كيف يتأثر الاقتصاد السوري حال رفع العقوبات الاقتصادية؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

منذ القرن الماضي يرزح الاقتصاد السوري تحت اضطرابات تفاقمت أثناء الحرب، حيث تكبد خسائر واسعة مع تراجع حجم رأس المال الأجنبي والاستثمارات الخارجية، وهبوط دراماتيكي للإنتاج المحلي، وترافق ذلك مع عقوبات قاسية أنهكت الشعب السوري.

فهل يقترب موعد فك الخناق وإلغاء العقوبات وكيف سيكون حال الاقتصاد في حال رفعها؟

بعد انهيار نظام بشار الأسد، بدأت تتكشف أمام الحكومة الجديدة أهوال الانهيار الاقتصادي والمالي جراء الإدارة السابقة وتأثير العقوبات، الأمر الذي يعيق تقديم أبسط الخدمات التي يستحقها المواطن السوري.

في آخر تصريحات لمسؤول رسمي، كرر وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة أسعد حسن الشيباني، دعوة حكومته للولايات المتحدة لرفع العقوبات عن سوريا. وجاءت التصريحات خلال مقابلة مع صحافيين على هامش زيارته لدولة قطر حيث التقى فيها بمسؤولين قطريين.

ومع خطوة وزارة الخزانة الأميركية الآيلة إلى منح بعض الإعفاءات للإدارات الرسمية السورية، تبدأ الدعوات إلى رفع العقوبات كلياً حتى تتمكن الإدارة الجديدة من تنظيم شؤون الدولة وإعادة الإعمار وتحديث البنية التحتية المتهالكة وتأمين احتياجات المواطنين من خبز ووقود وغيرها من المواد الأساسية.

اقرأ أيضاً: فرص وتحديات.. ما مستقبل الاقتصاد السوري بعد الأسد ومتطلباته للتعافي؟ (خاص CNBC عربية)

 أُصيب الاقتصاد السوري بالدمار في حرب أهلية استمرت أكثر من 10 سنوات وعقوبات جعلته في معزل عن النظام المالي العالمي. ورغم منح بعض الإعفاءات للغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية في ظل العقوبات المفروضة على سوريا، فإن الصعوبات البيروقراطية في إيصال هذه المساعدات تحول دون تخفيف آثارها على الشعب السوري.

ومن المتوقع أن يكون لرفع العقوبات المفروضة على سوريا فوائد من تسريع النمو الاقتصادي في سوريا، وبما يساعد على انتعاش الدورة الاقتصادية والإنتاج الزراعي والصناعي وتنشيط قطاع الخدمات وجذب الاستثمارات الخارجية. 

البداية بالبناء الداخلي بعد عودة المهجرين واللاجئين وأصحاب رأس المال والمنشآت سواء الذين هاجروا خلال سنوات الحرب أو حتى المقيمين في الخارج، بالإضافة إلى أن الاعتماد والتعويل على الاستثمار العربي والدولي كبير جداً، لكن هذا المشروع ضخم تعترضه العقوبات التي ستمنع الشركات والكيانات التي تريد المساهمة في الإعمار من المشاركة.

في هذا الإطار، تراهن الحكومة الجديدة على رفع العقوبات، ما سيفتح لها المجال لإعادة بناء الاقتصاد الذي دمرته الحرب، وأوصلت الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 6 مليارات دولار في 2024، مقارنة بأكثر من 61 ملياراً في 2010، كما ستساعد هذه الخطوة في تدفق المساعدات والاستثمارات وعمليات التمويل والمشاركة في عملية الإعمار، التي تقدر الأمم المتحدة تكلفتها بنحو 400 مليار دولار.

وضع الاقتصاد السوري

صورة الاقتصاد السوري في ظل العقوبات قاتمة. وقد نقل البنك الدولي عن بيانات سورية رسمية في ربيع عام 2024 أن الاقتصاد انكمش بأكثر من النصف خلال الفترة بين عامي 2010 و2021. ومع ذلك، قال البنك إن هذا ربما يكون أقل من التقديرات الحقيقية.

وأشارت حسابات البنك، والذي يقيس إجمالي النشاط الاقتصادي، إلى انكماش حاد بواقع 84% بين عامي 2010 و2023.

في عام 2018، صنّف البنك الدولي سوريا ضمن الدول منخفضة الدخل. وتقول وكالات تابعة للأمم المتحدة إن أكثر من 90% من السوريين البالغ عددهم 23 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر.

وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن حجم الاقتصاد السوري بلغ 23.63 مليار دولار في عام 2022، وهو ما يعادل تقريباً حجم الاقتصاد في ألبانيا وأرمينيا اللتين يقل عدد سكان كل منهما عن ثلاثة ملايين نسمة.

تدهور العملة السورية

في عام 2019، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في سوريا. وقدمت مجموعة متنوعة من أسعار الصرف لمختلف المعاملات بهدف حماية الوصول إلى العملات الأجنبية المحدودة.

وفي أعقاب تولي الحكام الجدد السلطة في ديسمبر / كانون الأول، تعهد مصرف سوريا المركزي باعتماد سعر صرف موحد رسمي.

اقرأ أيضاً: العقوبات المفروضة على سوريا.. إرث ثقيل وأسئلة مفتوحة بعد سقوط النظام


وفي بيانات نشرها مصرف سوريا المركزي، وصل السعر الرسمي إلى 13065 ليرة للدولار، مقارنة مع 47 ليرة للدولار في مارس/ آذار 2011 عندما اندلعت الحرب الأهلية في البلاد، وفقاً لبيانات مجموعة بورصات لندن.

وأظهرت إحدى شركات الاستشارات المالية ارتفاع أسعار الصرف في السوق السوداء إلى 22 ألفاً في وقت سقوط الرئيس السابق بشار الأسد، لكنها انخفضت اليوم الاثنين إلى 12800.

ولتسيير الشؤون النقدية، عيّنت الحكومة المؤقتة ميساء صابرين حاكماً لمصرف سوريا المركزي، لتكون أول امرأة تتولى هذا المنصب منذ تأسيسه قبل أكثر من 70 عاماً.

احتياطيات مصرف سوريا المركزي 

يعمل الحكام الجدد على تحديد ما تبقى في خزائن الدولة. وقال رئيس الوزراء المؤقت محمد البشير إن احتياطيات النقد الأجنبي قليلة للغاية. وقالت مصادر لرويترز إن خزائن المصرف المركزي تحتوي على نحو 200 مليون دولار بالإضافة إلى 26 طناً من الذهب بقيمة 2.2 مليار دولار بأسعار السوق الحالية.

وهذا أقل بكثير من الاحتياطيات البالغة 18.5 مليار دولار التي قدرها صندوق النقد الدولي في عام 2010، وأقل من الحد الأدنى الآمن الذي يغطي واردات البلاد لمدة ثلاثة أشهر.

الأصول المجمدة

وجمدت حكومات غربية أصولاً سورية تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات منذ بدء الحرب، ولكن من غير الواضح قيمة هذه الأصول ومكانها.

وقالت الحكومة السويسرية إن قيمة الأصول السورية المجمدة في البلاد تبلغ نحو 99 مليون فرنك سويسري، نحو 112 مليون دولار، بحسب رويترز.

وفي أبريل/ نيسان، قدّرت تقارير قيمة الأصول المجمدة في المملكة المتحدة بنحو 163.2 مليون جنيه إسترليني، نحو 205.76 مليون دولار.

ورغم العقوبات المفروضة على مصرف سوريا المركزي، سمحت حكومات غربية لسوريا بالاستفادة من الأموال المجمدة لأغراض إنسانية، مثل الدواء والغذاء.

وتوقعت الحكومة السورية الجديدة استعادة أصول مجمدة في الخارج بقيمة 400 مليون دولار للمساعدة في تمويل بعض الإجراءات الإصلاحية مثل زيادات الرواتب 400% لبعض موظفي القطاع العام بداية من الشهر المقبل.

هل ترفع العقوبات؟

حتى الآن المواقف الغربية ضبابية حيال وقف العقوبات أو رفعها عن آلاف الشركات والأصول السورية التي تقدر بالمليارات من دون وجود أرقام محددة لتقييمها بالكامل.

أفادت صحيفة وول ستريت جورنال نقلا عن مسؤولين عن حذر البيت الأبيض بشأن رفع العقوبات الشاملة على سوريا حتى يتضح "الاتجاه الذي تتخذه الحكومة الجديدة"، في ظل تأكيد بايدن أن حكومته "تقيم الإدارة السورية الجديدة بناء على أفعالها وليس أقوالها".

اعتبر أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي أنه من السابق لأوانه التفكير في رفع العقوبات عن سوريا بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد ، في دلالة على أن واشنطن لن تغير على الأرجح سياستها قريباً.

وفي وقت سابق من ديسمبر، أقر مجلس النواب الأميركي قانون تفويض الدفاع الوطني، ويتضمن تمديد عقوبات "قانون قيصر" حتى عام 2029 والتي تنطبق على الأعمال التجارية في سوريا وأي مواطن يتعامل مع سوريا أو الكيانات الروسية والإيرانية في سوريا.

الموقف الأوروبي

وبالنسبة للموقف الأوروبي، أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، بعد لقائها قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع،  أن رفع العقوبات عن سوريا "يعتمد على العملية السياسية"، مؤكدةً على ضرورة مشاركة كل المكونات السورية في إعادة بناء الدولة.

وبدورها، أكدت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس أن التكتل لن يرفع العقوبات المفروضة على سوريا، بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، إلا إذا ضمن حكامها الجدد عدم اضطهاد الأقليات وحماية حقوق المرأة تحت مظلة حكومة موحدة تنبذ التطرف الديني.

بالنسبة للإدارة الجديدة في سوريا فإن العقوبات المتشددة على سوريا بما فيها قانون قيصر قد انتفت أسبابها وموجباتها وحان الوقت لرفعها، 

فهل تتخذ إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب القرار في بداية العهد لتفتتح صفحة اقتصادية جديدة لسوريا ولمنطقة الشرق الأوسط ككل؟

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة