بقلم فاروق يوسف - محرر في CNBC عربية
تشكل ارتفاعات التضخم وبطء تعافي سلاسل الإمداد والتوريد وتقلبات أسعار الطاقة والغذاء، ضغوطًا على البنوك المركزية حول العالم، مما جعلها تسلك مسار التشديد النقدي، وتتجه إلى رفع الفائدة على نحو متتالي.
سباق الفائدة بين الاقتصادات المتقدمة والصاعدة
سباق البنوك المركزية حول زيادة أسعار الفائدة يزيد بالتبعية الطلب على الاستثمار في عملتها المحلية، الأمر الذي زاد من حدة المنافسة حول التدفقات النقدية "الأموال الساخنة" بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة.
يصف صندوق النقد الدولي الوضع الحالي بـ"الهشاشة" مضيفاً: "أسعار فائدة الاقتصادات المتقدمة سترتفع أكثر، و"مزاج" المستثمرين تجاه اقتصادات الأسواق الصاعدة يمكن أن يتدهور".
بداية، الأموال الساخنة هي شكل من أشكال الاقتراض تكمن صورتها في استثمارات أذون الخزانة أو السندات ذات أسعار الفائدة العالية في الاقتصاديات النامية، لكن سرعان ما تهرب هذه الأموال في حالة لجوء بلد آخر إلى تبني أسعار فائدة أعلى، وقد تكون ذات أثر صحي في ظروف معينة.
لماذا مصر؟
نستعرض في التقرير التالي أثر ذلك على أحد أهم الأسواق الناشئة في العالم، وهو اقتصاد مصر باعتباره أحد الاقتصادات التي تأثرت بشدة نتيجة التوترات الجيوسياسية الجارية.
رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، رد على CNBC عربية، في منتصف شهر مايو أيار الجاري، وقال: "حجم الأموال الساخنة التي خرجت من مصر منذ بداية العام وصل إلى 20 مليار دولار".
اتفق عدد من بنوك الاستثمار في مصر على أن سبب خروج هذه الأموال نتيجة توجه الفدرالي الأميركي إلى رفع الفائدة لأعلى معدل منذ عقدين في محاولة للسيطرة على معدلات التضخم التي بلغت ذروتها منذ 40 عامًا.
نتج عن هذا الأمر، ارتفاع الدولار لأعلى مستوى له منذ 20 عامًا أمام جميع العملات الرئيسة، وارتفعت العوائد على السندات الأميركية، وهو ما أثر سلبًا على تدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة.
ظروف غير مثالية
تعتبر الفترة الحالية غير مثالية للأسواق الصاعدة "الناشئة".. لماذا؟ تشرح نائبة رئيس قسم البحوث للاقتصاد الكلي، بشركة زيلا كابيتال، آية الزهيري، وتقول إن إعلان الفدرالي الأميركي عن خطته للتشديد النقدي بدءًا من شهر يونيو المقبل، تزامنًا مع رفع الفائدة، يعتبر مستوى غير مسبوق من التشديد، وهو ما يؤثر على تقييم الأصول في الأسواق الناشئة.
وأضافت الزهيري "في ظل هذه الظروف من غير المتوقع أن تستعيد الأسواق الناشئة جزءًا من قوتها أو زخمها قبل فترة التشديد النقدي، ومن المتوقع لفترة طويلة أن يكون حجم السيولة الدولارية منخفض، وبالتالي تراجع حجم التدفقات الأجنبية لأصول الأسواق الناشئة، وهو ما يضع الأصول المقومة بالعملات المحلية في الأسواق الناشئة تحت ضغط".
ما انعكاس ذلك على مصر؟
رغم اتفاق البنوك الاستثمارية التي تحدثت مع CNBC عربية على سبب هروب الأموال الساخنة من مصر بشكل خاص وكذلك الأسواق الناشئة عام، إلا أنهم اختلفوا في تقديراتهم حول قدرة اجتذاب السوق المصري على مثل هذه الأموال على مدار عام 2022.
الرئيس المشارك لقسم البحوث ببنك الاستثمار سي آي كابيتال، منصف مرسي، توقع وصول حجم الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة بنهاية عام 2022، ما بين 2 إلى 3 مليار دولار.
أما مساعد مدير ومحلل الاقتصاد الكلي في أرقام كابيتال، نعمان خالد، قدر حجم الأموال الساخنة المتدفقة إلى مصر بـ 10 مليارات دولار لنفس الفترة المذكورة سالفًا.
لكن رئيس قسم البحوث بشركة برايم لتداول الأوراق المالية، عمرو الألفي، رجح استمرارية خروج الأموال الساخنة في ظل الأوضاع الحالية، إذا لم يتم أي طروحات كبيرة تسهم في اجتذاب تدفقات جديدة.
واتفقت محللة الاقتصاد الكلي بشركة زيلا كابيتال، مع الألفي، ورأت صعوبة عودة استثمارات الأجانب في الأموال الساخنة بكثافة الفترة الراهنة.
يُذكر أن سعر الفائدة على الجنيه المصري حاليًا عند 11.25% للإيداع، و12.25% للإقراض.
ما مبررات توقعات بنوك الاستثمار؟
"سي آي كابيتال": توجه المركزي المصري نحو مزيد من رفع الفائدة سيقلل من خروج آخر للاستثمارات غير المباشرة، وقد يجذب تدفقات جديدة لكن بصورة قليلة.
"أرقام كابيتال": الاتفاق مع صندوق النقد، والاستثمارات الخليجية المقبلة، من شأنهما توفير سيولة دولارية سيكون لها القدرة على جذب مزيد من المستثمرين في الأذون والسندات.
"برايم": ارتفاع الفائدة الأميركية يزيد من مخاطر الاستثمار في الاقتصادات الناشئة، لأنها ستضغط على أسعار السندات سلبًا.
"زيلا": اتجاه المستثمرين حاليًا نحو الدولار الأميركي، والهدف الأساسي لمصر الآن هو وقف نزيف خروج الاستثمارات الأجنبية من مصر.
تقديرات حجم الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة كانت نقطة الاختلاف الذي لا يفسد للمضمون قضية بين محللي الاقتصاد الكلي، لكن الجميع اتفق على صعوبة الأوضاع خاصة في ظل استمرارية أزمة روسيا وأوكرانيا، والتي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع، وتزايد معدلات التضخم.
ما مصير الجنيه المصري؟
يرى محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، أن تحرك الفدرالي نحو رفع الفائدة "غير مقلق".. وتعهد بأن الاستثمار في الجنيه المصري سيكون أكثر ربحية من العملات الأخرى.
ولهذا، رفع البنك المركزي الفائدة بواقع 3% منذ بداية العام، وخفض قيمة الجنيه لأكثر من 15% منذ مارس آذار الماضي، ويبدو أنه ينتهج سياسة المرونة في سعر الصرف.
وعلى مدار الأيام الماضية شهد الدولار تذبذبًا واضحًا أمام العملة المصري، إذ كان عند 18.23 جنيه للشراء، و18.29 جنيه للبيع مطلع الأسبوع، لكنه يتداول حاليًا عند 18.53 جنيه للشراء و18.64 جنيه للبيع.
وساهمت التغيرات الجيوسياسية العالمية، في هبوط صافي الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي المصري إلى سالب 221.3 مليار جنيه في نهاية مارس آذار من سالب 51.69 مليار جنيه في الشهر السابق، منخفضًا لستة أشهر متتالية من موجب 186.3 مليار جنيه في نهاية سبتمبر أيلول 2021، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
ووفقًا لمحللين، فقد أدت هذه التغيرات إلى زيادات كبيرة في أسعار الطاقة والغذاء عالميًا، وأثرت بشكل حاد على أعداد السياح الروس والأوكرانيين الوافدين إلى مصر، وهو ما قد زاد من الضغوط المالية على مصر.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي