من خفض الضرائب إلى تدمير الاقتصاد: 5 ميزانيات فارقة في تاريخ بريطانيا

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

إن كل الميزانيات مهمة، ولكن بعضها يكون ذا أهمية أكبر من غيرها؛ فمنذ مائة عام، استخدم السير وينستون تشرشل، في أول ظهور له كوزير للخزانة عام 1925، ميزانيته لإعادة بريطانيا إلى قاعدة الذهب. ومنذ ذلك الحين، أصبحت أول ميزانية تُقدم في برلمان جديد غالباً ما تترك أثراً لا يُنسى.

ولكنها ليست قاعدة ثابتة تماماً؛ فقد كانت أكثر الميزانيات إثارة للجدل التي وضعها السير جيفري هاو في عام 1981، في منتصف فترة حكم مارغريت تاتشر الأولى، عندما رفع الضرائب رغم الركود العميق الذي كان يعاني منه الاقتصاد. أثار ذلك القرار غضب 364 اقتصادياً ممن كتبوا إلى صحيفة "التايمز" احتجاجاً، ولا يزال يثير الانقسام بين الاقتصاديين حتى اليوم.

ولكن إذا وفت راشيل ريفز بوعودها وقدمت حزمة إجراءات صارمة من التدابير عندما تكشف عن محتويات الصندوق الأحمر يوم الأربعاء، فإنها بذلك ستسير على خطى العديد من أسلافها.

هناك العديد من الأسباب التي تجعل وزراء الخزانة يفضلون التحرك بقوة منذ البداية؛ فهي فرصة لتحديد مسار البرلمان، وتتيح الإصلاحات الهيكلية الكبرى فرصة لتحقيق نتائج ملموسة بمرور الوقت، كما تتيح للحكومة الجديدة إلقاء اللوم على خصومها المهزومين إذا كانت هناك قرارات غير مقبولة شعبياً يجب اتخاذها.

اقرأ أيضاً: للمرة الأولى منذ 2021... التضخم في بريطانيا أقل من مستهدف بنك إنكلترا

إليكم خمس ميزانيات أولى  كان لها أثر ملموس خلال نصف القرن الماضي، مع تقييم من أصل خمسة لمدى خروجها عن المألوف والإرث الذي تركته، وفقاً لصحيفة "الغارديان".

السير جيفري هاو، يونيو/حزيران 1979

لم يهدر السير جيفري هاو الكثير من الوقت بعد فوز حزب المحافظين في انتخابات مايو/أيار 1979 لمقاطعة الإجماع الاقتصادي السائد منذ ما بعد الحرب. فقد شكلت ميزانيته بداية تجربة الحزب المحافظ مع النظرية النقدية، التي أعطت الأولوية للسيطرة على التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة والسيطرة الصارمة على المالية العامة بدلاً من التشغيل الكامل للعمالة. تم تحرير الأسواق وتخفيض الضرائب على الدخل، في مقابل زيادة الضرائب على الاستهلاك.

وقد خفضت الميزانية أعلى نسبة للضريبة على الدخل المكتسب من 83% إلى 60%، وقلّصت نسبة الضريبة الأساسية على الدخل من 33% إلى 30%، ورفعت ضريبة القيمة المضافة من 8% إلى 15%، كما أعلنت عن تخفيف القيود على التعاملات الخارجية. وفي ذلك اليوم، كانت أكثر جوانب الميزانية إثارة للجدل هي مضاعفة ضريبة القيمة المضافة، التي رأت فيها المعارضة العمالية خيانة لوعد انتخابي، إلا أن حزمة هاو وضعت النموذج الذي سيستمر العمل به لسنوات.

نايغل لوسون، مارس/آذار 1988

شغل نايغل لوسون منصب وزير الخزانة منذ عام 1983، لكن ميزانيته الأكثر شهرة جاءت بعد انتخابات عام 1987 التي فاز فيها المحافظون بسهولة، ويرجع ذلك جزئياً إلى تخفيضات الضرائب التي أُجريت قبل الانتخابات.

وبحلول ربيع عام 1988، تعافى الاقتصاد من الركود العميق الذي شهده أوائل الثمانينيات، ولم تكن هناك آثار دائمة لانهيار سوق الأسهم في أكتوبر/تشرين الأول 1987. ومع ذلك، لم يلتزم لوسون بالنموذج المعتاد لما بعد الانتخابات، بل استغل قوة المالية العامة للإعلان عن تخفيضات ضريبية شاملة. فخفض أعلى معدل للضريبة على الدخل من 60% إلى 40%، وخفض المعدل الأساسي من 27% إلى 25%.

كان ذلك اليوم من أكثر أيام الميزانية إثارة في الماضي القريب، حيث اضطر نائب رئيس مجلس العموم إلى إخلاء القاعة مرتين بسبب اعتراض نواب حزب العمال على تخفيضات الضرائب التي استفاد منها الأثرياء.

كما أعلن لوسون أنه، اعتباراً من شهر أغسطس/آب، لن يكون بإمكان الأزواج الذين يشترون منزلاً الحصول على إعفاء ضريبي مزدوج للرهن العقاري، مما أدى إلى موجة من شراء العقارات مع تسارع المشترين لاستباق الموعد النهائي.

بلغ ازدهار لوسون ذروته في صيف عام 1988، لكنه انهار لاحقاً بعد أن تم مضاعفة أسعار الفائدة من 7.5% إلى 15% في غضون أكثر من عام بقليل للحد من تضخم الاقتصاد.

نورمان لامونت وكينيث كلارك، مارس/آذار ونوفمبر/تشرين الثاني 1993

كان عام 1993 عاماً شهد ميزانيتين، رغم أنهما كانتا في الواقع جزءاً من حزمة صارمة واحدة تهدف إلى إصلاح الأضرار التي لحقت بالمالية العامة بسبب ركود أوائل التسعينيات.

في مارس/آذار 1993، كان الاقتصاد في مراحل مبكرة من التعافي الذي تحقق بفضل خروج الجنيه الإسترليني من آلية سعر الصرف الأوروبية (ERM) قبل ستة أشهر. وقد بدأ النمو بالتحسن نتيجة تخفيض أسعار الفائدة وانخفاض قيمة الجنيه، مما جعل الصادرات أرخص.

ومع أن التعافي كان لا يزال هشاً، أعلن وزير الخزانة نورمان لامونت عن زيادات ضريبية ستُطبق على مراحل، وكان القرار الأكثر إثارة للجدال من بين هذه الزيادات هو القرار بفرض ضريبة القيمة المضافة تدريجياً على الغاز والكهرباء المحليين.

وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني، كان التعافي قد تقدم أكثر، وحلّ كينيث كلارك محل لامونت كوزير للخزانة، فأتم الإجراءات التي بدأت في وقت سابق من العام. وفيما يُعتبر حتى الآن أكبر تشديد للسياسة المالية منذ الحرب العالمية الثانية، قام كلارك بتجميد إعفاءات الضرائب الشخصية وفرض ضرائب خفية على التأمين والمسافرين جواً.

وعلى الصعيد الاقتصادي، حققت الميزانيتان اللتان أقرتهما الحكومة في عام 1993 النجاح المطلوب، حيث ضمنت زيادات الضرائب توجيه فوائد انخفاض أسعار الفائدة وضعف قيمة الجنيه نحو الشركات المصنعة والمصدرين بدلاً من المستهلكين.أما على الصعيد السياسي فقد كانت هذه الزيادات غير شعبية على نطاق واسع.

غوردون براون، أبريل/نيسان 2002

بحلول ميزانية عام 2002، كان غوردون براون قد قضى نحو خمس سنوات كوزير للخزانة، وقدم حينها ميزانية مخططاً لها بعناية، حيث رفع الضرائب لتمويل الإنفاق المتزايد على هيئة الخدمات الصحية الوطنية
كان حزب العمال قد حقق فوزاً ساحقاً للمرة الثانية في العام السابق، لكن براون كان قلقاً من مقاومة الناخبين المحتملة لزيادة الضرائب. لذا طلب من المصرفي ديريك وانليس إجراء مراجعة استمرت عاماً كاملاً حول وضع هيئة الخدمات الصحية. وخلصت المراجعة إلى أن المملكة المتحدة تتخلف عن الدول المتقدمة الأخرى في النتائج الصحية بسبب قلة الإنفاق مقارنة بها.

كانت هذه النتيجة هي ما أراده براون، وقد وفرت له غطاءً سياسياً لزيادة مساهمات التأمين الوطني بنسبة نقطة مئوية واحدة، مما وضع الأساس لأكبر زيادة مستدامة في الإنفاق الصحي منذ تأسيس هيئة الخدمات الصحية الوطنية عام 1948.

وقال وزير مالية لويس الرابع عشر، جان بابتيست كولبير ذات يوم:«فنّ الضرائب يتمثل في نتف الريش من الإوزة للحصول على أكبر قدر ممكن من الريش مع أقل قدر ممكن من الصخب». كانت ميزانية براون لعام 2002 مثالاً بارعاً على فن «نتف الإوز».

كواسي كوارتينغ، سبتمبر/أيلول 2022

من الناحية التقنية، كانت حزمة الإجراءات التي أعلنها كواسي كوارتنغ، بعد أقل من شهر على توليه منصب وزير الخزانة في حكومة ليز تراس، مجرد بيان مالي وليس ميزانية رسمية. لكنها كانت غنية بالمحتوى، ولها طابع درامي شبيه بالميزانيات.

كانت رئيسة الوزراء آنذاك ليز تراس وووزير الخزانة كواسي كوارتنغ محبطين من تباطؤ النمو في المملكة المتحدة، ومستعدين لمواجهة قوى الاقتصاد التقليدي. في يومه الأول في وزارة الخزانة، أقال كوارتنغ كبير مسؤولي الخزانة، السير توم سكولار، وأوضح لاحقاً أنه لن يطلب من مكتب مسؤولية الميزانية المستقل تقديم تقييم لخططه.

اقرأ أيضاً: وزير الدفاع البريطاني: لن أترشح لخلافة تراس وأميل لدعم جونسون

سرعان ما بدأت الحزمة في التفكك بشكل سريع وعنيف. فبعد ساعات من إعلان كوارتنغ عن تخفيضات ضريبية بقيمة 45 مليار جنيه إسترليني، شملت خفض معدل ضريبة الدخل الأساسي من 20% إلى 19%، وإلغاء ضريبة الـ 45% الأعلى، وإلغاء زيادة مخططة في مساهمات التأمين الوطني، هبط الجنيه الإسترليني بشكل حاد، حيث أصابت الأسواق المالية حالة من الذعر. وتدخل بنك إنجلترا لوقف الانهيار في صناديق التقاعد في المملكة المتحدة، وارتفعت معدلات الرهن العقاري بشكل كبير.

تم استدعاء كوارتنغ من الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي في واشنطن ليتم إقالته بعد ثلاثة أسابيع. ولم تصمد تراس في منصبها لفترة أطول.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة