في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية المستمرة التي شهدتها سوريا طوال سنوات الصراع، اعتمد نظام الرئيس السابق بشار الأسد بشكل متزايد على شبكة من الحلفاء المحليين والشركات لتعزيز سلطته وضمان استمرارية حكمه.
في الوقت الذي كان يواجه فيه عزلاً دولياً وعقوبات خانقة، أصبحت هذه شبكة الحلفاء والمصالح التجارية المحلية بمثابة ركيزة أساسية لتثبيت أركان نظامه.
الشركات التابعة لرجال أعمال مقربين من النظام السابق مثل عائلة قاطرجي، وأسماء أخرى بارزة، كانت تشكل العمود الفقري لمجموعة واسعة من المصالح الاقتصادية الخاصة بالنظام في قطاعات اقتصادية مختلفة، بما في ذلك قطاع النفط والطاقة، الذي اتبع خلاله النظام السابق سياسة "خلق السوق السوداء لتحقيق أفضل مكاسب شخصية للعائلة"، بحسب تعبير وزير النفط والثروة المعدنية السوري، غياث دياب، لدى حديثه الحصري مع CNBC عربية.
يُنظر لعائلة "القاطرجي" التي كانت شركاتها تدير آبار النفط في مناطق النظام السوري، على اعتبارها واحدة من دوائر شبكة المصالح المرتبطة بالنظام.. فكيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع تلك الشركات؟
واحدة من السيناريوهات المطروحة ما يتعلق بإمكانية التحفظ على أصولها وغيرها من الشركات ذات الصلة التي كانت ترتبط مع النظام بعلاقات تجارية واقتصادية.. فهل يتحقق ذلك السيناريو؟
وزير النفط والثروة المعدنية السوري، أجاب عن تلك التساؤلات لدى حديثه مع CNBC عربية، قائلاً: "إن شركات القاطرجي وغيرها من الشركات التي كانت تعمل مع رأس النظام هي محل نظر قانوني.. وذلك ليس من اختصاص وزارة النفط مباشرة"، لافتاً إلى أنه من اختصاص وزارة العدل.
وبسؤاله عن ما إذا كان سوف يتم تحريك دعاوى قضائية في هذا السياق، رهن الوزير غياث دياب ذلك بـ "حالة تحديد هوية الشركات وماهيتها وملكيتها".
تعمل مجموعة قاطرجي في دمشق في العديد من القطاعات وعلى رأسها النفط، وأيضاً الاستثمار العقاري والزراعة والسياحة والتجارة، وغيرها.
تقرير سابق صادر عن وزارة الخارجية الأميركية (في العام 2022) مقدم إلى الكونغرس، تناول تقديرات القيمة الصافية والمصادر المعروفة للدخل لبشار الأسد وأفراد أسرته، أشار إلى عائلة القاطرجي باعتبارها واحدة من العائلات المرتبطة بالنظام والخاضعة لعقوبات.
بحسب التقرير -المنشور على الموقع الإلكتروني للخارجية الأميركية، فإن عائلة قاطرجي "تدير شركاتها وميليشياتها آبار النفط في مناطق النظام وفي الماضي سهلت تجارة الوقود بين النظام وداعش".
وصنف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية محمد قاطرجي وشركة قاطرجي في العام 2018 بموجب الأمر التنفيذي 13582 لتسهيل تجارة الوقود بين النظام وداعش، حيث كانت شركات القاطرجي تشتري النفط من المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، لتقوم بنقله إلى مناطق سيطرة النظام السابق.
وبعد ذلك تحولت الشركات إلى شراء النفط من مناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي كانت تسيطر على الآبار النفطية بعد القضاء على داعش، الأمر الذي سهّل للنظام السوري استمرارية الحصول على المحروقات.
يشير الأمر التنفيذي رقم 13582 الصادر بتاريخ 17 آب/أغسطس 2011 إلى "حظر ممتلكات الحكومة السورية وحظر معاملات معينة ذات صلة بسوريا".
اقرأ أيضاً: عائلات وكيانات سورية ارتبطت أسماؤها بالثروة والنفوذ الاقتصادي في عهد الأسد
وكان قد تم إدراج شركة "القاطرجي" ضمن القيود المرتبطة بالمرسوم المشار إليه في السادس من شهر سبتمبر/ أيلول 2018.
وأدرجت الولايات المتحدة الشركة، ومحمد قاطرجي بلائحة العقوبات في العام 2018، وإدراج حسام شقيقه على لائحة العقوبات مع شركة الشقيقين، أرفادا البترولية، بموجب قانون قيصر في العام 2020، وفق التقرير الأميركي.
ولا تقتصر عمليات شركات "القاطرجي" على الداخل السوري فقط، بل تتجاوز حدود سوريا إلى أسواق إقليمية وعالمية. وهو ما تُبرزه الاتهامات الموجهة إليها بتسهيل التدفقات مالية بين عدد من الدول المتورطة في الصراع السوري، كما يتضح من خلال الأسباب التي تستند إليها وزارة الخزانة الأميركية في عقوبتها على الشركة.
من خلال هذه العلاقات، تصبح شركات مثل "القاطرجي" جزءًا من شبكة معقدة من المصالح الاقتصادية والسياسية التي تؤثر على العلاقات الدولية في المنطقة.
في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شركات وأفراد مرتبطين بشركة "القاطرجي" السورية، ارتباطاً بما وصفته الوزارة بـ "الاشتباه في تمويلها الحرس الثوري الإيراني والحوثيين في اليمن".
بحسب الوزارة، فإن "الشركة تجلب دخلا بمئات الملايين من الدولارات لقوات الحرس الثوري الإيراني وحركة أنصار الله (الحوثيين) الحاكمة في شمال اليمن من خلال بيع النفط الإيراني إلى سوريا والصين".
وحينها ذكر القائم بأعمال نائب وزير الخزانة لمكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية برادلي سميث، أن "طهران تعتمد بصورة متزايدة على شركاء تجاريين رئيسيين مثل شركة القاطرجي لتمويل الأنشطة المزعزعة للاستقرار وشبكة من الجماعات الإرهابية بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة".
وفي ضوء التطورات الراهنة وما تكشفه اتجاهات المسؤولين السوريين الحاليين -بقيادة أحمد الشرع- فإن المرحلة المقبلة في سوريا ستشهد تحولات هامة في شكل التعامل مع الشركات المرتبطة بالنظام السابق. مع تغييرات سياسية وقانونية عميقة في المستقبل القريب.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي
ملف تعريف الارتباط هو نص صغير يتم إرساله إلى متصفحك من الموقع الإلكتروني الذي تتم زيارته. ويساعد هذا الملف الموقع الإلكتروني في تذكّر معلومات عن زيارتك، ما يسهّل زيارة الموقع مرّة أخرى ويتيح لك الاستفادة منه بشكل أفضل.