"صدمة نيكسون".. سيناريو يحذر منه نائب رئيس مجلس إدارة شركة أوليفر وايمان، هيو فان ستينيس، بخصوص سياسة الرسوم الجمركية.. ما القصة؟
الرئيس العالمي السابق لقسم البنوك والبحوث المالية المتنوعة في مورغان ستانلي، ينبه إلى أن تعرفات ترامب الجمركية قد تترك آثاراً مالية طويلة الأمد شبيهة بتلك التي أحدثتها "صدمة نيكسون" في العام 1971، حين قادت الإجراءات الاقتصادية المفاجئة إلى زعزعة النظام المالي العالمي وولادة أدوات مالية جديدة، مشيراً إلى أن التاريخ يُظهر كيف أن صدمات كهذه، حتى لو كانت مؤقتة، تُحدث تحولات جذرية في أسواق المال والعلاقات الدولية وتظل تداعياتها لعقود.
في مقال له بصحيفة "فايننشال تايمز"، يقول وايمان: "قد نكون الآن في فترة تهدئة مدتها 90 يوماً (في إشارة لفترة تعليق الرسوم التي أقرها ترامب)، لكن السؤال لا يزال السؤال (بشأن العواقب طويلة المدى للرسوم) ملحاً.. ويمكن للعودة إلى تجربة ريتشارد نيكسون في العام 1971 أن تساعد المستثمرين على فهم ما قد يحدث لاحقاً".
تشترك الأحداث الأخيرة في بعض السمات مع "صدمة نيكسون"، التي وقعت حين أخرج الرئيس الأميركي آنذاك الدولار من معيار الذهب، وفرض تعرفة جمركية بنسبة 10% على الواردات، وطبّق ضوابط مؤقتة على الأسعار.
هذا التفكيك للنظام أدى إلى فترة من عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي وحالة من الغموض. لم يقتصر الأمر على تراجع الثقة في الأعمال، بل أدى أيضاً إلى ظهور "الركود التضخمي". وقد ارتدت ضوابط نيكسون على الأسعار والأجور بنتائج عكسية فادحة، إذ تسببت في نقص بالسلع وساهمت في دوامة تصاعدية بين الأجور والأسعار. كانت تلك الحلقة أحد العوامل المحورية وراء موجة التضخم الكبرى في السبعينيات.
وكما هو الحال مع تعرفات ترامب، فقد فُرضت تعرفات نيكسون كأداة ضغط لإجبار الدول على تعديل شروط التبادل التجاري، بهدف تقليص العجز التجاري الأميركي. وكانت اليابان وألمانيا في صدارة اهتماماته. وقال له وزير الخزانة جون كونالي آنذاك: "فلسفتي هي أن جميع الأجانب يسعون لاستغلالنا، ومن واجبنا أن نستغلهم أولًا".
تغييرات غير مسبوقة
ووفق نائب رئيس مجلس إدارة شركة أوليفر وايمان، فإنه "في عالمنا الحالي المفرط في التمركز المالي، رأينا بالفعل أن أسواق السندات يمكنها أن تُرغم الساسة على التراجع بوتيرة أسرع بكثير. فقد استغرقت إزالة تعرفات نيكسون أربعة أشهر فقط، من خلال اتفاق سميثسونيان. لكن الصدمة كانت قد أحدثت بالفعل تغييرات غير مسبوقة في عالم المال، وقادت إلى ابتكار أدوات مالية جديدة للمراهنة على اتجاهات أسعار الفائدة والتحوّط من مخاطر العملات، مثل عقود العملات الآجلة والخيارات".
أما آلام الركود التضخمي التي أصابت النظام المصرفي، فقد دفعت نحو تغيير جذري في السلوك المالي والتنظيم المالي. بدأ المستثمرون في تحويل تخصيصاتهم نحو الذهب والأصول الحقيقية من أجل حفظ القيمة. في الوقت ذاته، نقلت الشركات والمودعون أنشطتهم بشكل متزايد من البنوك إلى أسواق السندات. ومنذ ذلك الحين، بدأ الإقراض المصرفي يتراجع كنسبة من إجمالي الاقتراض في الاقتصاد. باختصار، لقد وُلدت المالية الحديثة في أوائل السبعينيات.
ويشير كاتب المقال إلى أن هناك أوجه تشابه أيضًا للدول خارج الولايات المتحدة، والتي تشعر اليوم بالقلق من التعرفات. ففي عام 1971، لم تكن معاملة الحلفاء الأقرب إلى واشنطن أفضل حالًا. فقد فرض نيكسون تعرفات جمركية على كندا رغم أن عملتها كانت تطفو بالفعل في سوق الصرف.
وكما يفعل رئيس الوزراء مارك كارني اليوم، لم تتراجع كندا، وفي نهاية المطاف أُزيلت التعرفات. وكان من الممكن أن تكون الأمور أسوأ: فقد أراد كونالي أيضًا انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق القديم مع كندا بشأن السيارات وقطع الغيار. لكن، وفقًا لمذكرات بول فولكر، فإن الأخير نجح في إفشال الفكرة من خلال تشجيع مسؤول في وزارة الخارجية – بدهاء – على تمزيق الصفحة الأخيرة من كل بيان صحافي يذكر الاتفاق.
العلاقات الدولية
في النهاية، أسهمت الحاجة إلى استقرار العلاقات الدولية مع الحلفاء في ترجيح كفة إنهاء التعرفات. فقد أبدى هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي آنذاك، قلقه إزاء "التأثير المزعزع الذي قد يخلفه صدام طويل الأمد على علاقات أميركا بحلفائها".
كما مارس نيكسون ضغوطًا هائلة على مجلس الاحتياطي الفيدرالي لاعتماد سياسة نقدية توسعية لتعويض الصدمة. ويروي كاتب خطابات نيكسون، ويليام سافاير، كيف أن الإدارة كثّفت من تسريبات مجهولة المصدر للضغط على رئيس الفيدرالي آرثر بيرنز، بما في ذلك تسريب اقتراح لتوسيع حجم مجلس الاحتياطي، بحيث يتمكن نيكسون من تعيين أعضاء جدد موالين له.
وفي نهاية المطاف، ربما أسهمت الضريبة التي فرضها نيكسون لأربعة أشهر في تسهيل إعادة تقييم الدولار، لكنها فشلت في تحقيق الأهداف المنشودة ولم يكن لها أي أثر ملموس على الواردات.
ومع ذلك، فقد امتدت الصدمات الاقتصادية الناتجة عنها لعقود لاحقة. بل إن إنشاء اليورو نفسه يُعتبر من تبعات تلك المرحلة.. فهل يكون اليورو الرقمي أو تعميق أسواق المال الأوروبية هو الفصل التالي؟ لا يزال ذلك غير واضح، لكن التاريخ يشير إلى أن آثار هذه الصدمة الجديدة ستظل محسوسة لسنوات طويلة قادمة، وفق نائب رئيس مجلس إدارة شركة أوليفر وايمان.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي
ملف تعريف الارتباط هو نص صغير يتم إرساله إلى متصفحك من الموقع الإلكتروني الذي تتم زيارته. ويساعد هذا الملف الموقع الإلكتروني في تذكّر معلومات عن زيارتك، ما يسهّل زيارة الموقع مرّة أخرى ويتيح لك الاستفادة منه بشكل أفضل.