لماذا ينهي البريطانيون عصر المحافظين؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

لمياء نبيل - محررة في CNBC عربية

بينما يترقب الجميع عملية الانتخابات التشريعية في بريطانيا يوم الخميس، فإن النتائج الأولية التي تعلن على الأرجح صباح الجمعة تميل إلى الإعلان عن نهاية 14 عاماً من حكم حزب المحافظين، وتكليف زعيم حزب العمال كير ستارمر بتشكيل حكومة جديدة.

هذه ليست مجرد مجموعة من التكهنات، لكنها مبنية على استطلاعات رأي تشير في أغلبها إلى أن البريطانيين ملو المحافظين وسياساتهم، حيث تولى 5 رؤساء وزارة موقعهم في 10 دواننغ ستريت منذ 2010.

بداية من ديفيد كاميرون الذي ظل رئيساً للوزراء 6 أعوام (11 مايو 2010 - 13 يوليو 2016)، ثم تيريزا ماي التي حكمت 3 سنوات (13 يوليو 2016 - 23 يوليو 2019)، ومثلها لولاية بوريس جونسون (23 يوليو 2019 - 6 سبتمبر 2022). 

قبل أن تأتي صاحبة الرقم القياسي السلبي في أقصر فترة حكم في العصر الحديث ليز تراس مع 50 يوماً فقط في ولايتها (6 سبتمبر 2022 - 25 أكتوبر 2022)، وصولاً إلى رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك الذي يتولى السلطة منذ 21 شهراً.

اقرأ أيضاً: مع انطلاق الانتخابات .. ماذا قدم المحافظون للاقتصاد البريطاني طوال 14 عاماً في الحكم؟

نجح ديفيد كاميرون بالأساس نتيجة فشل آخر رئيس وزراء عمالي سبقه وهو غوردون براون، في إقناع البريطانيين بنجاعته في التعامل مع آثار الضربة الاقتصادية الأقسى التي تعرض لها العالم في بداية الألفية وهي الأزمة الاقتصادية العالمية 2007-2008... وغالباً ما سيكون نجاح ستارمر في التغلب على سوناك من نفس الباب.

تدهور الجنيه الاسترليني
على سبيل المثال، وباستثناء سنوات حكم كاميرون، فإن الجنيه الإسترليني يشهد أوضاع مأساوية مقابل الدولار، واقترب في عهد تراس من أسوأ مستوياته التاريخية حين انهار مقابل العملة الأميركية وبلغ مستوى 1.080 دولار للجنيه في أوج الاضطرابات العمالية عام 1985.

 

 

وربما أشعل "بريكست" (قرار الانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي) شرارة عدم ثقة الناخب في حكومته، حيث شعر كثير من البريطانيين بـ"الخيانة" و"الخديعة" نتيجة ترويج المحافظين لمكاسب الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، بينما أخفوا تبعاته وويلاته. 

وكان أحد أهم نقاط الدعاية لـ"بريكست" هو وقف الهجرة من دول شرق أوروبا "الفقيرة" إلى المملكة المتحدة "واستغلالها" و"تقليص فرص أبناء بريطانيا في العمل والربح"؛ لكن المذهل أن بريطانيا عانت بعد ذلك من نقص العمالة الماهرة الرخيصة، من القطاع الطبي إلى سائقي الحافلات. 

مما أدى إلى "مواربة الأبواب" مجدداً أمام المهاجرين، لكن من أفريقيا وآسيا هذه المرة، والذين زادت أعدادهم بشدة مؤخراً في البلاد.

وربما كان من سوء حظ المحافظين أن تطبيق انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، تلاه جائحة عالمية، ثم حرباً بـ"الفناء الخلفي" لأوروبا في أوكرانيا، فركود عالمي وأسعار فائدة هي الأعلى في 40 عاماً.

لكن أداء بريطانيا الذي كان "أقل من المتوسط" في كافة الملفات الاقتصادية بين مجموعة السبع، ظهر جلياً للمواطنين؛ ودفعهم إلى "التغيير الحتمي". 

فصل جديد

وبحسب آخر توقعات معهد يوغوف، فإن من المتوقع وفقاً للاستطلاعات أن يربح العمال 431 مقعداً، مقارنة بـ102 مقعد لحزب المحافظين، وهي غالبية لم تشهدها المملكة المتحدة منذ العام 1832.

وسيفوز الديموقراطيون الليبراليون بـ78 مقعداً والإصلاح بثلاثة مقاعد، ما يعني دخول الزعيم السياسي المثير للجدل نايجل فاراج البرلمان بعد سبع محاولات فاشلة.

ويرى ستارمر أنه "يمكن للمملكة المتحدة أن تفتح اليوم فصلاً جديداً. حقبة جديدة من الأمل والفرص بعد 14 عاماً من الفوضى والانحدار"، فيما يحذر منافسه سوناك (فيما يشبه يقين من الخسارة)، البريطانيين عبر منصة "اكس" من إخضاعهم لضرائب أعلى "خلال بقية حياتهم".

 

 

وتعهد ستارمر، ذي الأصول المتواضعة، بإدارة صارمة للغاية للإنفاق العام، من دون زيادة الضرائب. ويعوّل في هذا الإطار على استعادة الاستقرار وتدخّلات من قبل الدولة واستثمارات في البنية التحتية لإنعاش النمو، الأمر الذي من شأنه تصحيح وضع المرافق العامّة التي تراجع اداؤها منذ إجراءات التقشّف في أوائل العام 2010.

كذلك، يريد ستارمر أن يظهر حازماً في قضايا الهجرة وأن يقترب من الاتحاد الأوروبي، من دون الانضمام إليه. غير أنّه حذّر من أنّه لا يملك "عصا سحرية"، الأمر الذي ظهر أيضاً لدى البريطانيين الذين أظهرت استطلاعات الرأي أن "لا أوهام" لديهم بشأن آفاق التغيير.

ومع أنّ حذره دفع البعض إلى القول إنه قليل الطموح، إلّا أن ستارمر سمح لحزب العمّال بالحصول على دعم في أوساط الأعمال وفي الصحافة اليمينية. وبعد صحيفة "فايننشل تايمز" ومجلّة "ذي إيكونوميست"، دعت صحيفة "ذي صن" إلى التصويت للعمّال.

وقالت الصحيفة الشعبية التي يملكها رجل الأعمال روبيرت موردوك، والذي كان دعمه لحزب العمّال في العام 1997 حاسماً لفوز توني بلير، "حان وقت التغيير".

اقتصاد مزعج
وحالياً، فإن وضع الاقتصاد البريطاني مقارنة بدول مجموعة السبع يزعج الجميع، سواء على مستوى النمو المتواضع الذي صار أضعف من ألمانيا ويتخلف كثيراً عن الولايات المتحدة، أو التضخم الهائل الذي لا يزال يقاوم ويراوغ كل جهود خفضه، أو الزيادات الحقيقية للأجور، أو مستويات معيشة السكان الذين صار الفقر يتهددهم أكثر من أي وقت مضى، وملكية المنازل باتت أصعب.

وفي تقرير اقتصادي نشر في نهاية العام الماضي، قدرت مؤسسة "ريزوليوشن" البحثية أن متوسط الأرباح الأسبوعية الحقيقية في عام 2023 كان أقل بمقدار 205 جنيهات إسترلينية (262 دولاراً) عن المستوى الذي كان ليكون عليه لو استمر النمو بنفس الوتيرة كما كان قبل الأزمة المالية عام 2008.

ويرى الخبير الاقتصادي نيك ريدباث، الباحث في معهد الدراسات المالية، أن الفترة بين عامي 2010 و2024 شهدت أوضاعاً اقتصادية غير مسبوقة، وأسفر ذلك عن أزمات متعددة من الركود إلى التقشف، وكل ذلك أدى إلى انكماش للإنتاجية وتدهور لمستويات المعيشة للأفراد.

هؤلاء الأفراد، الذين يمثلون الناخبين البريطانيين الغاضبين في أغلبهم من سوء إدارة حكومات المحافظين -حتى وإن كانوا غير مسؤولين بشكل كامل عن كل هذا التدهور- سيجدون ضالتهم في عقاب حزب المحافظين، بورقة وقلم وصندوق اقتراع.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة