في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، حضر نحو 12 من كبار المستثمرين في أمازون في غرفة مؤتمرات كبيرة في المقر الرئيسي للشركة في سياتل، وذلك للاجتماع الأول من نوعه "وجها لوجه" مع الرئيس التنفيذي الجديد آندي جاسي، والذي خلف جيف بيزوس في المنصب.
في ذلك الوقت، لم يكن المساهمون سعداء، بعدما أصبحت أمازون أول شركة تخسر تريليون دولار من قيمتها السوقية، وكانت في طريقها إلى خسارة سنوية قدرها 2.7 مليار دولار.
وعلى مدار الساعة التالية، أمطر المستثمرون جاسي بأسئلة محددة. وأجاب من جهته بخطط طويلة الأجل لجعل أعمال التجزئة والأعمال السحابية في أمازون أكثر كفاءة. وبحسب أحد المساهمين، فقد كانت إجاباته "مبنية على الحقائق"، وليست مغلفة بالسكر لإرضاء الجمهور، حسب ما نقلت "بيزنس إنسايدر".
حازت خطط جاسي على إعجاب الحاضرين، ومنذ تلك اللحظات، انتعش النمو وتم كبح التكاليف، وحقق الربح مؤخرًا رقمًا قياسيًا، كما زادت أسهم أمازون بأكثر من الضعف، مما دفع القيمة السوقية للشركة إلى ما يزيد عن 2 تريليون دولار لأول مرة.
وأوضح المساهم قائلا: "أصبحنا نرى شركة أكثر تركيزًا وعزيمة الآن. أفضل أن يكون لدينا جاسي بدلاً من بيزوس". وكان المساهم واحدا من بين أكثر من اثني عشر موظفًا ومستثمرًا ومحللًا في أمازون، أجرت معهم "بيزنس إنسايدر" مقابلات لفهم أفضل لأول ثلاث سنوات من عمل جاسي كرئيس تنفيذي.
ووصف هؤلاء الأشخاص، إنه بعد بداية مقلقة، وضع جاسي طابعًا شخصيًا واضحًا على أمازون من خلال إجراء تخفيضات قاسية واستثمارات أكثر اعتدالًا، وهو ما يمثل انفصالًا عن أسلوب إدارة بيزوس القائم على النمو بأي ثمن.
كما تكيف جاسي مع التغييرات التي تأتي حتمًا مع إدارة شركة أكبر وأكثر نضجًا، مع إحياء أجزاء رئيسية من ثقافة أمازون الاقتصادية الأصلية من خلال الاهتمام الدقيق بالتفاصيل والاتصالات الداخلية الجديدة.
اقرأ أيضاً: أمازون تصل إلى القيمة السوقية البالغة 2 تريليون دولار لأول مرة
ويؤكد الكثير أن خلافة شخص يحظى بالاحترام والكاريزما على غرار بيزوس في إدارة شركة عملاقة مثل أمازون هو أمر صعب. فمنذ بداية أمازون كبائع كتب صغير عبر الإنترنت في عام 1994، كان بيزوس هو وجه الشركة. ولكن أولوياته بدأت تتغير مع مرور العقود، وأصبح ثريًا بشكل لا يصدق. ولاحقا استحوذ على صحيفة واشنطن بوست، وبدأ يقضي المزيد من الوقت في شركته الفضائية بلو أوريجين. كما مر بطلاق، وحصل على صديقة جديدة، واشترى يختًا فاخرًا.
وعندما ضربت جائحة كوفيد-19 العالم في عام 2020، أطلقت أمازون حملة توظيف غير مسبوقة لمواكبة الطلب من المستهلكين العالقين في المنزل.
وأصبح جاسي الرئيس التنفيذي في يوليو (تموز) 2021. وبينما كان يستقر في موقعه، انهارت "طفرة الوباء"، حيث تبخر نمو التسوق عبر الإنترنت، وانخفضت أسهم التكنولوجيا، وأصبحت أمازون تعاني مع عدد "كبير جدا" من الموظفين وقاعدة تكلفة متضخمة؛ حتى أن البعض داخل أمازون تهامسوا بفكرة "إعادة بيزوس".
فمع تحول طفرة الوباء إلى كساد، أعطى جاسي الأولوية للتقشف. وعلى الرغم من أن أمازون كانت دائمًا تبشر بهذا، إلا أنه دفع الشركة إلى التركيز بشكل أكبر على التكاليف غير الضرورية وحتى التقشف، وفقًا لبعض الأشخاص الذين تحدثوا مع "بيزنس إنسايدر".
ونجح جاسي في تجاوز المحنة والكثير من المشكلات، وفي عام 2023، بدأ في الظهور في مؤتمرات رباح أمازون للإجابة على أسئلة مباشرة من المحللين، وهي ممارسة تخلى عنها بيزوس منذ سنوات. وقال أحد الأشخاص الذين تحدثوا مع "بيزنس إنسايدر" إن هذه الخطوة جاءت بعد أن اشتكى بعض المستثمرين من غياب جاسي عن تلك المؤتمرات مع انخفاض أسهم أمازون في أواخر عام 2022.
ولسنوات، ركز بيزوس بشكل أقل على المستثمرين، حيث كانت أمازون تعلن عن القليل من الربح أو عدم وجود ربح، في سعيه لتحقيق نمو لا نهاية له. ومع ذلك، فإن جاسي يبدو أنه أكثر إدراكًا لطبيعة ومزاجية وول ستريت، وغالبًا ما يتخذ قرارات رئيسية بناءً على كيفية تفكير المساهمين وردود أفعالهم، وفقًا للأشخاص الذين تحدثوا مع "بيزنس إنسايدر".
وفي مايو (أيار)، أطلق جاسي سلسلة فيديو داخلية تشارك وجهة نظره حول كل من مبادئ القيادة الستة عشر في أمازون، ورأى بعض الموظفين مقاطع الفيديو كتذكير بالعودة إلى جذور أمازون التقشفية.
وبحسب تعليقات عاملين، فقد شعر بعض الموظفين بالإحباط من موقف أمازون "افعل المزيد بأقل (مصروفات)"، لكن يبدو أن جاسي عازم على إبقاء الأمر على هذا النحو.
وخلال محادثة داخلية في أغسطس، ذكّر جاسي الموظفين بأن بعض أقدم منتجات "أمازون ويب سيرفسيز" تم بناؤها بواسطة فرق تضم أقل من 20 شخصًا، وقال إن أمازون بحاجة إلى التخلص من الفرق المتضخمة، بينما وجه تحذيرًا مشؤومًا للمديرين... كما ألغى جاسي أيضًا مشاريع ضخمة طويلة الأجل ومكلفة، مع خفض ما يقرب من 27 ألف وظيفة.
أيضا، تغيرت أيضًا الرسائل حول خدمة "برايم فيديو"، أحد أكبر مجالات الاستثمار في أمازون. إذ كان بيزوس يريد أفلامًا ضخمة الميزانية لمنافسة "صراع العروش"، لكن جاسي أوضح في رسالة إلى المساهمين في أبريل (نيسان) أنه يتوقع أن تصبح Prime Video خدمة مربحة في حد ذاتها.
وأشار مطلعون على الأمر، إلى أن جاسي لا يتخذ قرارات منفردة، بل يطلب من الإدارات المباشرة تحسين الدخل التشغيلي في وحدات معينة، ويترك هؤلاء المديرين التنفيذيين لاتخاذ القرارات المحددة.
وأسفرت هذه الخطوات المؤلمة عن نتائج مالية أقوى بكثير من تلك التي كانت موجودة في أي وقت عندما كان بيزوس مسؤولاً. وفي أحدث تقاريرها، شهدت أمازون تسارع النمو، بينما تضاعف الدخل التشغيلي ثلاث مرات عن العام الماضي إلى 15.3 مليار دولار، وهو أكبر ربح ربع سنوي في تاريخ الشركة.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي