نشرت كلية الدراسات الدولية المتقدمة، التابعة لجامعة "جونز هوبكنز" ورقة بحثية بعنوان "ما هي المواصفات الصينية لتخفيف ديون الدول الأفريقية؟" إذ تطرقت الدراسة إلى عدم وجود أدلة، تدعم المخاوف من أن الصين تستخدم ديونها للسيطرة على الأصول الاستراتيجية للدول المستدينة. لكن بالمقابل سجل للصين في الأونة الأخيرة، مشاركتها المباشرة في ملكية المشاريع، عن طريق الاستحواذ على حصة من الأسهم.
أوّل قرض صيني للقارة الأفريقية، تم اعطاؤه إلى غينيا في 1960. وفي خلال العقود الأربعة الماضية، مَوّل ذلك البلد، مـشاريع على طول القارة، بفوائد صفرية تقريبا، وبفترات سماح تصل لخمسة أعوام. كما أنها أدارت استخدام مزيج من الهبات والقروض، التي يمكن أن تصل فترات سدادها إلى مدد تتراوح بين 15 إلى 30 عاما.
في جميع عقود القروض التي أعطتها الصين منذ أوائل القرن الحالي، ضمن مشاريع المساعدات الخارجية، كان يتم تضمين العبارة التالية:
"إن وجـدت أيّـة صـعـوبـة فـي سـداد الـدَّيـن في الموعد المحدد، يمكن تمديد فترة السداد بعد التشاور بين الحكومتين". وفي إطار متصل كان هناك استخدام مكثف لعبارة " التنازل عن الحصانة السيادية"، في عقود القروض لبلدان مثل نيجيريا و كينيا.
هذا الأمر تحديدا، أشارت إليه دراسة حديثة، من كلية "هارفارد" للأعمال، بالاشتراك مع جامعة "سياتل" للقانون. إذ شرحت الدراسة أن بند التنازل عن "الحصانة السيادية" يسمح بمقاضاة دولة ذات سيادة في محكمة أجنبية أو الخضوع للتحكيم الدولي.
وأجرى القائمون على الدراسة، مراجعة للعديد من عقود القروض الصينية، ووجدوا أن معظمها يتضمن لغة بشأن التنازل عن الحصانة السيادية في ما يتعلق بالتحكيم والإنفاذ.
وفي نفس الوقت لم يجد الباحثون أي "مصادرة لأصول سيادية" من قبل الصين، نتيجة للتخلف عن السداد، إن كان في أفريقيا أو على مستوى العالم.
مقابل ذلك بررت الصين اللجوء لإدراج بند "السيادة"، على أنه ممارسة شائعة في العديد من الاتفاقيات التجارية الدولية، وعليه ذكرت الدراسة الأكاديمية، أن الانتقاد الموجه لذلك البند، في بعض الدول، كان يتم توظيفه لصالح بعض الأجندات السياسية المحلية. خصوصا أن هذه المفاهيم في تمويل المشاريع الدولية والقانون التجاري هي مفاهيم فنية تماماً، يتم استخدامها بشكل روتيني.
وعليه مرت ديون القارة السمراء، وبالتزامن مع الأزمات الاقتصادية لغالبية دول القارة، بعمليات إعادة جدولة وصلت أحيانا لعشرات المرات.
وفي بداية تسعينيات القرن الماضي، وضمن برامج إعادة الهيكلة، بإشراف صندوق النقد والبنك الدوليين، خصخصت عدد من الحكومات الأفريقية مؤسساتها المملوكة للدولة. وتم بموجب ذلك، إعطاء موافقتها على مبادلة القروض الصينية، بأسهم في المؤسسات الرسمية.
لعقود من الزمن، بقيت جميع الديون الصينية لأفريقيا، ضمن نفس الشروط تقريبا، حتى تولى "بنك إكزيم" الصيني عملية إدارة الديون في 1995. في البدء اتبع "بنك الصين للاستيراد والتصدير" الأعراف الدولية القاضية بتضمين شروط جزائية كبيرة، منها 20% إلى 50% كنسبة فـوائـد على التأخر في السداد. لكنّ هذه الشروط اختفت في العقود التالية، كما وتبيّن عدم تطبيق هذه الشروط على الإطلاق.
هذا وأشارت دراسة لجامعة جونز هوبكنز أنه في عام 2000 أطلقت الصين برنامجا لإعادة جدولة الديون. كان بمثابة أول تعهد من قبل بكين، لإلغاء الديون في أفريقيا.
وفي 2014 عادت وأصدرت برنامجا لإلغاء الديون، بسبب تهاوي أسعار السلع الذي كان له تأثير كبير في إعسار الكثير من الدول الأفريقية، بيد أنه بين 2015 و2019، كان هناك توجه متسارع من الصين لزيادة حجم الإقراض، بسبب عودة ارتفاع أسعار السلع التي تنتجها الدول الأفريقية.
لكن بعد 2019، بدأت تتغير إجراءات "التخلف عن السداد"، ولم تعد مسألة إعادة الهيكلة التجارية هي الأداة الرئيسة التي تستخدمها بكين للضغط من أجل السداد عند تعسّر الدولة، بل أصبحت تتجه نحو إيقاف المصاريف على المشاريع التي يجري تنفيذها، ممّا يبطئ إنجازها، لكنّ هذا الأمر بطبيعة الحال ألحق أضرارا بالمقاولين الصينيين.
ويضاف لتلك الإجراءات الجديدة، عدم منح قروض جديدة، حتّى يتم دفع جزء من القروض القديمة. وفي حال استطاعت المشاريع تحقيق إيرادات، يستكمل التمويل كما حصل في خط حديد أديس-أبابا.
أما فيما يتعلق بمـعـالـجـة إعـسـار مـشـروع البنية التحتية في الكونغو، تم جلب ائتلاف من شـركات فرنسية- صينية. ويمتلك الائتلاف أسهما في المشروع، والذي يمتد لـ 30 عاما على الأقل.
ووفقًا لدراسة "جونز هوبكنز"، اقترضت دول شرق إفريقيا حوالي 29 مليار دولار من الصين لمشاريع البنية التحتية والطاقة والبناء. وذكرت الدراسة، أن بكين تكثف جهودها للحصول على عقود إيجار لإدارة بعض الأصول الاستراتيجية في البلدان التي تتخلف عن سداد الديون مثل "ميناء هامبانتوتا" في سريلانكا، الذي ستتولى الصين إدارته لـ 99 عاما، و"ميناء جوادار الباكستاني" بعقد إيجار لمدة 44 عاما.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي