الكورونا ... وأشياء أخرى (١)

نشر
آخر تحديث

 بقلم نجوى عسران

مديرة مكتبي CNBC عربية في الكويت والقاهرة 

الصراع بين اختيار ما فرضته المتطلبات الصحية وبين تفادي أزمة اقتصادية – معضلة واجهت كل دول العالم التي اضطرت إلى تجرع الدواء الصعب - الإغلاق التام لتفادي الانتشار السريع لفيروس كورونا.

ولكن مع استمرار الأزمة ودخول الإغلاق شهره الثاني، تسيطر المخاوف على الحكومات من أزمة اقتصادية طاحنة تطل برأسها اذا استمر الحال. فأصبح السؤال : هل هو الموت السريع بالكورونا ؟ أو البطيء مع خسائر اقتصادية لم يشهدها العالم من قبل؟

ويبدو أن المانيا ستقود الاتحاد الأوروبي كالعادة في عملية إعادة فتح البلاد وتحمل المخاطر المصاحبة – علما بان المانيا -وعلى لسان رئيسة حكومتها انجيلا مركل - تؤكد انها خطوة مدروسة. فالمانيا هي الدولة الأكثر اجراءا" لاختبارات كورونا بمعدل نحو ٢١ الف اختبار لكل مليون شخص- تليها هونج كونج ب١٥ الف و٥٠٠ اختبار- ثم سنغافورة  بنحو ١٢ الف و٥٠٠ اختبار لكل مليون شخص.

وتعيد المانيا فتح بعض الاعمال التجارية مثل المكتبات ومعارض بيع السيارات والدراجات في ٢٠ من شهر ابريل الحالي، وفتح المدارس في الرابع من شهر مايو، – مع إبقاء المطاعم والحانات والملاعب مغلقة لحين إشعار آخر- وقد صرحت ميركل أن المانيا طورت إمكاناتها التي تمكنها من تعقب تحركات أي شخص يثبت إصابته بالفيروس مستقبلاً. والجدير بالذكر أن عدد الوفيات في المانيا يقل عن ٤ آلاف شخص بينما تجاوز عدد الإصابات ١٣٥الف، مما يجعلها من الدول التي تشهد أقل نسبة في الوفيات.

أما إيطاليا، الدولة التي طلقت الضربة القاضية من فيروس كورونا، حيث تجاوز عدد الوفيات ٢٢ ألف شخص وعدد الإصابات ١٦٥ ألف - فهي أيضا قررت إعادة الحياة تدريجياً والبدء بافتتاح المكتبات ومحال ملابس الأطفال والإعلان عن مرحلة جديدة في الرابع من شهر مايو القادم - لكن تظل المدارس مغلقة حتى شهر سبتمبر – وقد يكون السبب الذي دفع إيطاليا إلى المخاطرة رغم الظروف، مخاوف من انهيار قطاع المشروعات المتوسطة والصغيرة التي أفادت تقارير أنها مهددة بالإفلاس إذا امتد الإغلاق حتى شهر مايو. والجدير بالذكر أن المشروعات المتوسطة والصغيرة تمثل ٩٩،٩٪ من إجمالي الاعمال في إيطاليا وتوظف ٨١٪ من القوة العاملة وتشكل أكثر من ٦٨٪ من القيمة المضافة في الاقتصاد الوطني.

النمسا واسبانيا وبولندا أيضا أعادوا فتح بعض المحال التجارية الصغيرة والتي لا تزيد مساحتها عن ٤٠٠ متر مربع. الدنمارك أعادت فتح بعض المراحل الدراسية.

أما البيرو ومقاطعة كويبك الكندية فقد أعادا عمال المناجم إلى العمل. وقطاع المناجم من القطاعات الحيوية حيث تبلغ صادرات البيرو من النحاس والحديد والرصاص والفوسفات والمنغنيز والذهب والفضة نحو ٣٠ مليار دولار سنوياً، بينما تمثل مناجم الذهب في كويبك ٧٥٪ من إنتاج المعدن الأصفر في كندا. وتنتج  مقاطعة كويبك نحو ٢ مليون اوقية من الذهب سنوياً، وقد شهدت أسعار الذهب خلال أزمة كورونا أكبر ارتفاع لها منذ سبع سنوات حيث تجاوز سعر الأوقية  ١٧٠٠ دولار ، ويتذبذب حاليا حول هذه المعدلات. 

فرنسا التي بلغ فيها اعداد الإصابات نحو ١١٠ الف والوفيات نحو ١٨الف، اعلن رئيسها ايمانويل ماكرون، ان الحادي عشر من شهر مايو ستبدأ مرحلة تخفيف حالة العزل تدريجيا، بدءا برياض الأطفال والمراحل الدراسية المختلفة وبعض المحال التجارية.

المملكة المتحدة التي واجهت انتقادات شديدة لكيفية تعاملها مع الفيروس مازالت مترددة في تحديد موعد لبدء العودة إلى الحياة الطبيعية رغم مطالبات بتحديد موعد لإعادة فتح المدارس – المملكة المتحدة تجاوز عدد الوفيات فيها حتى الآن ١٣ الف و٧٠٠ شخص وعدد الإصابات تجاوز الـ١٠٠ الف.

الولايات المتحدة التي تشهد صراعاً بين رئيسها دونالد ترامب الذي يسعى إلى فتح البلاد في أسرع وقت وتيار يقوده الحزب الديمقراطي يسعى الى استمرار الإغلاق، تحولت فيها أزمة كورونا الى صراع انتخابي يسعى كل طرف فيه استخدامه لصالحه من أجل الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة في شهر نوفمبر- وتفاوتت معدلات الإصابة بين الولايات حيث تصدرت ولاية نيويورك القائمة بنحو ٣٠٪ من إجمالي الإصابات ، حيث تجاوزت ٢١٤ ألف شخص والوفيات ١٤ ألفا ، بينما بلغ إجمالي عدد الإصابات في الولايات المتحدة ٦٤٠ ألف والوفيات ٣١ ألفا.

ترامب أعلن على لسان الدكتورة ديبوراه بريكس- منسقة البيت الأبيض للتعامل مع فيروس كورونا - عن خطة إعادة فتح البلاد على ثلاثة مراحل. المشكلة أن الخطة لا تذكر مدى زمني وتركت الاختيار لكل ولاية حسب ظروفها الوبائية - كما أن تعمد ترامب ترك اعلان الخطة للدكتورة بيركس وليس على لسانه هو شخصيا -  تجعل منها بالونة اختبار اكثر منها خطة جادة محددة. والأيام خير دليل.

أما الصين – مركز انطلاق الفيروس – لم تكتف بإعادة الحياة إلى طبيعتها بعد الإعلان عن السيطرة التامة على الفيروس، إلا أنها أيضا أعادت فتح أسواق بيع الحيوانات الحية أو ما يطلق عليها " wet markets " - وهي التي يعتقد كانت نقطة منشأ الفيروس الذي أوقف حال العالم وتسبب في خسائر في الأرواح تجاوز حتى الان ١٤٠الف شخص وإصابة أكثر من مليوني شخص وخسائر اقتصادية تقدر بمئات المليارات ، وانهيار البورصات وأسعار النفط وخسارة ملايين الأشخاص وظائفهم حول العالم !.

 

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة