى. وأضافوا أن انخفاض الطلب يعني واردات أقل وإيرادات رسوم جمركية أقل من تلك الواردات.
ومن المتوقع أيضاً أن تتسبب الرسوم الجمركية في "انخفاض النشاط الاقتصادي"، وفقاً للزميل البارز في مركز Urban-Brookings لسياسات الضرائب، روبرت ماكليلاند.
على سبيل المثال، من المرجح أن تشهد الشركات الأميركية التي لا تُحمّل المستهلكين تكاليف الرسوم الجمركية من خلال رفع الأسعار تراجعاً في أرباحها (وانخفاضاً في ضرائب دخلها)، وفقاً لخبراء اقتصاديين. وقد يُقلل المستهلكون من إنفاقهم، مما يُؤثر سلباً على أرباح الشركات وبالتالي الضرائب التي يتم دفعها. كما أشاروا إلى أن الشركات التي تُعاني من خسائر مالية قد تُسرّح عمالها.
ردود انتقامية وركود
من المتوقع أيضاً أن تردّ الدول الأجنبية بفرض رسوم جمركية على المنتجات الأميركية، مما سيضرّ بالشركات التي تُصدّر منتجاتها إلى الخارج. وقد تشهد دول أخرى تباطؤاً اقتصادياً، مما يُقلل الطلب على المنتجات الأميركية بشكل أكبر.
اقرأ أيضاً: فون دير لاين: الاتحاد الأوروبي لديه "خطة قوية" للرد على الرسوم الجمركية الأميركية
وقال زاندي: "إذا فُرضت رسوم جمركية بنسبة 20%، فستواجه ركوداً اقتصادياً هائلاً، وهذا سيُقوّض وضعك المالي".
وأشار اقتصاديون إلى أنه من المرجح أيضاً أن يكون هناك مستوى معين من عدم الامتثال لسياسة الرسوم الجمركية، واستثناءات لبعض الدول أو الصناعات أو المنتجات. على سبيل المثال، عندما فرض البيت الأبيض رسوماً جمركية على الصين في فبراير، أعفى إلى أجل غير مسمى الواردات "الضئيلة" التي تبلغ قيمتها 800 دولار أو أقل.
وذكروا أن إدارة ترامب قد تُوجّه أيضاً بعض عائدات الرسوم الجمركية لدفع مستحقات بعض الأطراف المتضررة من الحرب التجارية.
وفعل ترامب ذلك في ولايته الأولى: أرسلت الحكومة 61 مليار دولار كمدفوعات "إغاثة" للمزارعين الأميركيين الذين واجهوا رسوماً جمركية انتقامية، وهو ما يُمثل تقريباً جميع (92%) عائدات الرسوم الجمركية على السلع الصينية من العام 2018 إلى العام 2020، وفقاً لمجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة.
مدة قصيرة للرسوم؟
من المرجح أن تكون مدة الرسوم الجمركية قصيرة، مما يُضعف تأثيرها المحتمل على الإيرادات، وفقاً لخبراء اقتصاديين. وأوضحوا أنها تُصدر بأمر تنفيذي، ويمكن إلغاؤها بسهولة، سواءً من ترامب أو أي رئيس مستقبلي.
وقال زاندي: "لا يوجد احتمال يُذكر أن تستمر هذه الرسوم الجمركية لعشر سنوات. إذا استمرت حتى العام المقبل، فسأكون في غاية الدهشة".
اقرأ أيضاً: 🔴من فرنسا إلى الصين: استياء عالمي من الرسوم الجمركية الأميركية على السيارات
تغطية التخفيضات الضريبية
قال تيديشي إن إدارة ترامب أشارت إلى أن الرسوم الجمركية "ستكون من أهم الطرق التي ستحاول من خلالها تعويض تكلفة" إقرار حزمة من التخفيضات الضريبية.
ووفقاً لمؤسسة الضرائب، فإن تكلفة تمديد قانون التخفيضات الضريبية لعام 2017 الذي وقعه الرئيس ترامب، ستصل إلى 4.5 تريليون دولار على مدى عقد من الزمن. كما دعا ترامب إلى إعفاءات ضريبية أخرى، مثل عدم فرض ضرائب على الإكراميات، أو أجور العمل الإضافي، أو استحقاقات الضمان الاجتماعي، وخصم ضريبي على فوائد قروض السيارات الأميركية الصنع.
وقال خبراء اقتصاديون إنه إذا لم تغطِ الرسوم الجمركية التكلفة الكاملة لمثل هذه الحزمة، فسيتعين على المشرعين الجمهوريين إيجاد تخفيضات في أماكن أخرى أو زيادة ديون البلاد.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي
ملف تعريف الارتباط هو نص صغير يتم إرساله إلى متصفحك من الموقع الإلكتروني الذي تتم زيارته. ويساعد هذا الملف الموقع الإلكتروني في تذكّر معلومات عن زيارتك، ما يسهّل زيارة الموقع مرّة أخرى ويتيح لك الاستفادة منه بشكل أفضل.