عادت أزمة البنوك الإقليمية في أميركا لتطفو إلى السطح من جديد، والسبب تلك المرة أحد المنقذين الرئيسيين في الأزمة التي عصفت بالقطاع المصرفي الأميركي ربيع العام الماضي.
وبدأت التوترات الجديدة هذا الأسبوع، بعدما كشف New York Community Bancorp عن نتائج أعماله الفصلية عن الربع الأخير من 2023. إذ تدخل البنك ذاته لشراء Signature Bank الذي انهار في ظل أزمة البنوك الإقليمية العام الماضي.
عندما أعلن New York Community Bancorp نتائج أعماله الفصلية، أشار إلى خفض بنسبة 70% في توزيعات الأرباح، عند 17 سنتاً. وأرجع البنك هذا القرار إلى رغبته في تعزيز الميزانية العمومية بالمزيد من الاحتياطات النقدية.
كما أدى استحواذ البنك على Signature العام الماضي إلى زيادة إجمالي أصوله أعلى عتبة الـ100 مليار دولار، والتي تستوجب من البنوك متطلبات أكثر صرامة لرأس المال والسيولة.
وكان New York Community استحوذ العام الماضي على 34 مليار دولار من الأصول و13 مليار دولار من القروض، و25 مليار دولار من النقد لدى المتعثر Signature.
وأدت تلك الاستحواذات إلى تعزيز أصول البنك عند 116.3 مليار دولار، و85.8 مليار دولار من القروض و81.4 مليار دولار من الودائع حتى نهاية العام الماضي.
وتكبد البنك خسائر بقيمة 260 مليون دولار في الربع الرابع، مقابل أرباح عند 164 مليون دولار في الفترة ذاتها من 2022، كما سجل خسائر معدلة بقيمة 185 مليون دولار.
وأرجع البنك الأداء السلبي إلى ارتفاع خسائر القروض المتوقعة، ونبع معظمها من القروض المرتبطة بالمكاتب.
كما أضاف New York Community Bancorp أكثر من 550 مليون دولار لصالح مخصصات خسائر القروض وكان معظمها لصالح القروض المرتبطة بالعقارات.
وأنهى سهم البنك جلسة اليوم الذي وافق الإفصاح عن نتائج أعماله على تراجع بنحو 38% بعد الانخفاض بنسبة 46% خلال الجلسة، ومحت تلك الخسائر جميع المكاسب التي سجلها البنك منذ الاستحواذ على Signature، كما سجل أقل مستوى في 23 عاماً.
وتفاعلت أسهم البنوك الصغيرة مع هذا الانخفاض، فهبط مؤشر البنوك الإقليمية الأميركي KBW بنحو 6% في أسوأ أداء يومي منذ أزمة SVB.
واستفاد مستثمرو البيع على المكشوف من موجة التراجع الأخيرة في قطاع البنوك الإقليمية، إذ حققوا مكاسب بقيمة 1.04 مليار دولار في آخر جلستين على مستوى الـpaper profits (الزيادة في قيمة الاستثمار والتي تتضح في السجلات المالية دون أن يتضمن ذلك زيادة نقدية فعلية).
وكان New York Community Bancorp فقط مسؤول عن 122 مليون دولار من تلك المكاسب.
ودفعت تلك التطورات السريعة وكالة موديز إلى وضع New York Community رهن المراجعة السلبية. وأرجعت الوكالة تلك الخطوة إلى الخسائر غير المتوقعة، وضعف الأرباح، والانخفاض الكبير في رأس المال، والانخراط في النشاط المرتبط بسكن العائلات.
اقرأ أيضاً: شبح الأزمة المصرفية يعود ليلوح في الأفق!
يعيش سوق العقارات التجارية في أميركا في أزمة منذ جائحة كورونا مع تبني سياسات العمل عن بعد، وسط تراجع مستمر في قيم العقارات التجارية.
وتزامن مع تلك الأحداث ارتفاعاً سريعاً في معدل الفائدة مما جعل إعادة التمويل للمقترضين المتعثرين مسألة أكثر تكلفة. وتوقع الملياردير والمستثمر باري شتيرنليشت أن سوق المكاتب يتجه نحو خسائر بأكثر من تريليون دولار.
ويشير ذلك الوضع بالنسبة إلى المقرضين المزيد من حالات التخلف عن السداد وسط معاناة بعض الملاك لسداد القروض.
ووفقاً لشركة البيانات العقارية التجارية Trepp، تواجه البنوك ديوناً مستحقة على العقارات التجارية بقيمة 560 مليار دولار بحلول نهاية 2025.
وتعد البنوك الإقليمية هي الأكثر انكشافاً على تلك الصناعة، ومن المتوقع أن تتضرر بشكل أكبر من أقرانها الأكبر حجماً نظراً لافتقارها لمحافظ بطاقات الائتمان الكبيرة.
كما كشف تقرير لـJPMorgan العام الماضي، أن قروض العقارات التجارية تشكل 28.7% من أصول البنوك الصغيرة، مقارنة بـ6.5% فقط لدى المقرضين الأكبر حجماً.
اقرأ أيضاً: ما سر انهيار First Republic..وما تداعيات ذلك على القطاع المصرفي؟
وأثارت الخسائر المتراكمة لدى البنوك في أميركا وآسيا وأوروبا المخاوف بشأن الضعف على مستوى قطاع العقارات التجارية الأميركية، وهو قطاع يعاني من ضغط وسط تراجع مستويات الإشغال وارتفاع معدل الفائدة.
وهبط سهم Aozora Bank الياباني لأقل مستوى في 3 سنوات يوم الجمعة، بعدما خفض توقعاته السنوية من الأرباح إلى الخسائر بسبب العقارات التجارية الأميركية.
كما توقع البنك انخفاض معدل رأس المال إلى الأصول عند 6.6% بنهاية العام المالي الجاري وهو مستوى دون المستهدف البالغ 7%.
هذا ويرى Aozora أن سوق المكاتب الأميركية سيستغرق عامين ليستقر.
وفي هذا الصدد، كتب كبير المحللين لدى SMBC Nikko Securities أنه كان هناك مخاوف في السنوات الأخيرة بشأن انخفاض معدل رأس المال إلى الأصول وسط تدهور تكاليف الائتمان العقاري التجاري الأميركي.
فيما توقع نائب كبير الاقتصاديين العقاريين لدى Capital Economics تزايد الأدلة على وجود ضائقة هذا العام، وسط انتهاء عمليات تمديد تاريخ الاستحقاق للقروض. وأشار إلى أن العديد من المقرضين سيجبروا إما على ضخ رأس مال جديد، أو إعادة الأصول إلى المقرضين.
وبالانتقال من آسيا نحو أوروبا، رفع Deutsche Bank مخصصاته لخسائر القروض المرتبطة بقطاع العقارات التجارية الأميركية من 26 مليون يورو قبل عام إلى 123 مليون يورو.
وفي سويسرا، كشفت Julius Baer عن تراجع بأكثر من 50% في أرباحها، بعدما شطبت 606 ملايين فرنك سويسري (مليار دولار) من انكشافها على Signa وهي شركة متضررة أيضاً من أزمة العقارات التجارية.
فيما يرى بعض المتفائلين أن الخسائر التي سجلها New York Community هي نتيجة عوامل خاصة به فقط، وتحديداً فيما يتعلق بانتقاله إلى شريحة أعلى من حيث الأصول التي بحوزته.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي