تجدد الاشتباكات يُعمق الوضع الاقتصادي المتردي في سوريا.. ما الذي تكشفه الأرقام؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

يرزح الاقتصاد السوري تحت وطأة حرب مستعرة منذ العام 2011، أسفرت عن دمار واسع في البنية التحتية وقطاعات الإنتاج، مع خسارة تُقدر بحوالي 600 مليار دولار. 

شهدت البلاد انهياراً في الناتج المحلي الإجمالي، حيث تقلصت القيمة الإجمالية للنشاط الاقتصادي بشكل حاد نتيجة لتوقف الإنتاج الصناعي وتضرر الزراعة، التي كانت تعد من أبرز دعائم الاقتصاد السوري. فضلاً عن العقوبات الاقتصادية الغربية التي زادت من تعقيد الوضع، مما جعل التعافي أمراً بالغ الصعوبة.

ومع تجدد الاشتباكات العميقة على نحوٍ واسع من جديد، جراء الهجوم المباغت لفصائل المعارضة، والذي تمكنت من خلاله التقدم والسيطرة في ثلاث محافظات (إدلب وحماة وحلب) ومع قيام الجيش السوري -بدعم من الطيران الحربي الروسي- بضربات جوية لاستعادة السيطرة، فإن المشهد يزداد تعقيداً من جديد بعد خفوت نسبي منذ استعادة الجيش السيطرة على حلب في 2016، ومنذ اتفاق خفض التصعيد في العام 2020.

تجدد الاشتباكات والتصعيد على هذا النحو يُعمق الوضع الاقتصادي المتردي في سوريا (التي خسرت 442 مليار دولار بين عامي 2011 و2019 طبقاً لبيانات الأمم المتحدة)، لا سيما  بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لمدينة "حلب" التي دخلتها فصائل المعارضة، والتي تعد المحافظة الاقتصادية لسوريا ويقدر حجم مساهمتها في الاقتصاد بحوالي 24% وتزخر بآلاف المنشآت الصناعية التي تشكل حوالي 30% من إجمالي المنشآت في سوريا.



تراجعت العملة السورية لمستوى قياسي جديد ليصبح كل دولار يعادل 16 ألف ليرة سورية بعد تفاقم التوترات الجيوسياسية في شمال غرب سوريا.

من جهته، حذر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة من تفاقم نقص السيولة في مدينة حلب بعد أن ذكرت مصادر إعلامية محلية أنه تم إفراغ البنوك الحكومية والخاصة في حلب من الليرة السورية.

في عام 2023، انخفضت قيمة الليرة السورية بنسبة 141% مقابل الدولار الأميركي، وفي الوقت نفسه تشير التقديرات إلى أن تضخم أسعار المستهلكين ارتفع بنسبة 93%، وقد تفاقم هذا الوضع بسبب خفض الدعم الذي تقدمه الحكومة، بحسب بيانات البنك الدولي، التي تشير إلى أنه مع تباطؤ الاقتصاد، لا تزال إيرادات المالية العامة تسجل تراجعاً. واستجابة لذلك، خفضت السلطات الإنفاق بشكل أكبر، لا سيما في ما يتعلق بالإنفاق الرأسمالي، مع الضبط الشديد لبرامج الدعم.

تفاقم الصراع العسكري في سوريا يزيدمتاعب الليرة

تُبرز أحدث التقديرات الصادرة عن البنك الدولي قبل منتصف هذا العام حجم المعاناة المستمرة التي يعيشها الاقتصاد السوري، والتي من المرجح أن تفاقمها التطورات الراهنة على نحوٍ أوسع، لا سيما مع تفاقم تأثيرات الصدمات الخارجية أيضاً جنباً إلى جنب والوضع المتردي أساساً الذي يواجه اقتصاد البلاد تحت وطأة الحرب وآثارها الممتدة والمستمرة.

ووفق تقرير "المرصد الاقتصادي لسوريا" الصادر ربيع هذا العام، فإنه من المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في سوريا بنسبة 1.5% في العام الجاري 2024.

تراجع النشاط الاقتصادي بالبلاد بنحو 1.2 على أساس سنوي، لا سيما في المناطق الواقعة إلى الحدود الغربية، مع ضعف النشاط التجاري بصفة خاصة.

ويتعرض الاقتصاد السوري إلى "حالة غير مسبوقة" من عدم اليقين. ومن المتوقع انكماشه بنحو 1.5% العام الجاري، بعد التراجع الذي بلغ 1.2% في 2023.  كما من المتوقع أن يبقى الاستهلاك الخاص، وهو عجلة النمو الرئيسية، في تراجع مع استمرار تآكل القوة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار.

كما يتوقع أن يستمر ضعف الاستثمار الخاص في ظل عدم استقرار الوضع الأمني والضبابية في المشهد الاقتصادي و على مستوى السياسات. ومن المتوقع أن يبقى التضخم مرتفعاً في عام 2024 بسبب الآثار الناجمة عن انخفاض قيمة العملة، فضلاً عن العجز المستمر في أرصدة العملات الأجنبية، واحتمال إجراء مزيد من الخفض في دعم الغذاء والوقود (المحروقات). وتشير موازنة عام 2024 إلى استمرار خفض الدعم للسلع الأساسية، وفق البنك الدولي.



الأزمة الإنسانية والاقتصادية تسير جنباً إلى جنب، حيث ارتفعت معدلات الفقر بشكل غير مسبوق، لتصل إلى مستويات كارثية. يعاني ملايين السوريين من انعدام الأمن الغذائي، بينما تكافح الأسر لتلبية احتياجاتها الأساسية بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الأساسية والنقص الحاد في الوقود. كما أدت أزمة الليرة السورية المتدهورة إلى تقويض القوة الشرائية للمواطنين، مما جعل من الصعب تحقيق أي استقرار اقتصادي في المستقبل القريب.

ولا يزال نحو 69% من السكان (14.5 سوريا) يعيشون في فقر. وقد طال الفقر المدقع أكثر من واحد من كل أربعة سوريين (وفق بيانات 2022 الصادرة عن البنك الدولي) والتي ترجح زيادة الأعداد بعد الزلزال الذي ضرب البلاد في فبراير/ شباط 2023.

ويشار إلى أن أكثر من 50% من الفئات الأشد فقراً يعيشون في ثلاث محافظات فقط (حلب وحماة ودير الزور)، وتسجل المحافظات في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا أعلى معدل لانتشار الفقر. أما الأسر التي تعيلها نساء والأسر النازحة داخلياً، فهي الأكثر عرضةً لمخاطر الفقر.

شاهد أيضاً: مع تفاقم التوترات الجيوسياسية في سوريا.. الأمم المتحدة تحذر من تفاقم شح السيولة في مدينة حلب

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة